جانب من أعمال مؤتمر الخليج للدراسات

أكد خبراءالتنمية أنّ تنافر المصالح السياسية بين الدول العربية والتدخل غير المباشر للدول الإقليمية والعظمى شَكّل عائقاً في وجه التكامل الاقتصادي بينها، بعدما أطلقت الشعارات القومية منذ ما يقارب الستة عقود وحتى الآن داعيةً إلى ضرورةتحقيق نوع من التكاملتحقيقاً للقضايا التنموية الملحة.


الشارقة: إن كانت فكرة اتحاد عربي غير ممكنة quot;سياسياًquot; كما يراها البعض فما الذي يمنع قيام اتحاد اقتصادي بين دولٍ يجمعها التاريخ والجغرافية في وقت عجز فيه مجلس التعاون الخليجي حتى الآن عن طرح العملة الموحدة الخليجية أو توحيد المعاملات الجمركية ، فكيف ببقية الدول العربية التي ما زالت تفرض قيودا وإجراءات على التجارة البينية والمعاملات المالية وشروط العمالة . وحذّر الخبراء خلال لقائهم في مؤتمر الخليج للدراسات الذي اختتم أعماله أمس من أن الفشل في تحقيق تنمية عربية اقتصادية في المستقبل سيؤدي إلى فشل الجيل الرابع من الديمقراطية المتمثلة في الثورات مشددين على ضرورة الإسراع بوضع استراتيجية تكامل اقتصادي بين الدول العربية بما يحقق التنمية المطلوبة والذي يتمثل في عدة مجالات رئيسة هي الاستثمار والتجارة وحرية انتقال الأفراد.

مستقبل نجاح الثورات رهن نجاح التنمية الاقتصادية

يرى عبد الرزاق الفارسالباحث في الشؤون الاقتصادية والتنموية أن المستقبل الاقتصادي في ظل الثورات العربية رهن بالإرادة السياسية الحقيقية بضرورة التلاحم وإيجاد الحلول الاقتصادية الناجعة محذرا من غياب إدارة اقتصادية تتزامن مع موجة التغيرات السياسية حتى لا يصاب الناس بالإحباط، خاصة وأن الدول العربية التي حدثت فيها الثورات كمصر تعاني كثافة سكانية عاليةوتعاني نسبة كبيرة من الشرائح المجتمعية فيها من البطالة والفقر. واعتبر أن ما يجري في العالم العربي هو quot;الموجة الرابعة من الديمقراطيةquot;مشيراً إلى أن الموجة الأولى كانت مطلع القرن التاسع عشر وانتهت بالحرب العالمية الأولى، والثورة الفرنسية وحدوث تحول في الأنظمة الديمقراطية، وانتهت بانتكاسة وعدم تحقيق طموحات الشعب ، واماالموجة الثانية فكانت أواسط القرن الماضي، وتزامنت مع الحرب العالمية الثانية، وصعود نظم الديمقراطية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الأنظمة الدكتاتورية عادت مرة أخرى، وتم ارتفاع عددها ، أما الموجة الثالثة فتزامنت مع انهيار الاتحاد السوفييتي.

وعن مراحل نماذج التنمية في العالم العربي، أشار إلى أنها مرّت بثلاث مراحل الأولى بدأت في خمسينات وستينات وحتى منتصف السبعينات في القرن الماضي، وسميت هذه المرحلة رأسمالية الدولة، وتزامنت مع ثورة أسعار النفط عام 1973 ، حيث عملت الكثير من الدول غير الخليجية على أخذ قروض مالية ضخمة بفوائد قليلة لكن الفوائد ما لبثت أن ارتفعت إلى 15 % وأصبحت هذه الدول غير قادرة على سداد مديونيتها ، فيما أصبحت الدول النفطية تعاني خللاً في المدفوعات وانخرطت في القروض، في ظل انخفاض أسعار النفط . أما المرحلة الثانية فكانت في الثمانينات وحتى منتصف التسعينات، وأخذت طابع الخصخصة والمحاصصة ، لكن هذا النموذج سرعان ما طرح الكثير من التساؤلات حول قيود القطاع الخاص ومن يمتلكه حيث استولت الأنظمة على منافع الخصخصة بالكامل الأمر الذي أدى إلى أزمات مالية حادة وطبقية صارخة علاوة على انهيار النمور الآسيوية، وانهيار أسواق المال في 2008.

التكامل الاقتصادي العربي: ستة عقود من الإخفاقات

من جانب آخر أكد عبد الله النيباري أن تجربة التكامل الاقتصادي العربي رمز لإخفاقات توالت على مرّ العقود المتوالية مشيرا إلى أن طرح فكرة التكامل ولدت منذ ما يقارب 57 عاماً وكُتب لها الفشل بسبب غياب الإرادة السياسية الحقيقية في حين أن الاتحاد الأوروبي حقق التكامل الاقتصادي في غضون 12 سنة. وفي مقارنة بين الدول الأوروبية والعربية، يظهر أن التكامل العربي أسهل بأشواط من الأوروبي لأسباب كثيرة منها وحدة اللغة والدين والتاريخ وغيرها الكثير في حين أن الدول الأوروبية ذو لغات متعددة وأديان متنوعة وكانت بينها حروب عالمية وعداءات مستفحلة أدت إلى دمار القارة، ومع حضور الإرادة السياسية الفاعلة والتطور تم إطلاق الاتحاد الأوروبي وتم توحيد العملة باليورو في غضون أعوام قليلة.

نيباري أشار إلى أن إقامة المنطقة التجارية العربية الحرة عام 1998 ما تمت لولا الحاجة للتماشي مع العولمة والاتفاقيات الدولية مؤكدا أنها لم تحقق الحد الأدنى من التكامل الاقتصادي وان أحدث فروقا طفيفة في تخفيض الضرائب الجمركية والرسوم مؤكدا أن مساحة الوطن العربي تصل إلى 14 مليون كيلومتر مربع، ويملك إمكانات متنوعة، ويعد منطقة منخفضة في عدد السكان، في حين أن حاصل التبادل الاقتصادي فيها هو تريليون و400 بليون (مليار) . وان ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الدول العربية وتناميه هو بسبب ارتفاع أسعار النفط عالميا وليس بسبب الإنتاج الاقتصادي مؤكدا أن غياب الإرادة السياسية في تحقيق التكامل والرغبة في التعاون بين الدول العربية هي السبب الرئيس المعطل لإيجاد حلول اقتصادية مشتركة.

حقائق وأرقام

تراجعت الاستثمارات العربية نحو 40% نتيجة انخفاض قيمة الدولار إثر الأزمة المالية 2008 ولا تزال الاستثمارات العربية البينية ضئيلة ومحدودة نسبياً، مقارنة بالاستثمارات العربية خارج العالم العربي، إذ بلغت التدفقات الاستثمارية المباشرة العربية البينية 20.7 بليون دولار عام 2008، وانخفضت عام 2009 إلى 19.2 بليون دولار بحسب المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات 2009). وبلغت التدفقات الأولية للاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى الدول العربية 80.7 بليون دولار عام 2009، بينما بلغت 95 بليون دولار عام 2008، مقارنة بأكثر من 1.5 تريليون دولار هي حجم الاستثمارات العربية خارج العالم العربي. الأداء التكاملي بين الدول العربية لم يتجاوز مؤشر التكامل الاقتصادي، الذي يقوم على قياس نسبة الصادرات البينية إلى إجمالي التجارة العربية الإجمالية، خمسة في المئة عام 2009 مقارنة بـ 4.8 في المئة عام 1998.