تسود في الجزائر حالة من القلق المتباين، بسبب ما طبع فصل الشتاء هذا العام، حيث يشكو مزارعون وخبراء لـquot;إيلافquot; شحّ الأمطار، ويتوجسون من تبعات الندرة الحاصلة على اقتصاد البلد ومنظومته الزراعية، في وقت تنفي السلطات الأمر رأسًا، وتجزم بوفرة الكميات المتساقطة، حتى وإن كان وزير الزراعة الجزائري رشيد بن عيسى يعترف بوجود مشكلة مائية تهدد قطاعه.


الجزائر: بلسان السلطات، تذهب بيانات الوزارة الجزائرية للموارد المائية إلى أنّ كمية الأمطار المتساقطة بين تشرين الأول/أكتوبر الماضي وأوائل الشهر الجاري، زادت عن 360 مليون متر مكعب، وهو ما يمثل ارتفاعًا بحدود 6 %، مقارنة بالسنة المنقضية، وهو ما ساعد بحسب المراجع نفسها على امتلاء السدود الـ65 بنسبة 65.05 %، فضلاً عن انتقال مخزونها من 3.4 إلى 3.7 مليار متر مكعب.

ويتوقع متحدث باسم وزارة الموارد المائية أن تتدعم المخزونات أكثر، فضلاً عن ارتواء المساحات الزراعية، إذا ما صحت توقعات بهطول أمطار إضافية في غضون الشهرين المقبلين، نظرًا إلى استمرار نزول الغيث في الجزائر كل عام حتى أواخر أيار/مايو. ويسجل كريم علاّم أنّ ارتفاع منسوب احتياطي المياه لا يبرر التشاؤم الذي يصرّ عليه البعض، ويجعل الجزائر في منأى عن أي جفاف، بحكم امتلاء الطبقات الجوفية وإعادة تشكيل احتياطي السدود.

على طرف نقيض، يبرز أنيس نواري أنّ معطيات الميدان تذهب نحو وجهة مختلفة، بحكم ما تشهده 3 سدود حيوية في منطقة الوسط و4 سدود في شرق البلاد، مضيفًا أنّ الأمطار التي هطلت في فترات متباعدة غير كافية، ولا يمكنها ضمان منتوج زراعي جيد بعدما تأثر محصول الحبوب خلال السنة الأخيرة، واتسم بانخفاضات مهمة في إنتاج القمح والشعير، ومن شأن العامل عينه أن يؤثر على المخزونات المائية عبر السدود.

يؤكد نواري أنّ إجمالي السدود لم يتعدّ نسبة امتلاؤه حدود 51.70 %، ما حال دون النهوض بالقدرات المائية لهذه السدود التي ارتفعت قبل سنتين إلى مستوى ثمانية مليارات متر مكعب، ويطرح خبراء استفهامات تجاه استمرار عدم تمكن الأجهزة المختصة من الاستغلال العقلاني لمياه الأمطار، خصوصًا أنّ الكمّ الآنف الذكر كان كفيلاً لو أحسن استغلاله، أن يجعل الجزائر في مأمن عن أي تقلبات غير مأمونة العواقب.

وبعدما بلغ إنتاج القمح والشعير مستويات قياسية خلال سنتي 2008 و2009 نظرًا إلى الظروف المناخية الملائمة، أنتجت الجزائر 2.8 مليون طن من الحبوب حتى 31 كانون الأول/ديسمبر الماضي استنادًا إلى كشوفات رسمية، علمًا أنّ الجزائر اعتادت على إنتاج ثلاثة ملايين هكتار سنويًا خلال الأعوام القليلة الماضية، في وقت تريد الوصول إلى سقف إنتاجي لا ينزل تحت الأربعة ملايين طن سنويًا لتحقيق الاكتفاء الذاتي محليًا.

من جهته، يلفت وزير الزراعة والتنمية الريفية رشيد بن عيسى، أنّ بلاده تعاني نقصًا مقلقًا في مجال المياه، لذا ينبغي بحسبه تكثيف الاستعمال العقلاني لمختلف الوسائط المساعدة على تحسين الإنتاجية، عبر خفض الاعتماد على الأمطار وتوظيف المياه المستعملة في ريّ المساحات المزروعة، علمًا أنّه جرى تطهير نحو 86 % من إجمالي المياه المستعملة ndash; ما يعادل 375 مليون متر مكعب ndash; تحسبًا لاستغلالها في القطاع الزراعي.

وأشار بن عيسى إلى أنّ الرهان الأساس لدى قطاعه هذه السنة، سيرتكز على تقوية الديناميكية التي تولّدت منذ العام الماضي لدى جمهور المزارعين والمربّين، وقال إنّ استمرار وتوافر عناصر النجاح سيرفع من معدلات الإنتاج الزراعي في بلد يمتلك 3.3 مليون هكتار من الأراضي الخصبة.

ويخشى مزارعون أن يتكرر سيناريو الجفاف الذي ضرب البلد العام 2002، وكانت له تبعات كارثية آنذاك، غداة العجز في كميات الأمطار الذي مسّ العديد من المناطق ذات الإنتاج الكبير، لذا ينادي خبراء الماء بتوخي استراتيجية جديدة تضمن إعادة هيكلة وتأهيل منظومة المياه في الجزائر، التي يذهب 70 % منها لريّ المساحات الزراعية.

في حين ينصح منير شنان بتوظيف المياه المستعملة في ريّ المساحات المزروعة، ويتعلق الأمر بتطهير 600 مليون متر مكعب سنويًا لريّ المنتجات الزراعية، لتجاوز أي مآزق مترتبة عن جفاف محتمل، ينعكس على المنتجات الزراعية ونوعيتها، ضمن تصور يرقى إلى تفعيل الاقتصاد المستدام للمياه.

ويسجل خبراء أنّ نجاح تجربة تحلية مياه البحر في مدينة قابس في تونس التي أفلحت في توفير 87% من المياه المحلاّة - ما يعادل 4060 مليون متر مكعب، هو نموذج يحتذى به، ويمكن تجسيده في الجزائر، علمًا أنّ هذه الأخيرة باتت مهددة بشبح الجفاف خلال السنوات المقبلة، حيث بإمكان محطات تحلية مياه البحر ضخّ أكثر من 365 مليون متر مكعب سنويًا، ما يشكل جرعة إضافية في ظلّ التراجع المستمر لاحتياطي الجيوب المائية، وتزايد عدد السكان، إلى جانب ارتفاع الطلب على المياه.

واستنادًا إلى مراجع quot;إيلافquot;، سيتضاعف عدد سكان الجزائر بحلول سنة 2020 إلى حدود 46 مليون نسمة، وسيشهد نصيب الفرد من الماء انخفاضًا إلى أقل من 271 متر مكعب سنويًا، بعدما كان يتجاوز 565 متر مكعب في مطلع التسعينيات، مع الإشارة إلى أنّ الأمم المتحدة حددت المستوى الأدنى للاستهلاك الفردي للماء بألف متر مكعب.