تورط البنك اللبناني الكندي في تمويل عمليات حزب الله

في أعقاب التحضير لبيع البنك اللبناني الكندي، فتحت دفاتر حساباته، التي كشفت عن أساليب سرية إستعان بها تنظيم حزب الله في تمويل عملياته الخاصة، وأوجدت أدلة على وجود جهاز عالمي معقّد يمدّ يد العون للتنظيم.


القاهرة: إتهمت إدارة الرئيس باراك أوباما في شباط/ فبراير الماضي أحد البنوك السرّية الشهيرة في لبنان بالتورّط في غسل أموال لمصلحة عصابة كوكايين دولية، تربطها علاقات بحزب الله.

والآن، وفي أعقاب فضح البنك اللبناني الكندي والتحضير لبيعه، فتحت دفاتير حساباته الباب أمام كشف أسرار أكثر عمقاً بشأن الأساليب السرية، التي استعان بها حزب الله في تمويل العمليات الخاصة به.

وأظهرت الأوراق أدلة تبين وجود جهاز عالمي معقّد لغسل الأموال (يعتبر البنك محوره)، بدا وأنه قد سمح لحزب الله بنقل مبالغ كبيرة من الأموال إلى النظام المالي المشروع، رغم العقوبات التي استهدفت قطع شريان الحياة الاقتصادي عنه.

في الوقت نفسه، قدمت التحقيقات، التي قادت الولايات المتحدة إلى ذلك البنك، وهو البنك اللبناني الكندي، نظرة ثاقبة جديدة في المصادر الغامضة للأموال الخاصة بحزب الله.

وفي الوقت، الذي لطالما ظلت فيه وكالات إنفاذ القانون حول العالم تعتقد أن حزب الله مستفيد سلبي من التبرعات التي تأتي من المواليين في الخارج، ويشاركون في الاتجار بالمخدرات ومجموعة من الأعمال الإجرامية الأخرى، فإن معلومات استخباراتية من دول عدةأشارت إلى تورّط مسؤولين كبار من حزب الله بشكل مباشر في تجارة الكوكايين في أميركا الجنوبية، وفقاً لما ذكرته اليوم صحيفة النيويورك تايمز.

وقد شبَّه أحد العملاء، الذين شاركوا في مجرى التحقيقات حزب الله بالمافيا، وقال quot; يتصرّف مسؤولو حزب الله مثلما يتصرّف أفراد عصابة عائلة غامبينو مع المنشطاتquot;.

وقد أعلن مسؤولون فيدراليون في فيرجينيا يوم أمس عن إدانة الرجل المتورّط في قضية البنك اللبناني الكندي، متهمين إياه بأنهتاجر في المخدرات، وقام بغسل أموال، ليس فقط للعصابات الكولومبية، وإنما كذلك لعصابة لوس زيتاس المكسيكية القاتلة.

إلى هنا، أشارت الصحيفة الأميركية إلى أن تلك الكشوفات، التي أعلن عنها بخصوص حزب الله والبنك اللبناني الدولي، جاءت لتعكس تغير الآليات السياسية والعسكرية للبنان والشرق الأوسط.

ويعتقد محللو الاستخبارات الأميركية أن حزب الله تلقى على مدار سنوات مبالغ وصلت إلى 200 مليون دولار سنوياً من إيران، جنباً إلى جنب مع مساعدات إضافية من سوريا. غير أن المحللين لفتوا إلى تناقص تلك المساعدات، خاصة بعد انكباب الاقتصاد الإيراني تحت وطأة العقوبات الدولية بشأن برنامجها النووي، وانشغال الحكومة السورية بالتعامل مع الانتفاضة الشعبية الحاصلة هناك.

لكن الصحيفة نوهت بعدها إلى تزايد متطلبات واحتياجات حزب الله المالية بالاتساق مع تنامي شرعيته في لبنان، وذلك على خلفية مساعيه الرامية إلى إعادة بناء الصفوف عقب الحرب، التي خاضها ضد إسرائيل عام 2006، وكذلك توسيع محفظته من الأنشطة الخدمية والسياسية والاجتماعية.

وكانت النتيجة، وفقاً لرؤى محللين، هي ارتكاز الحزب بشكل كبير على الأعمال الإجرامية ndash; وبخاصة تجارة الكوكايين في أميركا الجنوبية ndash; وعلى آلية لنقل أمواله غير المشروعة في أنحاء العالم كافة.

