انطوت اشكالية استئناف تصدير الغاز المصري لإسرائيل على مؤشرات بالغة التعقيد، إذ يلوح في الأفق اعتزام الحكومة المصرية الجديدة تأميم المشروع، أو رفع أسعار الغاز، بينما تؤكد معطيات أخرى أن حسم قضايا فساد نظام مبارك، الذي يحوم حول شركة EMG، هو الفيصل الذي يحدد مصير ضخ الغاز لإسرائيل.


تل ابيب: اعتبرت الدوائر الاقتصادية في تل ابيب أن اتفاق تصدير الغاز المصري لإسرائيل هو الأهم بعد اتفاقية السلام المبرمة بين البلدين عام 78، غير أن تلك الاهمية حملت مؤشرات سلبية في أعقاب سقوط نظام مبارك، إذ يرى وزير البنى التحتية الاسرائيلي quot;عوزي لانداوquot; ان تزويد اسرائيل بالغاز المصري بات مرهوناً بموافقة رئيس الوزراء المصري المكلف عصام شرف، وبمدى استجابة تل ابيب لارتفاع متوقع في أسعار الغاز، خاصة بعد تأكيد أوساط اقتصادية غير حكومية في القاهرة، ان اتفاق تصدير الغاز المصري لإسرائيل كان مبنياً على تحقيق مصالح خاصة لنظام مبارك السابق وأذنابه، وربما صبّت هذه المؤشرات في صالح الدولة العبرية، التي حصلت على الغاز بأسعار تقل عن السوق العالمية.

وتشير المعطيات الاسرائيلية الى انه منذ اليوم الاول، الذي انفجر فيه الانبوب المصري المزود لإسرائيل بالغاز الطبيعي، تتكلف الدولة العبرية ما قيمته 1.3 مليون دولار يومياً في ظل الاعتماد على محطات توليد الكهرباء بالفحم، وتفاقمت الأزمة نهاية الاسبوع الماضي بعد الحريق الذي نشب في محطة quot;يام تاتيسquot; الواقعة قبالة سواحل عسقلان، وهي المحطة التي كانت تعتمد عليها اسرائيل في التزود بالغاز، بعد حالة الجمود التي طرأت على الاتفاق مع شركة EMG، المعنية بتصدير الغاز المصري لاسرائيل، وتلمح تلك المعطيات بحسب تأكيدات وزير البنى التحتية الاسرائيلي عوزي لانداو الى سقوط إسرائيل في هاوية ما وصفه بـ quot;مجاعة الطاقةquot;، التي لابد من التعاطي معها بأسرع صورة ممكنة، ولعل تلك الأزمة وفقاً لصحيفة quot;ذي ميركرquot; الاقتصادية الاسرائيلية، كانت سبباً في الزيارة المفاجئة التي قام بها لانداو للولايات المتحدة مؤخراً، في محاولة للبحث عن حل لتلك المشكلة لدى المصريين.

تأميم الشركة

الى ذلك أعربت دوائر قيادية في الحكومة الاسرائيلية عن بالغ قلقها من بدو العديد من المؤشرات التي تؤكد اعتزام الحكومة المصرية الجديدة تأميم شركة EMG، وكشفت الدوائر ذاتها في تقرير نشره موقع NFC العبري عن ان الاردن بدأ في استئناف الحصول على حصته من الغاز المصري وفقاً للاتفاقيات المبرمة بين البلدين سلفاً، وعلى الرغم من التساؤلات الاسرائيلية، الا ان المعلومات العبرية أكدت ان استئناف ضخ الغاز المصري لإسرائيل بات في شبه المستحيل، في ظل ما وصفته تل ابيب بموقف الدكتور عصام شرف المتشدد حيال تلك القضية، وحرصه على التحقيق في اتهامات تطول شخصيات مصرية مقربة من الرئيس المصري السابق يتقدمها رجل الاعمال الثري حسين سالم، وجمال مبارك وقيادات سياسية اخرى، وتنضوي تلك الاتهامات في تلقي هذه الشخصيات رشاوى لتفعيل صفقة الغاز مع اسرائيل.

