عزز تخفيض التصنيف الإئتماني للولايات المتحدة مخاوف الأسواق العالمية من المزيد من الإنحدار الإقتصادي.


دبي: يشهد العالم اليوم تحولات مستمرة في مراكز القوة الاقتصادية العالمية؛ حيث تسير دول العالم الغربي نحو مزيد من الانحدار الاقتصادي، بينما تعزز دول الشرق وتيرة صعودها. ولعل أحداث الأسابيع القليلة الماضية تعكس حقيقة هذا التغيير المستمر.

وكما توقعنا مسبقاً، لجأت وكالة quot;ستاندرد آند بورزquot; إلى تخفيض التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة من المستوى (AAA) إلى المستوى (AA)، حيث كانت هذه الخطوة حتمية ولاسيما بعد اتباع البلاد سياسةً خضعت لآليات المراوغة على مدى الأسابيع الأخيرة فيما يخص معالجة مشاكل الديون. ويعتبر هذا التخفيض الأول من نوعه الذي تتعرض له الولايات المتحدة منذ حصولها على تصنيف (AAA) في عام 1917.

وفي غضون ذلك، تواصل الأسواق المالية الضغط على منطقة اليورو لإيجاد مزيد من الحلول الناجعة لمشاكل الديون. كما شهدت أسواق السندات الإيطالية والإسبانية موجة بيع قوية خلال الأسبوع الماضي مع اتساع الفرق بين سِعْرِي العرض والطلب إلى أقصى حدوده مقابل السندات الألمانية.

وتتجسد المشكلة الراهنة في أن القيادات السياسية والاقتصادية لدول العالم الغربي تواصل سعيها لإحكام السيطرة على شتى المسائل الأساسية العالقة. ويحتدم الجدل بين محافظي البنوك المركزية الأوروبية فيما يخص الخطوات الواجب إتباعها في الوقت الذي أفضى فيه التناحر السياسي إلى خفض التصنيف الائتماني الأميركي.

وتجد القيادات الاقتصادية لدول العالم الغربي أن الوضع الراهن يتطلب مزيداً من التفكير الجذري حول كيفية التعامل مع مجمل هذه القضايا مع الأخذ بعين الاعتبار أن معظم دول الغرب قامت على مفاهيم الرأسمالية والديمقراطية الاجتماعية التي بات من المكلف جداً الالتزام بها، خاصةً وأن سبل الرعاية الصحية وخطط الإنفاق الحكومي المركزي تجاوزت وتيرة النمو الاقتصادي عموماً.

ومن هذا المنطلق، يتعين على صناع السياسة مراجعة المزايا والمنافع الاجتماعية وتحرير القطاع الخاص بغية توليد مزيد من الأرباح وتعزيز نمو العمالة. ولكن للأسف ما يزال أمام صناع السياسة اليوم قدر كبير من الإصلاحات الجذرية الواجب إجراؤها.

ومن جانب آخر، يبدو من المشجع القيام بشراء الأسهم ولاسيما بعد هبوطها بنسبة 10% تقريباً خلال الأسبوع الماضي. ولنكون أكثر ثقة فيما إذا كان الشراء يشكل خطوة صحية حالياً، يجب ضمان أن لا يتسبب الهبوط الأخير الذي شهدته الأسواق المالية في حدوث تأثيرات سلبية واضحة على النمو العالمي. وفي الواقع، تبدو تقييمات الأسهم متدنية- (حيث يتم تداول أسواق الأسهم بمنطقة اليورو عند مضاعف ربحية بواقع 9.7، وبنسبة حصص أرباح تبلغ 5%)، بينما تميل أسعار الفائدة إلى الاستقرار عند نسبة متدنية للغاية خلال الفترة المقبلة.

وتحظى الشركات في شتى أرجاء العالم بتدفقات نقدية كبيرة، كما تمتلك القدرة على زيادة حصص الأرباح و/أو ضخ السيولة النقدية بالأسواق عبر عمليات الاندماج والاستحواذ. وقد أسهم هبوط الأسهم ضمن العديد من الأسواق في استقرار العائد على حصص الأرباح عند أو فوق مستوى عائدات السندات الحكومية. ومن المتوقع أن تسجل سوق الأسهم العالمية حصص أرباح بواقع 2.8% قياساً مع عائدات السندات الأميركية لأجل 10 سنوات البالغة نسبتها 2.5% والمحتسبة بالدولار الأميركي.

وفي أوروبا - باستثناء المملكة المتحدة - تتجاوز عائدات الحصص المستقرة عند نسبة 5.0% مستوى عائد السندات لمعظم البلدان الأوروبية. ونعتقد أن الشركات التي توفر حصص أرباح عالية تمثل استراتيجية مناسبة من شأنها تحقيق عوائد مجزية على المدى المتوسط للمستثمرين.

وفي ظل المناخ الحالي المشوب بالمخاوف؛ من المرجح أن تشهد الأسواق تداولات بالاعتماد على الجوانب الفنية، بمعنى أن المستثمرين سيتطلعون إلى ظهور بوادر الدعم الرئيسية من البيانات الاقتصادية. وبالنسبة لسوق الأسهم الأميركية، يستقر دعم مؤشر quot;ستاندرد آند بورز 500quot; عند المستوى 1178 نقطة، ومن المحتمل أن يهبط المؤشر نحو مستوى 1050 نقطة في حال تجاوز مستواه الحالي، وهو ما سيمثل مزيداً من مخاطر الهبوط بواقع 13%.