وقال ديريك مالتز، مسؤول في وكالة مكافحة المخدرات ويقوم بعملية الإشراف على التحقيقات التي تجريها الوكالة في قضية البنك اللبناني الكندي،: quot;إن قدرة الجماعات الإرهابية، كحزب الله، على الاستفادة من تيارات التمويل الإجرامية فيكل أنحاء العالم هي التحدي الأحدث في مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبرquot;.

وفي ذلك التحقيق، قال مسؤولون من وزارة الخزانة الأميركية إن مدراء مصرفيين كبارًا ساعدوا حفنة من أصحاب الحسابات على إدارة برنامج يعنى بغسل أموال المخدرات، عن طريق مزجها بعائدات سيارات مستخدمة، يتم شراؤها في أميركا وبيعها في أفريقيا. وأوضح المسؤولون أنه يتم تخصيص جزء من الأرباح إلى حزب الله.

وقد رفض المسؤولون أن يكشفوا عمّا لديهم من أدلة في هذا الخصوص، غير أن الخطوط العريضة لوجود شبكة كبيرة متخصصة في غسل الأموال، والدرجة التي غمر بها نشاط حزب الله عمليات البنك، قد ظهرت خلال الأشهر الأخيرة، مع بيع أصول البنك غير المشبوهة، بمباركة أميركية، إلى شريك في بيروت لبنك سوسيتيه جنرال الفرنسي.

وتم الكشف عن عملية غسل الأموال هذه، بعدما وجد مراجعو حسابات تم استدعاؤهم لجرد الدفاتر، أن هناك ما يقرب من 200 حساب مشبوه على صلة بحزب الله وعلامتهم التقليدية الخاصة بغسل الأموال.

وتم الكشف عن أن أموالاً، تقدر بمئات الملايين من الدولارات، قد تم ضخّها في حسابات، يملكها في الأساس رجال أعمال شيعة في الدول، التي تقوم بتهريب مخدرات في غرب أفريقيا، حيث يعرف كثيرون منهم أنصار حزب الله، ويتاجرون في كل شيء، بدءًا من الماس الخام، وانتهاءً بمستحضرات التجميل والدجاج المجمّد، وذلك وفقاً لما نقلته الصحيفة في هذا الصدد عن أناس على دراية بالموضوع في كلا من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.

وقد سمح هذا النظام لحزب الله بألا يخفي فحسب مصادر ثروته، وإنما تورّطه كذلك في مجموعة من الأعمال التجارية، التي كان من بينها تلك الصفقة، التي تعتبر أغلى صفقة بيع أراض في تاريخ لبنان، وهي الخاصة بشراء قطعة أرض في أواخر العام الماضي، تزيد مساحتها عن 740 فدان بكر مطلة على البحر المتوسط في منطقة الشوف، التي تشهد تنوعاً دينياً، بقيمة قدرها 240 مليون دولار. وكان البائع صائغًا مسيحيًا ثريًا، يُدعى روبرت معوض، له زبائن من العائلة المالكة السعودية ونجوم هوليوود. والمشتري، على الورق على الأقل، فكان تاجر ماس شيعي، يُدعى ناظم سعيد أحمد.

وبحسب أشخاص على دراية بسوق العقارات في بيروت، فإن المستثمر الرئيس في شركة التطوير هو أحد أقرباء القائد السابق في حزب الله، علي تاج الدين. وقد استقبل المستثمر، بدوره، أموالاً تدفقت عبر البنك من شركات، تعتبرها الولايات المتحدة واجهات لحزب الله، ومن تجار متورّطين في المتاجرة بالصراع، الذي يُطلق عليه الماس والمعادن، وفقاً لما صرح به الأميركيون والأوروبيون المطلعون على المسألة.

وقد قدم البنك اللبناني الكندي في هذا الصدد قرضاً مهماً. وفي مقابلة أجريت معهأخيرًا من منزله الكائن في منطقة الطيبة (شمال المنطقة الحدودية مع إسرائيل أو كما تقول اللافتة هناك فلسطين)، نفى علي فيّاض، الخبير الاستراتيجي البارز في حزب الله والنائب في البرلمان، أن يكون الحزب وراء صفقة الأراضي، التي أنجزتأخيرًا، في منطقة الشوف أو أي من صفقات الأراضي المماثلة.

