مع تواصل الصراعات في ليبيا والإضطرابات التي تعيشها دول الشرق الأوسط قفزت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ قرابة عامين ونصف عام، ما انعكس بدوره سلبًا على أسعار الغازولين في أميركا، والتي قفزت إلى معدلات عالية، خصوصًا مع حلول الصيف الذي ترتفع فيه أسعار هذه المادة.


الخبير في صندوق النقد الدولي الدكتور مختار كامل

واشنطن: ارتفعت أسعار النفط الخام أخيرًا، وقفزت إلى أعلى مستوياتها متجاوزة 117 دولار للبرميل الواحد، بعدما كان متوسط سعره يصل إلى 75 دولار للبرميل الواحد، وذلك بسبب الإضطربات المتواصلة في الشرق الأوسط، التي بدأت في أواخر شهر يناير/كانون الثاني من العام الحالي، مما انعكس سلبًا على أسعار الغازولين في الولايات المتحدة الأميركية.

وكان محللون اقتصاديون قد ارتأوا بأن أسعار النفط باتت خلال العامين المنصرمين أكثر تقلبًا عن ذي قبل، وتميل نحو الزيادة بسبب المؤثرات الخارجية. وكانت أسعار النفط قد انخفضت إلى معدل 108 دولار للبرميل الواحد، وذلك على أثر الزلزال المدمّر والمصاحب للتسونامي الكبير الذي ضرب اليابان. مما علّق الأمال على انخفاض الأسعار.

لكن استمرار تصاعد وتيرة القتال قرب الموانئ النفطية في ليبيا، زاد ذلك من مخاوف المضاربين من إعادة انتاج النفط بالسرعة الممكنة وبالكميات السابقة نفسها، فارتفعت الأسعار مرة أخرى، بالرغم من التعويض الذي تقوم به السعودية من خلال زيادة إنتاج كميات النفط المصدرة للولايات المتحدة الأميركية لسدّ النقص عن النفط الليبي.

هذا ما حذا بالحكومة الأميركية بدراسة مقترح استخدام احتياطي النفط المخزون لديها للمساعدة على تخفيض الأسعار، الذي حظى بتأييد أعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي. وكان بيل ديلي كبير موظفي البيت الأبيض قد صرّح في وقت سابق من شهر مارس/آذار لشبكة quot;إن بي سي أنquot; بأن الإدارة الإميركية تدرس استخدام جزء من احتياطي البلاد من النفط للمساعدة في تخفيض الأسعار المتصاعدة.

وقال جيه روكفلر العضو الديمقراطي الثالث في مجلس الشيوخ الأميركي، الذي يؤيد هذا الإقتراح، quot;إن سحبًا محدودًا من الإحتياطي، البالغ مقداره 727 مليون برميل، يمكنه حماية أمننا القومي بحماية أو تقليص أي تأثير سلبي عن النقص في النفطquot;.

المحلل الإقتصادي والخبير في صندوق النقد الدولي الدكتور مختار كامل يرى أن مجريات الأحداث السياسية على الساحة العربية لها أكبر الأثر في تقلب الأسعار واتجاهها نحو الإرتفاع في العالم. فانخفاض إنتاج النفط الليبي واحتمالية توقف تصديره لفترة قد تكون طويلة نتيجة الإنتفاضة الليبية والحرب المتبادلة ما بين الثوار وجماعة القذافي من جهة، وفرض الحظر الجوي على ليبيا من جهة أخرى.

كما إن هنالك احتمالية انخفاض إنتاج النفط اليمني، بسبب الإضطرابات الموجودة على الساحة اليمينة، والتي لا يعرف لها متى وكيف ستنتهي، خلقت حالة من التخوف لدى المضاربين الذين ارتأوا رفع الأسعار.

مؤكدًا أن أسباب ارتفاع أسعار النفط يعود إلى عنصر المضاربة والعنصرالنفسي في السوق العالمية. فعلى الرغم من قيام السعودية وبعض دول الخليج بتصدير النفط لسدّ النقص والتعويض عن النفط الليبي، إلا أن للنفط الليبي نوعية مختلفة. فهو خفيف وقليل الكبريت. لذا يعدّ النفط الليبي من أجود الأنواع النفطية في العالم.

والنفط الخليجي على الرغم من جودته، إلا أنه لا يمكن أن يحلّ محل النفط الليبي. والمضاربون يعون ذلك، فقاموا برفع الأسعار وذلك من خلال قراءة مسبقة للمشهد السياسي، فالمواجهات تنذر بطول الأمد، ولا يمكن التكهن بالنتائج. فالحظر الجوي على ليبيا مازال مفروضًا، والمواجهات قد تستمر شهورًا، والنتائج من كل ذلك غير واضحة حتى الآن. قائلاً إن quot;السوق هي آلية تعمل على أساس التنبؤ بالمستقبل. وحين تكون هناك احتمالات، تستبق السوق الأحداث، ويدخل المضاربون والمستثمرون وغيرهم لشراء عقود آجلة ومشتقات مالية للنفط، مما يؤدي إلى رفع الأسعارquot;.