ووفقاً للاتهامات التي أبرزها تقرير NFC، تعتزم الحكومة المصرية فتح التحقيق في هذه القضية تحت عنوان عريض يتمثل في الاستيلاء على ثروات البلاد اعتماداً على نفوذ السياسة والسلطة، وبحسب التقرير العبري تميل الحكومة المصرية حالياً انطلاقاً من تلك المعطيات الى تأميم شركة EMG ومحاسبة الجهات الضالعة في تزويد إسرائيل بالغاز الطبيعي. وألمحت الدوائر الاسرائيلية الى ان القلق داخل تل ابيب بدأ يتزايد بعد تلقي النائب العام المصري المستشار شكاوى ضد رجل الاعمال المصري الكبير حسين سالم، الذي يمتلك بمفرده 28% من اسهم الشركة التي يدور الحديث عنها، ووفقاً للشكوى سيطر سالم المقرب جداً من الرئيس مبارك برفقة شخصيات اخرى على جزء من ثروات مصر النفطية بالتحايل حيث حصل والمرافقون له على ملايين الدولارات عن طريق التحايل.

سقوط القناع

وفي اسرائيل يتضاعف القلق مع ما وصفه التقرير العبري بـ quot;سقوط القناعquot;، إذ تشير معطيات عبرية مؤكدة الى حصول شخصيات اسرائيلية بارزة على رشاوى مالية ضخمة، فضلت منح شركة EMG امتياز استيراد الغاز الطبيعي من مصر، بدلاً من شركة شراء الغاز عن طريق شركة quot;يام تاتيسquot;، التي يمتلكها رجل الاعمال الاسرائيلي quot;يتسحاق تشوفاquot;. وكما هو معروف بحسب التقرير العبري، حصلت شركة EMG على امتيازات ملحوظة من اسرائيل إذ وصلت مدة تفعيل الاتفاق المبرم بين اسرائيل والشركة الى 20 عاماً، ومنذ ما يقرب من عامين وفي اعقاب ضغوط مارستها شخصيات مصرية، وافقت شركة الكهرباء الاسرائيلية بشكل احادي الجانب على رفع اسعار الغاز الطبيعي الوارد من الشركة المصرية بنسبة 25%، وهي الزيادة التي تفوق ما كان متفقاً عليه مع الشركة المصرية.

وبعيداً عن القلق من الافتقار الى الغاز المصري لتشغيل محطات توليد القوى الكهربائية في إسرائيل، انطوى هذا الملف الشائك على quot;حقل الغامquot;، لاحت مؤشرات انفجاره قبل اشهر من سقوط نظام مبارك، وبات الاعتقاد لدى الدوائر الاقتصادية في القاهرة مفعماً بوجود ايادٍ خفية تحرك هذا الملف وتتغاضى عن انعكاساته السلبية على الاقتصاد المصري، فرغم تأكيد قضاء القاهرة على ضرورة ارتفاع اسعار الغاز المصري الذي يتم تصديره الى الدولة العبرية بما يُضاهي الاسواق العالمية، الا انه لم يتم تفعيل هذا القرار لأسباب لم يُكشف النقاب عنها الا بعد سقوط النظام البائد.

وربما لا يقتصر تجميد ضخ الغاز المصري لاسرائيل على دراسة الحكومة الجديدة بقيادة عصام شرف رفع اسعاره، وانما يحدد مصير الاتفاق quot;المصري - الاسرائيليquot; في هذا الصدد التحقيقات الجارية في قضايا فساد، تتعلق بالنظام المصري وأذنابه وفي طليعتهم رجل الاعمال المصري الثري حسين سالم، إذ تشير أدلة موثقة الى ان الاخير كان الواجهة التي تدير اموال وأسهم مبارك في شركة EMG وخارجها، ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة quot;جلوبسquot; الاقتصادية العبرية، يعد حسين سالم احد اكبر المساهمين في الشركة المصرية الأميركية الاسرائيلية للغاز الطبيعي EMG، ففي الوقت الذي تمتلك فيه الحكومة المصرية 10% فقط من المشروع، يستحوذ سالم على نصيب الأسد منها، لتبلغ حصته منفرداً 28%، بينما تمتلك شركة PTT التايلندية 25%، اما مجموعة quot;مرحافquot; الاسرائيلية التي يمتلكها رجل الاعمال الاسرائيلي quot;يوسي ميمانquot;، فتنفرد بحصة تقترب من حسين سالم إذ تبلغ 25%، كما يمتلك رجلا الاعمال اليهوديان الاميركيان quot;سام زالquot;، و quot;ديفيد فيشرquot; 12%.