كما نفى المزاعم الأميركية المتعلقة بتورّط الحزب في نشاطات، خاصة بالاتجار في المخدرات، واصفاً إياها بـ quot;الدعاية ذات الدوافع السياسيةquot;، وأضاف: quot;ليست لنا علاقة بالبنك اللبناني الدولي. وما تفعله الولايات المتحدة الآن هو أنها تضطهد رجال الأعمال الشيعة الأبرياء، كوسيلة لمعاقبتنا، لأننا حسمنا معركتنا مع إسرائيل لمصلحتناquot;.

وبعدما نما إلى علم كبار المسؤولين في القيادة الأميركية التفاصيل الخاصة بتلك القضية في خريف عام 2010، اقترح بعض المسؤولين عدم ذكر صلة حزب الله بالموضوع.

وقالوا إن إدراج البنك في القائمة السوداء سوف يعطّل الشبكة، بينما سيعزل الولايات المتحدة عن شكوك اللعب في السياسة، خاصة في ظل تخوف أميركا من انحسار نفوذها في الشرق الأوسط. أما الرأي الغالب، فأكد أن القضية تقدم ما وصفها أحد المسؤولين بـ quot;الفرصة العظيمة لتشويه سمعة حزب اللهquot;، من خلال التأكيد على نِفاق الحزب، الذي يستفيد من الأنشطة والأعمال ذات الطبيعة الإجرامية.

وتابعت النيويورك تايمز بنقلها عن جون برينان، مستشار الرئيس الأميركي لشؤون مكافحة الإرهاب، قوله: quot;أرى أن حزب الله، إن كان متورّطاً في تجارة المخدرات، فلنتأكد من إخراج كل التفاصيل المتعلقة بهذا الأمر إلى النورquot;.

ثم مضت الصحيفة تتحدث عن تاريخ حزب الله، الذي يوصف بأنه دولة داخل دولة، خاصة وأنه قد تأسس قبل 3 عقود، باعتباره قوة تستهدف الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.

وفي مقابلة أجريت معه، قال اللفتنانت كولونيل جوزف سكاف، رئيس وحدة المخدرات وغسل الأموال في هيئة الجمارك اللبنانية، إن المسافرين يسمح لهم بجلب مبالغ غير محددة من الأموال من دون الإعلان عنها، ولفت إلى أن 12 ضابطاً فقط يعملون معه في البحث عن المخدرات، وأن الماسحات الضوئية في المطار والميناء لا تعمل.

وتبعاً لتقويم خاص بمكتب المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة، كما ورد في وثيقة مسرّبة تخصّ الخارجية الأميركية عام 2009، فإن حزب الله، وعبر عناصر إجرامية بتلك الجاليات التي هاجرت إلى لبنان، قد تمكّن من توطيد مكانته في تجارة الكوكايين.

من ناحية الاتجار، كان يتواجد المهاجرون في الأماكن المناسبة في التوقيتات المناسبة. ومع تزايد الطلب في أوروبا والشرق الأوسط، بدأت العصابات تسلك طرقاً جديدة، من كولومبيا وفنزويلا والجبهة المحظورة، التي تجابه فيها دول البرازيل والباراغواي والأرجنتين دولاً في غرب أفريقيا، مثل بنين وغامبيا. ومن هناك، يتم نقل المخدرات شمالاً عبر البرتغال أو إسبانيا، أو شرقاً عبر سوريا وكذلك لبنان.

ووفقاً لما قاله الكولونيل عادل مشموشي، رئيس مكتب مكافحة المخدرات في لبنان، فإن مسلكاً واحداً إلى داخل البلاد، كان يتم من خلال رحلة أسبوعية لطائرة إيرانية آتية من فنزويلا إلى دمشق، ومن ثم عبر الحدود. وقد أكد العديد من المسؤولين الأميركيين ذلك، قائلين إن عملية كهذه ستكون مستحيلة من دون تورّط حزب الله.

ثم لفتت الصحيفة إلى أن محققين في أميركا الجنوبية وأوروبا بدأوا يلاحظون وجود لوسطاء شيعة لبنانيين يعملون لمصلحة العصابات. غير أن الدليل الأقوى على تنامي دور حزب الله في تجارة المخدرات، وهو أنه لم يكن مستفيداً سلبياً من الأموال المشبوهة فقط، قد جاء من التحقيقين، اللذين قادا في نهاية المطاف إلى البنك اللبناني الكندي.

