الإحتجاجات العمالية تتصاعد في مصر

تصاعدت إحتجاجات العمّال والفلاحين في مصر، بسبب تردّي أوضاعهم بعد الثورة، فيما ردت حكومة الدكتور عصام شرف باستخدام قانون الإرهاب بحقهم، الأمر الذي أثار غضب هاتين الفئتين، لاسيما بعد إستبعادهما من الحوار الوطني حول مستقبل مصر بعد الثورة.


القاهرة: 102 إحتجاجاً هي حصيلة الإحتجاجات في مصر خلال شهر مايو/أيار الفائت، تمثلت في 26 اعتصامًا و26 إضرابًا و22 تظاهرة و29 وقفة احتجاجية و4 تجمهرات و3 مسيرات احتجاجية.

ووفقاً للتقرير الشهري لمركز دراسات أولاد الأرض، فإن الشهر نفسه شهد فقدان 2600 عاملاً وظائفهم، وانتحار عاملين، ومقتل 9عمال، وإصابة 11 آخرين، نتيجة ظروف العمل السيئة.

شارك في تلك الإحتجاجات عشرات الآلاف من المصريين، بمختلف الفئات، من بينهم أساتذة الجامعات، والمدرسون، والأطباء، والصحافيون والإعلاميون، والفلاحون، والموظفون، وعمال المصانع والموانئ، وعلماء الأزهر. وتركزت غالبية المطالب حول إصلاح الأحوال الوظيفية، وزيادة الأجور أو التعيين، وإختيار عمداء ورؤساء الجامعات وشيخ الأزهر بالإنتخاب الحر المباشر.

عمال الوليد بن طلال

أبرز الإحتجاجات كانت: اعتصام 200 عامل في شركة المملكة للتنمية في توشكي المملوكة لرجل الأعمال الوليد بن طلال في مقر الشركة للمطالبة برفع رواتبهم وتحرير عقود سنوية لهم وإعادة النظر في الخدمات الصحية والتأمينية ووسائل النقل المناسبة المقدمة لهم.

أمن السفارات

هذا ونظم أفراد الأمن في سفارات مصر في الخارج وقفة احتجاجية أمام مقار السفارات العاملة في العديد من الدول للمطالبة بزيادة مدة الاجازات السنوية وفقًا لقانون العمل المصري وتنفيذ الاحكام القضائية الصادرةفي حقهمبتقدير قيمة المكافآت المستحقة لهم وفقًا لأساس المرتب، وليس وفقا للشرائح التى ابتدعتها إدارة الشؤون الإدارية في وزارة الخارجية.

الإعلاميون والأطباء

رغم إستقالة الدكتور سامي الشريف رئيس إتحاد الإذاعة والتليفزيون السابق، إلا أن العشرات من الإعلاميين والعاملين في القناة الأولى والثانية والهندسة الإذاعية، مازالوا مستمرين في إعتصامهم في ماسبيرو، للمطالبة بإقالة من يصفونهم بالقيادات الإعلامية الفاسدة والمنتمية إلى النظام السابق، وتحسين أحوالهم الوظيفية.

ودخل العشرات من صحافيي جريدة المال في إضراب مفتوح عن الطعام في مقر نقابة الصحافيين احتجاجاً على عدم قبول لجنة القيد في النقابة أوراقهم، بدعوى أن الجريدة تصدر بترخيص قبرصي، وليست شركة مساهمة مصرية تصدر بترخيص من المجلس الأعلى للصحافة، إضافة إلى إعتصام صحافيي جريدة الإسبوع.

وتظاهر 500 من الأطباء والعاملين في مستشفى جمال عبد الناصر للتأمين الصحي في الأسكندرية احتجاجاً على الأنفلات الأمني وتعدي مجموعة من البلطجية بالأسلحة البيضاء على العاملين ورجال أمن المستشفى، والذي أسفر عن سقوط مصابين، أحدهما مصاب بجروح خطرة.