خطاب شخصي

ووفقاً للصحيفة العبرية كان حسين سالم ضابطاً في الجيش المصري إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، غير أنه في أواسط الثمانينات انتقل سالم الى عالم المال والصفقات، على الرغم من ذلك لم ينفصل عمله نهائياً عن النشاط الدبلوماسي المصري، وفي مستهل عمله في عالم رجال الاعمال بدأ العمل في مدينة شرم الشيخ وخلال فترة وجيزة اقام فندقين في سيناء، واصبح هذان الفندقان فيما بعد مركزاً للانشطة الدولية المصرية مع المؤتمرات الدبلوماسية للعالم العربي، وفي الوقت الذي كان فيه حسين سالم مسؤولاً عن ادارة الفندقين من الناحية اللوجستية، خصص فيلا لمبارك واسرته، كان الاخير يقضي فيها جل وقته خلال تواجده في مدينة شرم الشيخ، ومع مرور الوقت تطور نشاط حسين سالم السياحي في مدينة الاقصر وفي اوروبا، وبمرور الوقت اتجه سالم الى نشاط جديد وهو تحلية المياه، حيث اقام مصنعاً لهذا الغرض في مدينة شرم الشيخ، الذي تحول فيما بعد الى مصدر تحلية المياه الاول في مصر.

سرعة البرق

بعد اتفاقات اوسلو في تسعينات القرن الماضي، التقى سالم رجل الاعمال الاسرائيلي بالغ الثراء quot;يوسي ميمانquot;، وخلال اللقاء بحسب صحيفة جلوبس العبرية، اتفق الرجلان على اقامة معمل لتكرير البترول في مصر، وبات سالم مسؤولاً عن الجانب المصري لتخليص كافة التصاريح وإدارة المفاوضات مع عناصر داخلية في مصر حول المشروع، بينما كانت شركة quot;إمبلquot; التابعة لرجل الاعمال الاسرائيلي مسؤولة عن تمويل المشروع، وادخال شركات بناء لتكون مسؤولة عن اقامة معمل التكرير، وكان لتلك الصفقة بالغ الاثر في دخول سالم لعالم الطاقة، وهو المجال الذي اقتحمه لاحقاً، عندما اقام محطة قوى في مدينة الاسكندرية ومصانع بتروكيماوية يرتبط نشاطها بمعامل تكرير البترول. وفي نهاية التسعينات بدأ سالم وميمان العمل في تدشين شركة EMG، quot;الشركة المصرية الاسرائيلية الاميركية للغازquot;، وفي بداية الامر لاقى سالم ردود فعل رافضة في مصر، غير ان مبارك أيد الصفقة، الامر الذي ادى الى ابرامها بسرعة البرق على كافة المستويات السياسية والاقتصادية، وكان من الطبيعي ان تحظى الصفقة بموافقة الولايات المتحدة. ووفقاً لصحيفة جلوبس العبرية اضطر سالم بعد ما تردد حول تردي سعر بيع الغاز المصري لاسرائيل مقارنة بالاسعار العالمية الى بيع جزء كبير من اسهمه في شركة EMG لشركة PTT التايلندية، ورجل الاعمال الاميركي اليهودي quot;سام زالquot;.

على الرغم من تلك المعطيات الا ان وزير البنى التحتية الاسرائيلي quot;عوزي لانداوquot;، مازال يعتبر استئناف حصول اسرائيل على الغاز المصري حقاً لا ينبغي التنازل عنه بموجب الاتفاق المبرم مع النظام المصري السابق، ففي وقت رفض فيه الحديث مع صحيفة quot;ذي ميركلquot; العبرية حول ما اذا كانت بلاده تجري اتصالات مع المجلس العسكري المصري، لاستئناف ضخ الغاز الطبيعي الى اسرائيل اكد: quot;ان الاتفاق حول تصدير الغاز المصري للدولة العبرية يعد ثاني اهم اتفاق ابرمته تل ابيب مع القاهرة بعد اتفاقية السلام المبرمة بين البلدين عام 78quot;. ورأى يعالون انه عندما تعاود مصر الالتزام باتفاقية السلام مع اسرائيل، سوف يعود ضخ الغاز المصري لإسرائيل، واضاف: quot;في هذه الاثناء هناك رسائل حول التزام quot;مصر الجديدةquot; باتفاق السلام مع اسرائيل، الا انه ينبغي على الدولة العبرية حالياً الانتظار، حتى تتضح ملامح الصورة الضبابية التي تطغى على كل كبيرة وصغيرة في مصرquot;.