الأزمة المالية العالمية التي بدأت العام 2008 لم تنته فصولا بعد. وربما كان أحد أهم هذه الفصول هو عمقها الذي بدأ يغيّر معالم الخارطة الاقتصادية العالمية بشكل غير مسبوق في التاريخ المعروف. فللمرة الأولى تجد بريطانيا، مثلا، أنها نزلت الى مرتبة تحت دولة أميركية جنوبية.. وهذه هي البداية فقط.


لندن: للمرة الأولى في التاريخ، تجاوزت البرازيل بريطانيا لتصبح سادس أكبر اقتصاد في العالم. ويقول خبراء الاقتصاد والإحصاءات المتصلة به إن انهيار البنوك في 2008 والركود المالي الذي أعقبه دفع ببريطانيا الى المرتبة السابعة في 2001 خلف ذلك العملاق الأميركي الجنوبي الذي ازدهر اقتصاده على ظهر صادراته الى الصين والشرق الأقصى عموما.

ونقلت الصحافة البريطانية عن دوغلاس ماكوليامز، المدير التنفيذي في laquo;مركز أبحاث الاقتصاد والأعمالraquo; البريطاني قوله: laquo;جميعنا يعلم أن للبرازيل تاريخ طويل في هزيمة الدول الأوروبية على ميادين كرة القدم. لكن ان تهزمها في الاقتصاد فهذه ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ المدوَّنraquo;.

ويضمي ماكوليامز قائلا: laquo;جداولنا عن البنى الاقتصادية العالمية تظهر أن الخارطة تتغير وتكتسب ملامح جديدة ما كانت تخطر على البال قبل وقت قريب نسبيا. فبينما ترتقي الدول الآسيوية وتلك المنتجة للسلع السلم المالي بخطوات ثابتة ومنتظمة، تجد أن الأوروبية تهبط بسرعة تكاد توازي سرعة صعود ذلك الفريقraquo;.

ويتوقع الخبراء لأوروبا أن تعاني من laquo;عشر سنوات ضائعة على الأقلraquo; بسبب انخفاض معدلات النمو الاقتصادي بعد الوفرة التي سادت في السنوات العشرين الماضية ولم تُستغل بما يكفي من ذخائر للمستقبل البعيد. وحذروا من أن تسديد الدول الأوروبية - مثل بريطانيا - ديونها في وقت قصير (وهي خطة الحكومة الائتلافية الآن) سيحد أكير من سرعة النمو ويقف حائلا لسنوات عديدة مقبلة دون استعادتها ما فقدته خلال عملية انهيار القطاع المصرفي الأخيرة.

وبالإضافة الى الأداء البرازيلي المدهش، يقول اولئك الخبراء إن المتوقع للهند وروسيا أن تنتفع كثيرا من آليات النمو المتوفرة لديها وتدفع ببريطانيا الى المرتبة الثامنة ثم التاسعة خلال السنوات العشر المقبلة.

ورغم أن الهند - كبقية العديد من الدول - تعاني من مستوى التضخم العالي والنمو المتباطئ حاليا، فإن ذخيرتها من اليد العاملة المتعلّمة والماهرة في مجالات واسعة من تكنولوجيا المعلومات مرورا بالخدمات وحتى الهندسة، سيضمن لها المرتبة الخامسة في المستقبل القريب. أما روسيا فستجد قوتها المحركة في صادراتها الغالية من النفط والغاز الى أوروبا ومناطق عديدة في آسيا أيضا بحيث تضمن لنفسها المرتبة الرابعة.

يذكر أن المراكز الخمسة الأولى تعود حاليا الى الولايات المتحدة والصين واليابان والمانيا وفرنسا على التوالي. لكن الخبراء في laquo;مركز أبحاث الاقتصاد والأعمالraquo; يقولون إن العام 2020 سيكون قد شهد تغيرا جذريا في هذا الترتيب بحيث تنزل فرنسا الى التاسعة - تحت بريطانيا في الثامنة - والمانيا نفسها الى السابعة.

ورغم أن الاتحاد الأوروبي - الذي وصفه مسؤول صيني مؤخرا بأنه laquo;مجتمع رفاه متآكل الأطرافraquo; - سيظل أحد أكبر الكتل التجارية في العالم، فسيقل قامة عن البنى الاقتصادية الجديدة الناهضة. ويتوقع لإجمالي الناتج المحلي الأوروبي عموما أن ينخفض في تلك الفترة المقبلة بنحو 0.6 في المائة تقفز الى 2 في المائة في حال انهيار اليورو كعملة موحدة. وقارن هذا الحال بنمو صيني يبلغ 7.6 في المائة وهندي بواقع 6 في المائة.

لكن الأنباء السيئة لا تقتصر على أوروبا. فستتأثر بمواجعها تلك الدول التي ترتبط على نحو آخر إما بها مباشرة أو بسوق السلع العالمية. ويقدم الخبراء أمثلة على هذا منها المملكة العربية السعودية التي سينخفض نموها الاقتصادي من 6.1 في المائة العام الحالي الى 4 في المائة، وأيضا تركيا التي شتشهد انخفاضا من 7.1 في المائة إلى 2.5 في المائة.