أجبر ارتفاع أسعار الملابس الجديدة عشية حلول عيد الفطر المبارك في الجزائر، بقطاع معتبر من السكان المحليين إلى مراودة سوق الألبسة المستعملة، بعدما أضحت الثياب الجديدة حارقة لجيوب من يتطلع إليها.


الجزائر: في جولة قادت مندوب quot;إيلافquot; عبر عدد من أسواق ولايتي الجزائر العاصمة والبليدة، كانت مظاهر المغالاة في عموم الأسواق والمحال التجارية، متألقة وتغني عن أي تعليق وتربك قاصديها لا سيما من ذوي الرواتب الضعيفة، هؤلاء سئموا من اضطرارهم كالعادة لـquot;شدّ الحزامquot; للتأقلم مع وضع يكلفهم أكثر من طاقتهم بحكم ما فرضه شهر رمضان وما يقتضيه العيد إضافة إلى الدخول المدرسي المرتقب من متطلبات مرهقة لموازناتهم.

في هذا الشأن، أطلق مجيد الموظف بمؤسسة مملوكة للحكومة، زفرة استياء وعلّق غاضبا:quot; لقد وقعنا فريسة للباعة الموسميين وجشعهم، في سبيل إرضاء أبنائي الأربعةquot;، وبنبرة لم تقلّ حدة، تساءل شريف الأستاذ بالإعدادي، عن فرق الرقابة التي تجتر الحكومة الحديث عنها، وأردف بتبرم: quot;بعدما قام باعة المواد الأساسية بفرض قانونهم خلال رمضان وعبثوا بالمستهلكين تحت أنظار السلطات، ها هم تجار الملابس يؤدون المهمة ذاتها غير مبالين بشيء! quot;.

ورغم اختلاف الأحياء والمساحات التجارية، إلاّ أنّه بدا كما لو أنّه حصل الاتفاق بين جمهور الباعة على سقف محدد، فلم ينزل ثمن سروال من الطراز الجيّد تحت عارضة الألفي دينار (ما يعادل 24 دولارا)، بينما كانت أثمان الأحذية الرجالية بحدود 2500 دينار (28 دولارا)، في حين تراوحت أسعار أقمصة الشباب ما بين 1500 و2000 دينار، أما أسعار الثياب النسوية وكذا أغراض الأطفال فحدّث ولا حرج، حيث بات رب أسرة مؤلفة من أربعة أطفال مطالبا بتسديد قيمة لا تقلّ عن الثلاثين ألف دينار (380 دولارا) لإسعاد أبنائه، وطبعا مبالغ كهذه تعدّ quot;خياليةquot; بالنسبة لأصحاب الرواتب المحدودة.

وفيما يأسف الحاج رابح والعجوز فاطمة لوضع تجاري quot;منحرفquot;، على حد وصفهما، يوعز فريد الذي يعمل في ورشة خاصة لقاء أجر زهيد لا يتجاوز 15 ألف دينار (ما يعادل 120 يورو)، إلى أنّ سلوكيات البعض من مواطنيه أبقت بورصة أسعار الملابس مرتفعة، تماما كنظيرتها للخضروات والفواكه، ويركّز فريد على فئة quot;الأثرياء الجددquot; الذين لا يهمهم ما إذا كان سعر الحذاء أو الفستان أو البذلة، يزيد بعشر مرات عن سعره الحقيقي، وهو ما يجعل التجار لا يأبهون بانتقادات الكادحين ومفاوضاتهم اليائسة للظفر بمرادهم لقاء أسعار أقلّ وطأة. وإزاء الواقع البئيس الذي أفرزته معادلة الأسعار الصعبة، تعرف أسواق الملابس المستعملة نشاطا حثيثا، بفعل عرض القمصان والسترات والسراويل وحتى الملابس الداخلية بأسعار رمزية تنزل إلى مستوى مائتي دينار (3 دولارات) للقطعة الواحدة، ما جعل الرجال والنساء من مختلف الأعمار يغزون هذه الفضاءات المنتشرة.

وتعرض محلات الألبسة المستعملة، تشكيلات ممتازة وأحيانا فاخرة من سراويل الجينز والسترات وملابس الأطفال بأسعار مثيرة للاهتمام لا تتعدى الخمسمائة دينار (نحو 7 دولارات)، في حين تُعرض الملابس ذاتها بألفي دينار أو أكثر قليلا، وعليه لا يرى جمال، حياة، دليلة وشاهيناز حرجا من شراء كسوة لأطفالهم طالما أنّها تتمتع بجودة عالية، ويصعب الممايزة بينها وبين الجديدة. ويشير حليم أحد مرتادي هذه الأسواق التي شهدت انتعاشة ملحوظة منذ ترسيمها قانونيا قبل نحو شهرين، إلى أنّ أغلب السلع المعروضة تقريبا جديدة وبأسعار مغرية لا يمكن أن يحلم بها المرء في أمكنة أخرى، وطبعا المعطى لا يلقى استحسان تجار الألبسة الجديدة بحكم احتمال وقوع بضاعتهم في مستنقع الكساد.

بدورها، تلفت إيناس التي كانت مرفوقة ببنتيها، إلى أنّ قلة الحيلة وكثرة المصاريف أقنعتها مثل صويحباتها بجدوى التوجه إلى محلات الملابس المستعملة، لإدخال الفرحة إلى قلوب الصغار كما الكبار. ويقول رشيد الحارس الليلي بمرأب للسيارات، أنّ أسواق الملابس المستعملة أصبحت متنفسا لمواطنيه الذين لا تسمح لهم أجورهم المنخفضة بمجاراة المصاريف اليومية المتضاعفة بين رمضان والعيد والدخول المدرسي.