علماء الأزهر

كما تظاهر العشرات من أئمة الممنوعين من التعيين بناء على تقارير جهاز مباحث أمن الدولة المنحل، أمام نقابة الصحافيين للمطالبة بالحصول على حقهم في التعيين، وإقالة الدكتور عبد الله الحسيني وزير الأوقاف، لأنهم يعتبرونه من النظام السابق.

في السياق عينه، انطلق المئات من الدعاة وأئمة المساجد في مسيرة احتجاجية من مسجد النور في العباسية إلى المجلس العسكري للمطالبة باستقلال الأزهر عن الدولة، واختيار شيخ الأزهر عن طريق الانتخابات.

أساتذة وطلاب

نظم ائتلاف الاساتذة في الجامعات عددًا من الوقفات الاحتجاجية في جامعات القاهرة والاسكندرية وأسيوط والمنصورة للمطالبة بإقالة الدكتور عمرو عزت سلامة وزير التعليم العالي، واختيار القيادات الجامعيةبالانتخابات الحرة المباشرة.

واعتصم أكثر من 1500 طالب وطالبة ومدرس من المعهد العالي للطاقة التابع لجامعة جنوب الوادي فرع أسوان للمطالبة بتحويله إلى كلية الهندسة والطاقة، وذلك للمشكلات التي يقابلها المتخرجون عند الألتحاق بأي وظيفة في مجال تخصصهم.

عمال وفلاحون

إلى ذلك، نظم العاملون في مترو الأنفاق وقفة احتجاجية في محطة الدمرداش، للمطالبة بإلغاء شركة المترو، وإلحقاها بهيئة السكة الحديد، والتحقيق في إهدار المال العام، والاهتمام بمعدلات الصيانة، بعدما أرتفعت معدلات الأعطال وتخصيص تأمين صحي للعاملين.

تجمهر العشرات من الباعة الجائلين في مدينة بنها القريبة من القاهرة، إحتجاجاً على الممارسات التعسفية ضدهم من قبل الشرطة المرافقة، مطالبين بتقنين أوضاعهم وتوقف الشرطة عن مطاردتهم. وتظاهر المئات من عمال التشجير في كل المحافظات للمطالبة بالتثبيت، وذلك في أعقاب القرار الذي أصدره أيمن أبو حديد وزير الزراعة برقم 534 يخاطب فيه الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بسرعة تثبيت العمالة المؤقتة، وبلغ عدد المتضررين 51 ألف و638 عاملاً.

الحكومة ترد بقانون الإرهاب

وفي محاولة من حكومة الدكتور عصام شرف، التي تدير المرحلة الإنتقالية في مصر، للحد من تلك الإحتجاجات المتصاعدة، لم تجد أمامها سوى التكشير عن أنيابها، حيث فضّت مجموعة من الإعتصامات من أمام مقر مجلس الوزراء في وسط القاهرة بإستخدام القوة، ووجهت إلى المعتصمين إتهامات تتعلق بتكدير السلم العام، والتجمهر، وحيازة أسلحة خشبية، والاعتداء على أمين شرطة، وهي إتهامات مجرّمة بنص المادتين 86 و87 مكرر من قانون العقوبات، اللتين يحاكم بموجبهما المتورطون في جرائم الإرهاب.

إضافة إلى إتهامات تعطيل عجلة الإنتاج، وإعاقة المرور في الشوارع. وهي إتهامات يجرّمها قانون منع الإضرابات والإعتصامات، الذي أصدره المجلس العسكري في شهر مارس/آذار الماضي، لمواجهة ما تصفه الحكومة بـquot;الإحتجاجات الفئويةquot;. ويواجه هؤلاء العمال أحكامًا بالسجن تتراوح ما بين 3 و15 عاماً سجنًا مشددًا في حالة الإدانة.

