حالة عدم الاستقرار الامني، والغموض السياسي، والانهيار الاقتصادي الذي تعيشه تونس منذ ثورة 14 يناير، جعلت المستثمرين يعزفون عن هذا البلد. وبات تقديم حوافز جديدة لرجالات المال والأعمال لدفعهم للعودة الى تونس، من أولى الأمور. خبراء اقتصاديون تحدّثوا لإيلاف شدّدوا على ضرورة البدء في سن قانون جديد للتشجيع على الاستثمار.


تونس: تتعالى الأصوات الداعية إلى ضرورة مراجعة قوانين التشجيع على الإستثمار في تونس، وذلك حتى تقوم بدورها في التشجيع على الاستثمار وسط مناخ يبعث بإشارات سياسية واقتصادية واجتماعية تمنح الثقة لأصحاب المال والأعمال.

مراجعة قانون التشجيع على الاستثمار يتطلّب إصلاحات تشريعية وهيكلية تخرجه من حالة الركود التي يعيشها المناخ الإستثماري في تونس.

دراسة الأسواق

يبرز رياض بالطيب وزير الاستثمار والتعاون الدولي خلال الاجتماع الأول حول مراجعة قانون الاستثمار، أنّ التشريعات يجب أن تبنى على استراتيجة واضحة في مجال الاستثمار تنطلق أساسا من تشخيص واقعه من خلال دراسة الأسواق التي ننوي اقتحامها إلى جانب القطاعات التي تتمتع بقدرة تنافسية عالية عند التصدير بصفة خاصة، حتى تكون تونس قاعدة للمبادلات التجارية نحو أوروبا وأفريقيا.

وأكد الوزير ضرورة العمل على تطوير مناخ الاستثمار والأعمال وضبط آليات إيجاد المرافقة المالية وتنويع الشركات وضبط سياسة ترويجية تكون ناجعة من أجل بلوغ نسب تدفق عالية للمال بعد الوصول إلى ثقة المستثمرين.

وقد منحت المؤسسة المالية الدولية التابعة للبنك العالمي أخيرا هبة بقيمة 625 ألف يورو لفائدة الحكومة التونسية ستخصص لمراجعة قانون التشجيع على الاستثمار.

غياب الوضوح

أكد الخبير الإقتصادي محمود بن رمضان في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ المناخ حاليا في تونس غير قابل للاستثمار الحقيقي نظرا لانتظار المستثمرين لما سيحصل من تغيير، فهو غير مستقر ولا يشجع على الاستثمار في غياب الرؤية و الوضوح و الأمن والاستقرار السياسي في المستقبل القريب والمتوسط، فالاستثمار هو عبارة عن مغامرة وبالتالي فإن قانون التشجيع على الاستثمار بما فيها من هنات غير قابلة للتشجيع، وهو ما يؤكد ضرورة إصلاحها ولو أنّ هذه العملية لوحدها تبدو غير كافية في ظل غياب العناصر الأخرى.

وأوضح بن رمضان متحدثا عن النسب المرتفعة للاستثمار الخارجي و الزيادة بنسبة 42% مقارنة بعام 2011 مبيّنا أنّه لا يعقل أن نقارن هذه النسب والأرقام بما كانت عليه الأوضاع في 2011 لأن نسبة النمو كانت دون الصفر وبالتالي يجب أن نقارن بالعام 2010 حتى نعرف فعلا وبموضوعية ما حققناه.

وضع صعب

وأكد الخبير الاقتصادي أنه ومن سوء الحظ أن تونس تعيش اليوم وضعا صعبا، فالنمو لا يكاد يتحرك ومن ناحية الإنتاج ومنذ الثلاثي الرابع من العام الماضي 2011، يبقى الإقتصاد في حالة استقرار أو حتى انحدار.
وأبرز وجود تراجع في الإنتاج الصناعي إلى جانب تراجع أو استقرار في الخدمات غير الإدارية.

القطاع الزراعي هو الوحيد الذي حقق ارتفاعا نسبيا حسب بن رمضان، وهو مرتبط بظروف مناخية.

من جانبه يوضّح الخبير الاقتصادي سامي لشهب في إفادة لـquot;إيلافquot; أنّ الحكومة الحالية الانتقالية لم تبدأ ولم تعلن عن الإصلاحات العميقة وبالتالي فالمناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي لا يشجع على الاستثمار نتيجة الضبابية، كما أن الأزمة الأوروبية ساهمت في ذلك لنقص الطلب على الصادرات التونسية.

وأضاف أنّ الحكومة لم تجد الحلول المناسبة الآن مع رجال الأعمال الذين باستطاعتهم الاستثمار والمساهمة في توفير مواطن الشغل.

