بدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل غير مكترثة من تحذير وكالة ستاندرد آند بورز، إلا أنها من وجهة نظر مراقبون غافلة عما يحدث على نحو يثير القلق.
عبد الاله مجيد: عندما حذرت وكالة ستاندرد اند بورز للتصنيف الائتماني من انها قد تخفض تصنيف 15 دولة في منطقة اليورو بدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل غير مكترثة وقالت ان ما تفعله وكالة التصنيف هو مسؤوليتها.
وقال منتقدون أن مثل هذه اللامبالاة تجاه اضطرابات السوق تكمن في اساس ازمة اليورو. واشاروا الى ان ميركل نادرا ما كانت تتحرك بسرعة أو بجرأة كافية لوقف هبوط اليورو.
ومن وجهة نظر مسؤولين أميركيين فإن ميركل تبدو غافلة عما يحدث في السوق على نحو يثير القلق. ولكن ما كان في الظاهر قيادة مترددة أو حتى متخبطة يبدو الآن بصورة متزايدة انها استراتيجية ثابتة في الوقوف على الحافة لإعادة بناء منطقة اليورو وفق مشيئة المانيا ، كما تقول صحيفة نيويورك تايمز.
وكانت ميركل دأبت في المنعطفات الدقيقة منذ بدء الأزمة على رفض المناشدات الداعية الى تهدئة الأسواق المالية بخفض تكاليف الاقتراض ولوحت بدلا من ذلك بعصا اسعار الفائدة المرتفعة لانتزاع تغييرات مؤلمة في بلدان مثل اليونان وايطاليا قاومت مثل هذه التغييرات في السابق.
ويرى محللون ان هذه استراتيجية ذكية تتيح للمستشارة الالمانية ان توفق بين مصالح متضاربة في الداخل حيث لا يريدها الالمان ان تقدم مزيدا من الضمانات على حساب دافعي الضرائب لمكافحة ازمة الديون السيادية ، وفي الخارج حيث يتوسلون بها ان تقدم مثل هذه الضمانات. ولكنها استراتيجية محفوفة بالمخاطر ايضا.
وإذا أُبقي على اليورو ومضت اوروبا نحو وحدة أمتن فان ميركل ستحظى على الأرجح بنصيب الأسد من الثناء والتقدير وربما الاحتفاء بها ذات يوم بكونها quot;منقذة اوروباquot; ، على حد وصف نيويورك تايمز. ولكن إذا اتضح ان وصفاتها ليست شافية فانها يمكن ان تُتهم بالمسؤولية عن قيادة انهيار اليورو مع ما يترتب عليه من تداعيات لا نظير لها من قبل على الاقتصاد العالمي.
وفي كلا الحالتين يبدو ان ميركل ، الداعية الصلبة للتقشف والانضباط المالي، نالت لقب سلفها في القرن التاسع عشر اوتو بسمارك الذي سُمي المستشار الحديدي.
وتتصل ميركل كل يوم تقريبا بمسؤولي الادارة الاميركية الذين يأملون بأن تنجح في السيطرة على الأزمة أو على الأقل ان ينالوا موافقتها الضمنية على تدخل البنك المركزي الاوروبي بدور اقوى رغم انها تتفادى مطالبهم بتحرك أشد فاعلية.
وجاءت قيادة ميركل بثمن باهظ على البلدان المستدينة وخاصة بلدان الأطراف التي خفضت الانفاق العام في وقت ارتفعت فيه معدلات البطالة. فان البطالة بين الشباب الاسباني تبلغ نحو 50 في المئة وهي حقيقة تثيرها ميركل امام جمهورها المحلي عندما تدعو بحذر الى مزيد من التدخل.
وكانت التغييرات التي اقترحتها ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على معاهدة الاتحاد الاوروبي عقب اجتماعهما في باريس يوم الاثنين ، بعيدة عن الأذهان في بداية الأزمة لأنها تتطلب من الدول ان تتنازل عن درجة كبيرة من سيادتها الاقتصادية. وهي عملية يقول العديد من المراقبين وخاصة في الصحافة البريطانية الشعبوية ، انها جارية على في كل الأحوال. وهم يقولون ان الهيمنة الالمانية في منطقة اليورو تحققت بالفعل ، وان ميركل هي زعيمة اوروبا غير الرسمية ولكن بدون منازع.
ورغم بروز ميركل على المسرح العالمي بوصفها فيزيائية من المانيا الشرقية تحولت الى سياسية فانها صاحبة شخصية متواضعة في برلين. وما زالت ميركل تسكن مع زوجها المختص بالكيمياء الكمية ولا يحب الظهور امام وسائل الاعلام ، في الشقة نفسها التي كانا يعيشان فيها قبل ان تصبح مستشارة المانيا. وتنقُلها رحلتها اليومية عبر الطريق السابق الذي يخترق جدار برلين ليذكرها بالسنوات التي عاشت حبيسة وراءه.
قد يتقرر مستقبل الاتحاد الاوروبي في قمة هذا الاسبوع في بروكسل. ولكن يوما عاديا في برنامج ميركل في العاصمة الالمانية يبين المطالب الفريدة المطروحة عليها بوصفها زعيمة تقوم بدور الركيزة التي تنهض عليها اسواق المال في العالم وبوصفها شخصا عليه ان يقوم بدور المشرِّع والقائد الحزبي.
وكانت ميركل قارنت في كلمة القتها في الرايخشتاغ الاسبوع الماضي الخطوات الرامية الى تعزيز منطقة اليورو بالماراثون. وبعد القاء الكلمة جلست مع رفاقها من اعضاء البرلمان للاستماع الى قادة المعارضة وهم يحملون عليها لفشلها في معالجة الأزمة. وإذ كانت العدسات مصوبة نحو المتكلمين بعيدا عنها تثاءبت ميركل وهمدت في مقعدها في لحظة ضعف نادرة لم تدم طويلا. وسرعان ما بدأت سلسلة من النقاشات متحدثة بهمس مع وزير الاقتصاد ونائبها فيليب روسلر ومع شويبله وزير ماليتها القوي.
وبعد 90 دقيق في البرلمان غادرت لتسجيل كلمتها الاسبوعية على الانترنت التي كانت هذا الاسبوع عن الكفاءة في استهلاك الطاقة ، والتهيؤ لاستقبال المستشار النمساوي فيرنر فايمان. وبعد مؤتمر صحفي مشترك استقلت ميركل سيارة اودي سوداء متوجهة الى مقر حزبها الاتحاد المسيحي الديمقراطي. وغادرت لتوجيه كلمة في جمعية الالمان المهجرين من الاراضي التي فقدتها المانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
قبل الأزمة كانت ميركل صاحبة سمعة بكونها مستشارة لتصريف العمال وسياسية تعطي الناخبين ما يريدون وتفضل الابتعاد عن الهزات. وقالت ذات مرة quot;ان قلة منا ربما ظنت انه لن يكون هناك كل هذا الكم من العمل بعد توحيد المانيا. وكنا مخطئين على هذا الصعيدquot;.
التعليقات