يشدد خبراء جزائريون على أنّ ارتفاع اليورو صوب أعلى مستوى له منذ خمسة عشر شهرًا، سيكون له آثار بالغة القسوة على المواطنين الجزائريين المستهلكين، في بلد يشتهر كأحد أكبر مستوردي الغذاء عبر العالم، ما يرشّح أسعار المواد الواسعة الاستهلاك للاشتعال مجددًا.


الجزائر: سيثقل وصول اليورو إلى القمة كاهل الخزانة الجزائرية بنفقات ضخمة تبعًا لاتفاق الشراكة غير المنصف الذي يربط الجزائر بالاتحاد الأوروبي، وهو ما لن يتيح للجزائر حماية نسيجها الاقتصادي، إذا ما استمرّ الوضع على منواله في بلد يصدّر بالدولار، ويستورد باليورو.

ويعتقد هيثم رباني أنّ موجة ارتفاع اليورو ستكون لها انعكاسات وخيمة على المستهلكين بالدرجة الأولى، خصوصًا أصحاب الرواتب المحدودة، ويسوّغ رباني نظرته بأنّ عموم المستوردين أو المنتجين الذي يستوردون موادهم الأولية باليورو، سيجنحون كالعادة إلى تحميل المستهلكين ثمن غلاء اليورو كي يسترجعوا أموالهم.

وطالما أن السوق الجزائرية مستهلك مهم، وتزداد إقبالاً على المزيد من السلع الضرورية وغيرها، فإن من يتحكمون بحركة الأسعار هناك، سيكرّسون نمطًا يمنحهم أعلى نسبة أرباح، حتى إنهم ليسوا في حاجة لأن يخضعوا (آلياً) لحركة العرض والطلب التي تعرفها السوق الدولية.

ويؤيد عبد الرحمن مبتول أنّ الجزائر التي تعتمد على الواردات بشكل رئيس، وفي ميادين حيوية لا تحقق فيها كفاية ذاتية، ستتضرر من ارتفاع اليورو تبعًا لأنّ ذلك سيعني صعود كلفة المواد المستوردة في المرحلة المقبلة. في هذا الشأن، يلفت أنيس نواري إلى كون الجزائر تستورد حاجياتها من الحبوب والمواد الغذائية من منطقة اليورو، بواقع تسع مليارات يورو سنويًّا، ومع صعود اليورو واستمرار تدهور الدينار الجزائري (ألف يورو تعادل 140 ألف دينار)، ستكون الفاتورة باهظة ومؤثرة بقوة على توازنات الاقتصاد المحلي.

ويقحم نواري ومبتول عاملاً إضافيًا سيزيد من وطأة اليورو، وهو يتصل بخضوع تجارة الجزائر الخارجية لمجموعة من المستوردين المتنفذين، الذين يحتكرون استيراد معظم السلع الخارجية، وهم من يتحكمون بالأسعار، والمضاربة فيها عبر حلقات عدة يُصطلح عليها بـquot;الوسطاءquot; حتى تصل إلى القطاع الأوسع من الشعب بأسعار مرتفعة.

ويرفض نواري ومبتول، اعتبار انعكاسات صعود اليورو أمرًا مقصورًا على الجزائر فحسب، بل ينسحب بنظرهما على مجموع اقتصاديات الدول الضعيفة، وكذا الدول التي لا تملك مرونة وتعدداً في مواردها وسلعها وتعاني تبعية غذائية.

في هذا الشأن، يسجل نواري أنّ البلدان العربية، خصوصًا تلك المصدّرة للنفط على غرار الجزائر (اقتصادها مبني بـ98 % على المحروقات)، تحقق مكاسب وإيرادات أكبر عندما تكون قيمة الدولار عالية مقارنة باليورو. أما انفلات الأخير فذاك معطى يربك القدرة الشرائية، ليس في الجزائر فقط، بل عند كل دولة تتخذ من اليورو مقياسًا إلى حقيبة وارادتها.

وبالرغم من أن الجزائريين لا سلطة لهم في ارتفاع اليورو أو انخفاضه، يتصور رباني أنّ مفتاح الحل موجود بيد الحكومة، حيث يشير إلى إمكانية سماح الجهاز التنفيذي للمنتجين وأصحاب المصانع باستيراد موادهم الأولية عبر صيغة quot;دين الموردquot; الذي يسمح بتأجيل دفع ثمن السلع لصاحبها بعد مدة محددة تتراوح ما بين ثلاثة وستة أشهر، وهو أسلوب في حال اعتماده سيسمح للمجموعات الاقتصادية الجزائرية بالحصول على باب واسع للمناورة، تنعكس إيجابًا على جمهور المستهلكين.

ويدعو مبتول إلى إعداد استراتيجية فعّالة تقي البلد آثار أي أزمة ومراجعة السياسة المالية والاقتصادية للدولة الجزائرية، وذاك يقتضي توظيف الهامش المالي الكبير الذي تحظى به الخزانة الجزائرية (156 مليار دولار) لانتزاع مكانة لائقة بين الفضاءات الاقتصادية العالمية.

ويدافع مبتول عن مبدأ انضمام الجزائر إلى منتديات دولية لها صلة بالقرار الاقتصادي، للدفاع عن مصالح البلاد هناك، بمنأى عن آليات تصريف الدولار وحكاية صعود أو هبوط اليورو، أو استقرار بورصة النفط أو تذبذبها. لكن هذه النظرة لا تشاطرها السلطات الجزائرية، حيث يؤكّد وزير المال كريم جودي أنّ الجزائر وبفضل مواصلة إصلاحاتها وتسييرها المالي الحذر، تبقى في منأى عن أي اضطرابات.