كما أن المستثمر الأجنبي لن يغامر باستثمار أمواله في وضع صعب، ولا حلّ إلا بتوفير مناخ جديد تحكمه الشفافية و الوضوح، إذ لا يمكن أن نحلّ مشاكلنا العالقة من دون استثمارات.

إصلاحات هيكلية وقانونية

يشير الدكتور محمود بن رمضان إلى أنه لا بد من تغيير جذري من خلال إدخال إصلاحيات قانونية وهيكلية على قانون التشجيع على الاستثمار التي تضم تشجيعات متشعبة ومتفرعة، والمستثمر يجد صعوبة في التعرف إلى مختلف خباياها، كما أنّ الخبراء الذين يقومون بهذه الإصلاحات غير قادرين على تقديم التشجيعات التي تساهم فعلا في جلب المستثمرين.

تحويرات مرتقبة

أكدت الدراسات التي أجرتها وزارة الاستثمار والتعاون الدولي ضرورة الشروع في الإصلاح الهيكلـي الذي يحظى بأهمية كبرى في دعم الاستثمار، الذي يمثّل رافدا مكملا للجانب التشريعي والقانوني.

وقدّمت الوزارة تصورا يتضمن بالخصوص إحداث هيئة وطنية للاستثمار، و تمّ إعداد مشروع نصّ إنشائها وينتظر عرضه على مجلس الوزراء للنظر فيه.
من جهة ثانية فإنّ البنك العالمي وصندوق النقد الدولي تحدثا عن هذه المجلة (القانون) وبيّنا أنّها تمنح تشجيعات كبيرة ولكنها مكلفة ودون جدوى، وبالتالي يجب إصلاح القوانين وأخذ هذه الملاحظات في الاعتبار خلال الإصلاحات الجديدة في القانون الجديد.

وأضاف الخبير محمود بن رمضان أن هذه التشجيعات يجب أن تستهدف الجهات والقطاعات المعنية مؤكدا أنّ مجلة الاستثمارات وبعد عملية الإصلاح، يمكن لها أن تجلب المستثمرين وتساهم بالتالي في النهوض بالاقتصاد، ولكن في مناخ آخر أفضل مما يعيشه المستثمر الآن من جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية.

وأكد الخبير الإقتصادي لشهب أنّ الجميع يجمع اليوم على ضرورة إدخال إصلاحات جذرية لقانون الاستثمارات وقد بدأت وزارة الاستثمار والتعاون الدولي باشراك مؤسسات المجتمع المدني حتى تكون جاهزة قبل موفى 2012، إلى أنّ مستوى الاستثمارات لم تتغير منذ 1985، ونسبة الاستثمارات من الناتج الداخلي الخام منذ 1985 لم تتجاوز 25% وهذا لا يساعد على خلق مواطن الشغل وعلى تطور نسبة النمو التي لم تتجاوز 5%.

وأضاف لشهب أنّ الإصلاح يجب أن يحدد بهدف خلق الاستثمار في الجهات وخلق مواطن الشغل اي أن تكون موجهة لبعض الجهات و تخص بعض القطاعات دون غيرها لأن هناك جهات وقطاعات ذات أولوية حتى تحصل الفاعلية والنجاعة.

لا مركزية البنوك

الخبير الإقتصادي والمالي ياسين بن اسماعيل يقول في إفادة لـquot;إيلافquot; إنّ مراجعة قانون التشجيع على الاستثمار يتطلّب أولا رسملة البنوك التونسية، والعمومية منها بالخصوص، وهي التي باتت على شفا الإفلاس لا لشيء إلا لأنها منحت قروضا تفوق الأموال والودائع التي تملكها، مؤكدا ضرورة أن تتضمن القوانين الجديدة للاستثمار تشجيعا على لامركزية هذه البنوك وذلك من خلال الاهتمام بحوافز الاستثمار.

وأوضح أن الاستثمار في الجهات يجب أن لا يكون حكرا على الخواص فقط، بل يجب أن تتدخل الدولة كذلك في الاستثمارات الجهوية.

إلغاء الإعفاءات الجبائية

ويشير الخبير الاقتصادي منجي بوغزالة في إفادة لـquot;إيلافquot; إلى ضرورة إلغاء الإعفاءات الجبائية التي تصل إلى حدود 100% على المؤسسات التي لا تحقق القيمة المضافة العالية، بينما لا تتمتع بها مؤسسات أخرى خاصة وأنّ هذا الإلغاء يمكن أن يوفر لميزانية الدولة نحو ألف مليون دينار سنويا من المداخيل الجبائية، مؤكدا تمتيع المؤسسات التكنولوجية بهذا الإعفاء لأنها قادرة على توفير التشغيل في المناطق الداخلية.