أثارت الأرقامquot; الموصوفة بـquot;السرياليةquot; المعلنة من قبلالحكومة الجزائرية حول الأداء الاقتصادي للبلاد خلال السداسي الأول للعام الحالي، موجات من ردود الأفعال المستغربة وسط خبراء الشأن الاقتصادي في الجزائر تجاه quot;صدقيةquot; ما ورد في البيانات الرسمية.


الجزائر: في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، أبدى الخبير الاقتصادي المعروف quot;عبد الرحمان مبتولquot; اندهاشه لما حمله التقرير الحكومي، وشبّه الأخير بالنكتة الشهيرة لجحا عن quot;القط والشواءquot;، طالما أنّ حكاية الـ29 مليار دولار والمليون منصب شغل التي تقول السلطات أنّها تحققت خلال 183 يوما، أمر لا يقبله أي مدرك لحيثيات المشهد الجزائري وتقلباته. ويشكّك مبتول في quot;الرواية الحكوميةquot; انطلاقا من تناقضها رأسا مع الركود الكبير الذي ظلّ يطبع ولا يزال الحياة الاقتصادية الجزائرية، ما يسقط صفة الجدية عن بيانات الوزير الأول quot;أحمد أويحيىquot; وتهليل مصالحه لما يسمونها quot;ديناميكيةquot; ميّزت قطاعات الخدمات والبنوك والإدارة والزراعة والغابات والصناعة.

بدوره، يتساءل الخبير المالي quot;عبد الحق لعميريquot; كيف لاقتصاد يشكو الرتابة والتباطؤ باعتراف عرّابيه، أن يحقق طفرة قياسية وفي ظرف وجيز؟، معتبرا الكلام الرسمي عن بلوغ إجمالي الاستثمارات الأجنبية في الجزائر خلال النصف الأول من السنة الجارية سقف 28.8 مليار دولار، أقرب إلى quot;الخرافةquot; ويُجانب الصواب، فمن هذه المجموعات الاقتصادية التي اقتحمت السوق الجزائرية؟ طبعا عدا تلك المتعددة الجنسيات المهووسة بالتنقيب عن النفط فحسب.

ويلاحظ quot;أنيس نواريquot; أنّه على منوال quot;التضخيمquot; الذي اعتمدته الدوائر الرسمية في إعداد بيان السياسة العامة المعلن في تشرين الأول/ أكتوبر 2010، وتقارير أخرى، فإنّ تقرير السداسي الأول للعام 2011، لم يشذ عن القاعدة المتوارثة محليا، طالما أنّ التغني بتوفير مليون وظيفة خلال ستة أشهر أمر لا يقبله العقل والمنطق والميدان في بلد لا يزال يشكو فداحة آليات وأجهزة التشغيل، ولا أدلّ على ذلك من الهزال الذي يميّز أجهزة التشغيل، وبقاء عديد المشاريع الشبانية محتبسة على أرض الواقع.

في الزاوية المقابلة، يوضح quot;فوزي أمقرانquot; المدير المركزي للإحصائيات على مستوى كتابة الدولة للتخطيط والإحصاء، إنّ ما جرى نشره هو محض تجميع للمعطيات المقدّمة من سائر الوزارات، وأشار أمقران إلى أنّ الصورة ستظهر اكتمالا في تقييمات نهاية السنة. وصرّح المسؤول الحكومي أنّ المشكلة ربما تكون ناجمة عما سماها quot;الاصطلاحاتquot;، إذ لا يبدو واضحا إذا كانت حصائل بعض الأسلاك القطاعية خاصة بالسداسي الأخير تحديدا، أم هناك تراكمات لسداسيات سابقة، لذا يشدّد أمقران على حساسية دور وزارته في المتابعة والمراجعة والغربلة، لغرض إنجاز جدول اقتصادي اجتماعي يُرفع للوزارة الأولى بعد أشهر ويتضمن تقييما للسياسات وبلورة للخطوط العريضة لمسار الاقتصاد الجزائري، بما سيسهّل بناء المعطيات ويؤسس لتنمية خلاّقة.

على طرف نقيض، يقرّ الخبير الاقتصادي quot;صلاح موهوبيquot; بوجود خلل ما، حيث يعلّق: quot;لم أرى يوما دولة متطورة تتوصلّ إلى خلق مليون وظيفة خلال سنة واحدة، وعليه فإنّ تقرير الحكومة الجزائرية يمثل quot;معجزةquot; لكن هل هي كذلك فعليا؟quot;. ويقول موهوبي الذي كان مكلّفا بمهمة خاصة داخل الرئاسة الجزائرية، أنّه من الصعب تصديق أرقام لا سيما حينما يعلم الجميع أنّ الرؤية الاقتصادية مغيّبة والآلة الانتاجية في الجزائر معطّلة، عدا قطاع الانشاءات العامة الذي يشكّل الاستثناء.

ويدعو موهوبي الحكومة إلى تصحيح أرقامها، لأنّ الأمر يتعلق بصدقية دولة، تماما مثل اجتهاد المسؤولين في طمأنة الرأي العام المحلي حول الأموال المودعة في المصارف الأمريكية، رغم أنّ الحقائق غير ذلك وتؤكد خسارة الجزائر لما لا يقلّ عن خمس مليارات دولار جرّاء أزمة الديون الأمريكية. وتنتقد المتخصصة quot;مريم خليفةquot; ما تسميه quot;تلاعبquot; حكومة بلادها بمشاعر وصبر مواطنيها خصوصا الشباب منهم الذين أعيتهم الحيل، وبات الإنهاك ينال منهم بشكل مضاعف بفعل الروح السريالية التي تتعاطاها الدوائر الرسمية.

وتشير مريم خليفة إلى أنّ التقرير قد لا يكون مغلوطا، لكنّه غير واقعي في تسميته مناصب شغل ظرفية ومتدهورة بـquot;الوظائفquot;، وهي ظاهرة تشمل بحسبها قرابة ثلاث أرباع مناصب الشغل المشمولة بالإحصاء إياه، مع أنّ تلك الوظائف لم تسهم الحكومة في خلقها بتاتا. وتبرز محدثتنا نموذج المؤسسات الصغيرة التي أنشأها شباب عانوا من انتفاء أي مرافقة لمشروعاتهم ما جعل غالبيتها تسقط في الماء بعد وقت قصير، وهو معطى يؤكده quot;جمال جرّادquot; رئيس اتحاد خبراء المحاسبة، الذي يكشف عن زوال نصف المؤسسات المصغرّة بفعل كارثية المواكبة الحكومية، علما أنّ الجزائر تتواجد في الصف الـ148 في تصنيف البنك العالمي للدول المولّدة للمؤسسات، وفي الرتبة الـ122 للبلدان التي توخت سياسات تشغيل ناجعة.