يصف متعاملو صناعة الدواء في الجزائر الأخيرة بـquot;المريضةquot;، بعدما صارت لا تقوى على سدّ حاجيات مواطنيها رغم امتصاصها مخصصات تزيد عن الملياري دولار كل سنة، لكنّ ذلك لم يحل دون تكرّس الندرة رغم ضخامة النفقات. وفي تصريحات لإيلاف، يتهّم هؤلاء quot;مافيا الدواءquot;، وquot;مجموعات المصالحquot; بالوقوف وراء احتباس الصناعة الدوائية، ويستدلون بما أظهرته تحقيقات أمنية حديثة.


الدواء في الجزائر ... مصدر لكل الهواجس

الجزائر: في وثيقة سلّمها لـquot;إيلافquot;، يقول عبد الوهاب بن قونية أحد أقدم كوادر قطاع الصحة في الجزائر، إنّ الغموض لا يزال يغلّف سوق الدواء، لذا ليس هناك من إجابات عن النقائص الكثيرة البارزة كنقص الأدوية، وتضخيم الفواتير، والأدوية المقلدة والمغشوشة والقائمة تطول.

وتحت مسمّى quot;الصحة العمومية: إفلاس مبرمجquot; لدراسة حملت تشريحًا معمّقًا لواقع الصناعة الصيدلانية المحلية على مدار العقدين الماضيين، يستغرب بن قونية تجاه كيفية تسيير صناديق القطاع خلال السنوات الأخيرة، فرغم استفادتها من خمس مليارات دولار، إلاّ أنّ لا شيء تحرّك في اتجاه الأحسن، بل تفاقم النقص المتكرر لأدوية باهظة الثمن، وضعف إنتاج الأدوية الجنيسة 30 % فقط في العام الأخير.

يصف بن قونية تنظيم القطاع بكونه quot;مُهيأ للإفسادquot;، ما أفرز ضربًا لاستقرار المؤسسات، ودفع 25 وزيرًا لمراوحة أماكنهم، مركّزًا على كون الموازنات الضخمة المرصودة لم تغيّر من واقع الأشياء، في بلد ليس للنفقات فيه سقف.

من جانبه، ينتقد نبيل ملاّح رئيس اتحاد منتجي الأدوية، اكتفاء سلطات بلاده بالتفرّج على لجوء المستوردين إلى المبالغة في قيمة فاتورة الأدوية، رغم تعارض ذلك مع الأسعار المرجعية الدولية، مشددًا على تجنيد الكفاءات كافة ونقل التكنولوجيا، لأنّه يتعيّن على الجزائر أن تضع حدًا لتبعيتها للخارج في مجال الدواء.

بدوره، يتساءل أمين بعداش كيف للحكومة الجزائرية أن تعرقل مواطنيها المنتجين عبر لائحة شروط وتعقيدات لها أول وليس لها آخر، في حين تصمت على شركات أجنبية يقتصر نشاطها في الجزائر على استيراد الأدوية، وبعد مرور سنتين ترحل بالفوائد من دون أن أي استثمار حقيقي.

ويثير بعداش الناشط في إحدى المجموعات الخاصة، استفهامات إزاء خطط السلطات لإنعاش الصناعة المحلية للدواء والاتجاه للتصدير بحلول سنة 2013، في كلام يرى أنّه بقي quot;حبرًا على ورقquot;.

وأعلنت وزارة الصحة الجزائرية قبل أشهر أنّ فريقًا من الخبراء في صدد إنجاز الدراسات اللازمة لعصرنة وتوسيع إمكانيات الإنتاج المحلي على مستوى ثمانية مواقع، فضلاً عن تأهيل مصانع قديمة، وإبرام شراكات مع متعاملين جرى وصفهم بـquot;الروادquot;، إلاّ أنّ ما تقدّم لم يتجسد لغاية كتابة هذه السطور.

إلى ذلك، يشكو صيادلة من ندرة مئات الأنواع الدوائية، في تطوره ربطه مراقبون بالأدوار السلبية لمن يصنفونهم في خانة quot;الباروناتquot;، وعليه يدعو مسعود بلعمبري رئيس النقابة الجزائرية لصيادلة الوكالات، إلى فتح تحقيق من أجل تحديد النقائص التي أدت إلى نفاذ الأدوية، ويضيف: quot;يجب القيام بتحريات ميدانية، ومعاقبة المسؤولين عن ممارسات سيئة في مجال التوزيع وتسيير المخزوناتquot;.

يلفت بلعمبري إلى وجود موزعين يحظون بنوع من الامتياز الذي يجعلهم يمارسون نوعًا من الاحتكار على عدد من المواد التي يبيعونها بالموازاة مع مواد أخرى، وهو ما يفسّر بحسبه النقص في بعض الأدوية، سواء المنتجة محليًا أو المستوردة، على النقيض، يرفض جمال ولد عباس وزير الصحة الجزائري الإقرار بوجود ندرة، ويختزل المشكلة في عدم احترام بعض الشركات الأجنبية للتشريع الجزائري وارتضاء فريق آخر لمنطق المضاربة.

على المنوال عينه، يجزم فيصل عابد ممثل النقابة الجزائرية لصيادلة الوكالات بوجود سوء تسيير ألقى بظلاله على تسعة آلاف صيدلية و556 موزعًا، ويكشف عابد عن فضيحة منتجات منتهية الصلاحية تمتلئ بها الصيدليات، وأصبحت تشكل خطرًا حقيقيًا على مستهلكيها، ورغم إشعار المسؤولين بالإشكال، إلاّ أنّه لم يتم إتلاف تلك المنتجات.

وصارت فاتورة استيراد الأدوية مكلفة بالنسبة إلى الجزائر، حيث وصل إجمالي نفقات الخزانة العامة حدود 2.5 مليار دولار سنويًا، ما جعل مجلس مساهمات الدولة يقرّ خطة مختلفة في حزيران/يونيو 2009.

ويُبقي امتناع فاعلي الصناعة الصيدلانية كما السلطات عن كشف المستور، قدرًا هائلاً من الأسئلة المفخخة حول راهن سوق تتخبط وسط شبهات حامت ولا تزال، في صورة ما يُثار عن تسويق أدوية ممنوعة في الجزائر، وتنامي حدة المضاربات، والممارسات الملتوية هناك.