ومن ناحية أخرى، سجلت سوق دبي المالي مستويات منخفضة جديدة عند 1352 نقطة في مارس الماضي، وهو ما يمثل مخاطر للهبوط بنسبة 9%. ولكن سنوصي بالشراء عند هذه المستويات بغض النظر عن المخاطر التي تتهدد النمو الاقتصادي قريب الأجل.

وتتجلى المشكلة الكبرى بالنسبة للمستثمرين في الوقت الراهن من خلال الافتقار إلى النمو في الولايات المتحدة وأوروبا؛ إذ يتواصل تسجيل البيانات الاقتصادية المخيبة للآمال، إلى جانب المخاوف من أن تسهم موجة التقلبات الأخيرة في الأسواق في تعزيز مزيد من القلق والنواحي السلبية.

وفي الولايات المتحدة، تراجع مؤشر الثقة في قطاع التصنيع على نحو تجاوز التوقعات. كما تراجع مسح معهد إدارة المبيعات (ISM) للثقة الصناعية إلى المستوى 50.9، وهو أدنى بكثير من التوقعات.

ويعتبر هذا المؤشر واحداً من بين أهم المؤشرات كونه يرتبط بشكل وثيق مع الوجهة العامة لسوق الأسهم؛ فعندما يهبط مؤشر مسح معهد إدارة المبيعات (ISM)، تميل سوق الأسهم للهبوط أيضاً- وهو ما حدث الأسبوع الماضي على نحو قوي. وتمثلت الأنباء الطيبة في الأسبوع الماضي من خلال بيانات العمالة الأميركية التي جاءت متماشية مع التوقعات إلى حد كبير؛ ولكن إضافة 117 ألف وظيفة جديدة إلى سوق العمل في شهر يونيو تبقى ضعيفة بالنسبة لاقتصاد بحجم الولايات المتحدة.

وفي سياق آخر، نعتقد أن خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة سيؤثر بشكل كبير على سوق الدين الأميركية عند هذه المرحلة. وقد سجلت سندات الخزانة الأميركية أداء جيداً نسبياً في حين واجه المستثمرون موجة بيع قوية ضمن أسواق المخاطر مثل سوق الأسهم.

كما تراجعت عائدات السندات الأميركية لأجل 10 سنوات إلى أدنى مستوياتها ملامسةً القاع 2.40%، في حين بلغت نسبة العائدات مع بداية الأسبوع حوالي 2.75%، مما يعني تسجيل مكاسب جيدة في رأس المال بالنسبة لأصحاب الديون الأميركية. وبينما قد يلجأ أصحاب الديون الأميركية - مثل الهيئات المالية الصينية- إلى رفع سقف مخاوفهم حيال وضع الموارد المالية الأميركية، إلا أن تأثير ذلك حتى الآن تمثل بزيادة استثماراتهم في السندات الأميركية.

وبذلت أوروبا جهوداً حثيثة فاقت جهود الولايات المتحدة على صعيد معالجة مشكلة الديون المتعثرة، ولكن تنتاب المستثمرين المخاوف بأن الأموال الموضوعة جانباً لدعم النظام المالي تبدو غير كافية لمواجهة المسائل الملحة المحتملة ومعالجتها.

وكما أوضحنا في الأسبوع الماضي، فإن كمية الأموال في quot;صندوق الاستقرار المالي الأوروبيquot; (EFSF) تبدو غير كافية لتغطية المشاكل المحتملة في اسبانيا وايطاليا، حيث سيجتمع القادة الأوروبيون مجدداً هذا الأسبوع لدراسة إضافة مزيد من الأموال للصندوق.

وقد تجري إسبانيا وإيطاليا خطوات إضافية لإقناع الأسواق بأنهما تسيطران فعلاً على مشاكل ديونهما، ولكن مع الأخذ في الحسبان أن إسبانيا قد شرعت بالفعل في تخفيض عجز ميزانيتها من 9.6% إلى 6.0% خلال العام الجاري. ومن المرجح أن يعمل quot;البنك المركزي الأوروبيquot; على تحقيق الاستقرار في الأسواق عن طريق احتمال شراء الديون الإسبانية والإيطالية مما يسهم في خفض عائدات السندات.

وفي سياق آخر، بدأت السلطات السويسرية واليابانية العمل على كبح جماح قوة عملتيهما؛ ففي سويسرا، اتخذت السلطات خطوات لخفض أسعار الفائدة إلى الصفر تقريباً، ورفعت القاعدة النقدية للاقتصاد من 30 إلى 80 مليار فرنك سويسري. كما تدخل بنك اليابان من أجل إضعاف الين الياباني الذي شهد في بادئ الأمر تراجعاً بواقع 4% مقابل الدولار.

ونعتقد أن السلطات اليابانية ستواصل تدخلها حيال ذلك، كما أن أي زيادة في قيمة الين إلى المستوى 75-76 مقابل الدولار سيواجه موجات بيع أكثر من قبل بنك اليابان.