إعداد عبدالاله مجيد: شهد شهر نيسان ـ ابريل مجزرة ثقافية قلما عرفت الثقافة الاميركية نظيرا لها في احلك الفترات التي مر بها الاقتصاد الاميركي. ففي 4 منه علقت فرقة سيراكروز السيمفونية نشاطها بسبب الأزمة المالية. وفي 7 نيسان ـ ابريل كشفت فرقة اوبرا مدينة نيويورك انها قررت تأجيل مشاريعها لموسم 2011 ـ 2012 الى حين الانتهاء من مراجعة وضعها المالي مراجعة شاملة من المتوقع ان تسفر عن استقطاعات وتسريحات واسعة. وفي 16 نيسان ـ ابريل صوتت ادارة فرقة اينتمان المسرحية في سياتل التي تعتبر من اكبر الفرق المسرحية الاقليمية في الولايات المتحدة لصالح قرار بالغاء ما تبقى من موسمها الفني وتسريح فنانيها. وقبل ذلك اعلنت فرقة مهرجان شكسبير في مدينة كنساس ستي انها ستلغي عرض مسرحية ماكبث إذا لم تتمكن من جمع 100 الف دولار في غضون ايام قليلة لمواصلة العرض. وفي 20 نيسان ـ ابريل اعلنت فرقة فيلادلفيا السيمفونية افلاسها.
وهذا الحدث الأخير كان شديد الوطأة على الوسط الفني عموما والموسيقى الكلاسيكية بصفة خاصة. فان فرقة فيلادلفيا تعتبر واحدة من اعظم ست فرق سيمفونية في العالم. ويعني وصولها الى وضع بحيث اصبح اعلان الافلاس خيارها الوحيد فيه انه ليست هناك فرقة سيمفونية في مأمن من خطر الافلاس والتصفية.
وتنقل صحيفة وول ستريت جورنال عن محللين ان سبب المجزرة تضافر الأزمة الاقتصادية وارتفاع اجور التذاكر لدفع جمهور المسرح والموسيقى الكلاسيكية والاوبرا الى البقاء في البيت. كما ان النموذج التجاري الذي اعتمدته مؤسسات الثقافة الجادة في الماضي لم يعد صالحا في الوضع الجديد. ويصح هذا بصفة خاصة على النماذج القائمة على الاشتراك، التي ابقت دور الاوبرا والمسارح والفرق السيمفونية عائمة طيلة القرن العشرين. فان الجيل الجديد من الشباب الاميركيين ليسوا مستعدين للدفع مقدما من اجل مشاهدة عروض تُقدم لاحقا. وما زالت غالبية هذه الفرق تبحث عن طرق جديدة لتمويل نشاطاتها.
واحدى الطرق التي استخدمتها فرقة اوبرا متروبوليتان اقناع نقابة فنانيها بالموافقة على تقاسم ما تحققه الفرقة من ايرادات بدلا من الدفع لهم بصرف النظر عن النتائج. وأتاح هذا بث عروض الفرقة حية الى دور السينما في انحاء العالم. وتُساق هذه الطريقة الآن بوصفها مخرجا من الضائقة المالية. ولكن فرقة متروبوليتان اسم ثقافي معروف في العالم وغالبية الفرق الأخرى لا تستطيع الرهان على بث عروضها مباشرة لتحقيق ايرادات جديدة بسبب تناقص الجمهور الذي يحضر عروضا حية.
وتواجه هذه الفرق الآن ازمة تفرض عليها الاقتصاد في النفقات وخفض اسعار التذاكر مع الاحتفاظ بمستوى المنتوج الفني الذي تقدمه لكي تتقي خطر الافلاس والانهيار. وتعني هذه الاجراءات تخفيض اجور الفنانين وتقليص الموسم الفني واعادة النظر بالنموذج التجاري الذي مكنها من البقاء في القرن الماضي لكنه لم يعد صالحا هذا القرن. والأهم من هذه كله ان يعمل فنانو الثقافة الراقية ومؤسساتها جاهدين على اقناع جمهور يزداد عدم اكتراثه بالنوع الثقافي بأن بضاعتهم تستحق سعر التذكرة.
لعل شكسبير وسترافنسكي وغيرهما من عباقرة الابداع يحتفظون بألقهم على مر القرون ولعل فرقة فيلادلفيا ومتروبوليتان درتان في تاج الثقافة الاميركية. ولكن ما من مؤسسة ثقافية محترمة بمنأى من ازمات الرأسمالية.
- آخر تحديث :
التعليقات