مع ذلك، كان ستيفن تشو وزير الطاقة الأميركي من المستبعدين لإستخدام مخزون الإحتياطي، قائلاً quot;إن رفع إنتاج النفط السعودي كفيل بتخفيض سعر النفط الخامquot;. من جهته، يرجّح الخبير في الصندق الدولي بأن ارتفاع أسعار النفط قد يترك أثرًا سلبيًا على الإقتصاد الأميركي، الذي يعاني أصلاً تبعات الأزمة المالية العالمية، التي بدأت منذ أواخر العام 2007، والتي خلقت أزمة أقتصادية في أميركا ودول العالم.

وهو ما قد يؤدي إلى تباطؤ عجلة تعافي الإقتصاد الأميركي والعالمي. متكهنًا بتدخل quot;الكتلة الدوليةquot;، التي تضم أكبر دول العالم والإتحاد الأوروبي وأميركا، بالتعاون مع الدول النفطية، للحيلولة دون بقاء الأسعار مرتفعة لأمد طويل، خاصة في ظل الظروف الحالية، فمعدلات البطالة مرتفعة، إضافة إلى الدمار الكبير الذي خلفه زلزال اليابان وانعكاساته السلبية على الناحية الإقتصادية العالمية. قائلاً إن quot;الكتلة الدولية ستتبع سياسات مالية واستراتيجية، وتعتمد إجراءات من الناحية الإقتصادية والساسية للحيلولة دون تضخم ظاهرة ارتفاع أسعار النفطquot;.

ويرى مختار أن التلوث البيئي النووي، الذي خلفه الزلزال في اليابان، بسبب انفجار أحد المفاعلات النووية نتيجة الزلزال، فتح باب البحث عن بديل يستخدم كمصدر للطاقة. وهو ما قد يؤثر مسقبلاً على أسعار البترول. فالإتحاد الأوروبي اليوم يعيد النظر في استبدال المفاعلات النووية التي لديها بمصدر آخر للطاقة، وخصوصًا بعد المظاهرات التي شهدها بعض مدنها للمطالبة بالتوقف عن إنشاء وتشغيل المفاعلات النووية كمصدر للطاقة.

وهو ما قد ينذر بانخفاض أسعار النفط، في حال قلّ الطلب عليه، وبالتالي انخفاض أسعار الغازولين، أو قد يرفعها في حال كان البديل يحتاج النفط أو مشتقاته. ولكن من جهة أخرى، قد يرفع أسعار الغاز المسال في حال دخوله كبديل من النفط. في الوقت عينه استمرار ارتفاع أسعار النفط بالمعدل نفسه لن يدوم لمدة طويلة، ولكن ربما لمدة لا تزيد عن سنة أو ستة أشهر، لكون الإقتصاد العالمي والمحلي يعاني. فمعدلات البطالة عالية، والإستهلاك العالمي والمحلي منخفض وعجلة النمو الإقتصادي بطيئة.

وعلى الرغم من بداية الإنتعاش التي يشهدها الإقتصاد الأميركي، إلا أن استمرار الإرتفاع بهذا الشكل سيعرقل الإنتعاش الإقتصادي، وذلك على حسب تقديراته. مستندًا في ذلك التحليل على أن الحرب لن يسمح لها بالبقاء أكثر من ستة أشهر. ذلك أن أوباما لن يستطيع الترشح لفترة رئاسية أخرى، في حال استمرت الحرب. إضافة إلى الخسائر الإقتصادية المدمرة التي خلفها زلزال اليابان الكبير.

وكان أوباما قد أعلن عن مشروع الولايات المتحدة للتقليل من اعتمادها على النفط لتعزيز الأمن القومي على حد تعبيره، والذي يقوم على أربعة أهداف، هي تقليص الإعتماد على استخدام النفط، ورفع إنتاج الطاقة في الداخل، وتشجيع استخدام الغاز الطبيعي في السيارات، وزيادة كفاءة السيارات والشاحنات وتشجيع استخدام الوقود الحجري.

يذكر أن ارتفاع أسعار النفط ساهمت في تغيير سلوكيات الأفراد في أميركا. فقد أشارت البيانات إلى انخفاض المعدل الإستهلاكي للغازولين، وانخفاض معدل الرحلات البرية بالسيارات، واتجاه الأفراد لشراء السيارات ذات الأحجام الصغيرة والمستهلكة للغازولين بكميات أقل. كما ازداد أعداد مستخدمي وسائل النقل العامة في الولايات والمدن الكبيرة.