باريس : قد يشكل الارتفاع الجديد في سعر النفط، في حال ثباته، خطرا على النهوض الاقتصادي في حين لا تزال الاقتصاديات الصناعية تمر في فترة نقاهة وحيث يصبح التضخم مجددا عنصر قلق في الدول الغنية والناشئة على السواء.وبرميل النفط الذي ارتفع سعره في الاسابيع الاخيرة مدفوعا بالتوترات السائدة في مصر، تجاوز يوم الاثنين الماضي في لندن العتبة الرمزية المتمثلة في 100 دولار. وهو مستوى لم يتم تجاوزه منذ اكثر من عامين ويشكل ارتياحا وفائدة للدول المنتجة، لكنه لا يفيد دولا اخرى كانت تبدي ارتياحها في 2010 حيال استقرار الاسعار حول 70 الى 80 دولارا للبرميل.
وحذر مركز دراسات الطاقة الشاملة بالقول ان 'اسعارا نفطية مرتفعة تمثل تهديدا خطيرا للنهوض الاقتصادي' لانها تفاقم التضخم 'خصوصا في الدول النامية'.


وقام الاقتصاديون بتحليل انعكاس سعر الذهب الاسود على النمو فراوا ان زيادة السعر تؤدي الى زيادة التضخم الذي يمكن ان ينعكس على الانتاج والنقل وبالتالي على اسعار الاستهلاك. ويؤثر ذلك على القوة الشرائية لدى الاسر التي تطالب في المقابل برواتب اكثر ارتفاعا ما يسبب المفاعيل التضخمية التي تعرف بانها 'من الدورة الثانية'. وعلى خط مواز، يتراجع الاستهلاك والاستثمار. وفي النهاية، يتباطأ النشاط الاقتصادي. وتبقى الاشارة الى تحديد حجم مثل هذا الانعكاس. ويقول اقتصاديون في دويتشي بنك ان قفزة من عشرة دولارات في سعر البرميل تحرم النمو الاميركي من نصف نقطة مئوية.
الا ان عددا من الخبراء يعتبرون ان التداعيات تلاشت في الدول الغنية. ففي فرنسا، تحدثت دراسة للخبيرتين الاقتصاديتين موريال بارليه ولور كروسون عن 'مقاومة افضل للصدمات النفطية' منذ بداية الثمانينات. وهذا يعود الى 'سياسة طاقة طموحة للحد من الفاتورة النفطية' وسياسة نقدية متشددة لتفادي 'حلقات التصخم اللولبية'، وفق رأيهما.


لكن الدراسة تشير الى ان الانعكاس السلبي على النمو اكثر ظهورا 'اثناء الفترات التي تكون فيها الظروف الاقتصادية الوطنية والدولية سيئة للغاية'، وهذه هي الحال في الوقت الراهن. ويحاول الاقتصاد الاميركي والاقتصاد الاوروبي طي صفحة الانكماش التاريخي في 2009 نهائيا، لكنهما لا يزالان تحت تاثير سياسة نقدية متساهلة. واوضح بن ماي من كابيتال ايكونوميكس انه 'اذا استمر التضخم في الارتفاع'، فان المصارف المركزية ستجد نفسها مدفوعة الى التشدد 'عبر زيادة معدلات الفوائد'. وقال ان 'ذلك سيؤدي خصوصا الى تفاقم وضع الدول الهشة في منطقة اليورو التي تواجه صعوبات للخروج من الانكماش'. لكن المخاطر مرتفعة ايضا في الدول الناشئة: اولا لان النمو القوي يترجم لديها باندفاع تضخمي. ويمكن لقفزة اسعار النفط الخام بالتالي ان تؤدي لدى هذه الدول المستهلكة للمواد الاولية بشكل كبير، الى ارتفاع الاسعار.


ومن جهة اخرى 'فان الاقتصاديات الناشئة اكثر تبعية للنفط ايضا من اقتصادياتنا بسبب بنيتها الصناعية'، كما لفت فيليب مارتين استاذ العلوم السياسية في باريس والذي اضاف ان 'ارتفاع سعر النفط سيترجم بالتالي في هذه الدول زيادة في اسعار (السلع) الصناعية'.وقد تتدخل السلطات النقدية هنا ايضا بحزم لتفادي الزيادة وخصوصا في الصين. وسيترجم تباطؤ النشاط الاقتصادي في الصين بنمو عالمي متدن. وقال بن ماي ان 'كل شيء يتوقف على مستوى (اسعار) النفط الخام والطابع الموقت او الدائم للقفزة الحالية'. ويبقى سعر برميل بـ100 دولار ولو انه غير مثالي بالنسبة الى الدول المستهلكة، ادنى بكثير من الـ147 دولارا التي سجلها في 2008. ويخشى العديد من المحللين ان يواصل النفط اندفاعه.