بدأت العملية مع رجل يعرف باسم طالبان، وكان في الواقع مواطناً لبنانياً، يُدعى شكري محمود حرب، حيث التقى في حزيران/ يونيو عام 2007 في بوغوتا بعميل سرّي، يعمل لدى إدارة مكافحة المخدرات، وحدد له الطريق، الذي يمكن له أن يسلكه. وتم شحن الكوكايين، عن طريق البحر، إلى ميناء العقبة الأردني، ثم تم تهريبه إلى داخل سوريا.

وبعدما تفاخر حرب بأنه بمقدوره توصيل 950 كيلو إلى داخل لبنان في غضون ساعات، لاحظ العميل السرّي مصادفةً أن حرب لا بد وأنه مرتبط بعلاقات بحزب الله. وحين علم حرب بذلك، ابتسم وأومأ. وفي النهاية، أدين حرب في تهم ذات صلة بالاتجار في المخدرات وغسل الأموال، لكن من دون الكشف عن تفاصيل متعلقة بعصب التنظيم.

وفي واشنطن، وبعد نقاش طويل بشأن التوقيت، الذي يمكن التحرّك فيه، وما هي الأمور التي يمكن الإعلان عنها، قررت الإدارة تفعيل بند نادر الاستخدام من قانون باتريوت.

فبعد التأكد من تورّط البنك المذكور في عمليات غسيل أموال، كان من حق وزارة الخزانة الأميركية أن تحوله إلى مؤسسة منبوذة دولياً بمنع المؤسسات المالية الأميركية من التعامل معه. وقد أخطر أوباما بذلك، وفي العاشر من شهر شباط/ فبراير الماضي، بدأ مسؤولو وزارة الخزانة يتخذون خطواتهم الفاعلة في هذا الاتجاه.

وتابعت الصحيفة بقولها إن المسؤولين الأميركيين لم يفلحوا إلا في تحديد حفنة من الحسابات، التي تشوبها عمليات الاتجار بالمخدرات في البنك اللبناني الكندي. ثم نوهت إلى أن البحث عن متاعب أخرى قد بدأ خلال فصل الصيف الماضي، بعدما وافق بنك سوسيتيه جنرال على شراء أصول البنك. وكجزء من اتفاقها مع مسؤولي وزارة الخزانة، وضع مصرف لبنان المركزي آلية لجرد الدفاتر. بيد أن ضباط سلوك الأعمال في سوسيتيه جنرال اشتبهوا في اختيار المصرف المركزي للمحققين.

وبحسب أناس مطلعين على النظام المصرفي اللبناني، فإن ممثل المصرف المركزي الفعلي قد تم تزكيته لهذا المنصب من جانب حزب الله. وهنا، تابعت الصحيفة بقولها إن تحديد الحسابات المشبوهة ليس عملاً ذاتياً، لأن البنوك ترتكز على معايير وبرامج سوفت وير متعارف عليها دولياً تحتوي على مشغلات معينة.

وقد سارت العملية بهذا الشكل بالنسبة إلى أصول البنك اللبناني الكندي، وفقاً لما قاله أميركيون وأوروبيون على دراية بتفاصيل القضية. وقال هنا أحد الأشخاص المطلعين على التحقيقات، في تعقيب له على حجم التعاملات والصفقات وطريقة نقل الأموال: quot;لقد تحول هؤلاء الأشخاص، الذين لم يكن يُسمَع عنهم من قبل، إلى أنجح المليونيرات بين عشية وضحاها. وتلك الأموال هي أموال تخصّ تنظيم حزب اللهquot;.

ومن منظور وزارة الخزانة الأميركية، تعدّ تلك القضية انتصاراً، وإن تحقق بصورة تدريجية، في المعركة التي تم خوضها ضد عمليات تمويل الإرهاب.

وقال دانيل غليسر، مساعد وزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب، إن مصرف لبنان المركزي أظهر جاهزيته لإغلاق البنك اللبناني الكندي، وبيعه كذلك إلى quot;مالك مسؤولquot;.

وقد قطع حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، مقابلة عندما سُئِل عن تداعيات التحرك الأميركي، واصفاً ذلك بـ quot;القصة القديمةquot;. وبالنسبة إلى الحسابات المشبوهة، التي يقدر عددها بحوالى 200 حساب، قال سلامة إنه لا يورّط نفسه في مثل هذه الأمور التجارية.