القاهرة: حالة من الكساد التجاري تعيشها مدينة غازي عنتاب التركية القديمة، المتاخمة للحدود السورية، نتيجة للعقوبات التي فرضتها تركيا مؤخراً على الجانب السوري، في ظل مواصلة الحكومة هناك حملتها القمعية بحق المتظاهرين العزل المنادين برحيل الأسد.
فليس هناك أي وجود للأربعين ألف مواطن السوريين الذين كانوا يتدفقون شهرياً إلى مركز تسوق سانكو بارك من أجل شراء أغطية رأس أو أحذية ماركة غوتشي مخفضة الأسعار. ولم تعد هناك حاجة لعمل دعاية إعلانية باللغتين العربية والتركية. ويقتصر الحضور الآن على من يأتون من مدينة حلب الواقعة على بعد 60 ميلاً.
ونقلت اليوم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية عن إركان ناكاروغلو، صاحب محل مجوهرات، قوله: quot;نفتقد الآن السوريين. ونأمل أن تنتهي تلك الأزمة، لأنها تصيب المجتمع المحلي في مقتلquot;. ثم لفتت الصحيفة إلى مدى متانة العلاقات التي كانت تجمع بين سوريا وتركيا قبل عام واحد فقط، في وقت كان يسعى فيه حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لبسط نفوذ البلاد الاقتصادي والتحول إلى قوة إقليمية.
وتابعت الصحيفة بلفتها كذلك إلى أن حدود تركيا الممتدة مع سوريا بطول 500 ميل هي الحدود الأطول بالنسبة لتركيا، وأنه أثناء الإمبراطورية العثمانية، كانت مدينة غازي عنتاب جزءً من محافظة حلب السورية. ومن جانبها، ظلت سوريا متأثرة بالنفوذ التركي، ابتداءً من الهندسة العثمانية وانتهاءً بالشعبية المتواصلة للمسلسلات التركية الجماهيرية. كما زاد حجم التعاون التجاري بين الدولتين لأكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 2006، ليصل إلى قيمة قدرها 2.5 مليار دولار في عام 2010.
ورغم المحاولات التي قام بها مسؤولون أتراك على مدار شهور من أجل إقناع الرئيس بشار الأسد بأن يوقف حملته القمعية ضد المتظاهرين المدنيين، إلا أنها لم تكلل بالنجاح، ما جعلهم ينقلبون عليه في نهاية المطاف. وبالإضافة للعقوبات التي تم فرضها من جانب الجامعة العربية، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، جاءت التدابير الصارمة التي قررتها تركيا ndash; بما في ذلك قيامها بتجميد أصول الحكومة السورية ndash; لتبدأ بصورة تدريجية في تضييق الخناق على نظام الرئيس الأسد.
غير أن العاملين في قطاع الأعمال والتجارة في غازي عنتاب بدؤوا يشكون من تداعيات هذا التصعيد على شؤونهم الخاصة في كلا الجانبين. حيث تظاهر يوم أمس أكثر من 150 تركي من سائقي الشاحنات بعد أن أُجبِروا على ترك مركباتهم في سوريا والسير على أقدامهم حتى الحدود التركية؛ بعد قيام سوريا بإغلاق معبرها القريب من أورفة في شرق تركيا. وقال السائقون في تصريحات لوسائل إعلام تركية إن لصوصاً سوريين قاموا بسرقة بطاريات وإطارات السيارات الخاصة بهم. كما بدأت الشركات التركية التي كانت ترتكز على سوريا كنقطة عبور إلى الشرق الأوسط في وقف تعاملها معها، وبدأت تشحن بضائعها عبر العراق والبحر المتوسط.
كما قامت سوريا الأسبوع الماضي من جانبها بتعليق اتفاقيتها الخاصة بالتجارة الحرة مع تركيا، وردت على العقوبات التركية بفرضها ضرائب تصل إلى 30% على البضائع التركية القادمة إلى البلاد، وهي ذات الخطوة التي لجأ إليها الجانب التركي.
وقد اتفق كافة العاملين في القطاع التجاري على أن تحول الجغرافيا السياسية بالمنطقة قد وضع رجال الأعمال في مواجهة مع مجموعة من الأمور السيئة، حتى في الوقت الذي اعترف فيه وزير الاقتصاد التركي، ظافر كاغلايان، الأسبوع الماضي، بأن سوريا تعاني أكثر من بلاده، وهي تعد ثاني أكبر سوق تصدير لتركيا بعد الصين.
ثم نوهت الصحيفة لحالة الانقسام في الرأي التي نجمت أيضاً عن القرار الذي اتخذته تركيا بأن تصبح صوتاً ممثلاً لموجة الغضب الإقليمي المناهضة لحكومة الأسد، في تلك المدينة التي تمتزج بها الثقافة العربية والتركية منذ قرون. فأبدى إيمري هاديموغولاري، 22 عاماً، طالب يدرس الهندسة الكهربائية في غازي عنتاب، غضبه الشديد من سياسة الحكومة التركية في سوريا. بينما أشار حسين قبيض، محلل متخصص في شؤون الأسواق من حلب وواحد من السوريين القلائل الذي بقوا في غازي عنتاب، إلى أن الأزمة لم تضر بعلاقته بأصدقائه الأتراك، رغم أنه يتجنب التحدث عن السياسة هذه الأيام.
ولفت كذلك إلى أن العقوبات التي فرضتها تركيا أثرت بالسلب على جميع السوريين، بما في ذلك المتظاهرين الذين يحظون بدعم تركيا. وأضاف quot;العقوبات لن تحل أي شيء. فالثمن آخذ في التزايد للجميعquot;. وقال كذلك سينغيز أكينال، نائب رئيس شركة أكينال بيلا المُصنِّعَة للأحذية والتي تستورد قطعاً لأحذيتها من بعض الحرفيين في سوريا، إن الزيادة التي فرضتها تركيا على البضائع القادمة من سوريا دفعتني لاستيراد تلك القطع من الصين.
التعليقات