العمال كبش فداء

قوبلت الإجراءت الحكومية بحق المحتجين بالكثير من الغضب من المصريين، لاسيما المدافعين عن حقوق الإنسان، وأصدرت سبع منظمات بياناً إحتجاجياً. وأكدت أن الدكتور عصام شرف رئيس الحكومة يعمل وفقًا للمثل الشعبي القائل quot;اضرب المربوط يخاف السايبquot;، مشيرة إلى أنه استخدم العمال والطلاب كبش فداء للحد من الإحتجاجات المتزايدة بعد الثورة، لاسيما أن حكومته لم تلبّ مطالبهم، في ظل تردي الأوضاع الإقتصادية.

شرف على نهج النظام السابق

وحسب وجهة نظر عادل محروس الناشط العمالي، فإن حكومة الدكتور عصام شرف تسير على النهج نفسه، الذي كان يتبعه النظام السابق في التعامل مع المطالب العمالية، وأضاف لـquot;إيلافquot; إن العمال المصريين كانوا وقود الثورة، بل كانوا أول من بدأها في إضراب السادس من أبريل/نيسان من العام 2008، وسقط العشرات من عمال شركة غزل المحلة جرحى وشهداء في ذلك اليوم، بسبب مواجهة اعتصامهم بالرصاص، في الوقت الذي كانت النخبة السياسية والمثقفة تنام في المنازل خشية بطش أمن الدولة.

وتابع قائلاً إن عصام شرف الذي حمله المصريون على الأعناق في ميدان التحرير فضّ إعتصاماً أمام مجلس الوزراء بالقوة، ولم يكتف بذلك، بل أحال العشرات من الفلاحين والعمال والطلاب الذين كانوا يشاركون في الإعتصام إلى المحاكمة بموجب مواد في قانون العقوبات تعاقب على جرائم الإرهاب. وشدد على ضرورة الإفراج عن المقبوض عليهم، وإعادة الإعتبار لهم.

الشرطة سبب تعطيل الإنتاج

فيما حمل محمود جلال الدين القيادي في نقابة العمال المستقلة على الإجراءات الحكومية في حق العمال والفلاحين، وقال لـquot;إيلافquot; إن الإحتجاجات العمالية ليست المسؤولة عن توقف عجلة الإنتاج، لأن العمال حريصون على أعمالهم، واستمرار الإنتاج حتى لا يفقدوا وظائفهم.

وإتهم جلال الدين الشرطة بالتسبب في توقف عجلة الإنتاج وتدمير الإقتصاد المصري، بسبب تقاعسها في القيام بواجبها في حفظ الأمن والتصدي للبلطجية، وإنتشار تجارة المخدرات، رغم أن رواتب الضباط والأفراد تضاعفت بعد الثورة، في حين أن العمال لم ترتفع رواتبهم مليماً واحداً، بل تم تخفيضها، وفقد الآلاف أعمالهم، وبدلاً من أن تحاسب الحكومة والمجلس العسكري الجاني، حاكمت الضحية بقانون الإرهاب.

استبعاد العمال والفلاحين

ووفقاً لجمال خيرت عضو لجنة الدفاع عن حقوق العمال والفلاحين، فإنه لم يتوقف أي مصنع أو ورشة عن العمل بسبب إعتصام أو أضراب العمال، مشيراً إلى أن العمال عادة ما يقسمون أنفسهم ألى ورديات في حالة الإعتصام، البعض يعتصم، والبعض الآخر يقوم بمهام العمل.

أبدى خيرت إندهاشه من تجاهل العمال والفلاحين في مؤتمر الحوار الوطني أو مؤتمر الوفاق القومي، رغم أن الغالبية العظمى من المصريين ينتمون إلى هاتين الفئتين، ويمثلون 50% من أعضاء مجلسي الشعب والشورى. وتساءل: كيف يتم استبعاد نصف المجتمع من مناقشة قضاياه وتحديد مصيره؟!.

ودعا خيرت المجلس العسكري إلى تشكيل لجنة مركزية يتفرع عنها لجان في شتى القطاعات لرصد ومناقشة مشاكل العمال والفلاحين في مصر، ووضع تصورات لكيفية حلها، وتحسين أحوال هاتين الفئتين، اللذين كان لهما الفضل في نجاح الثورة، ولا بد أن يجنوا ثمارها، وليس أي فئة أخرى.