ارتفاع سعر برميل النفط يضر بالدول المستهلكة

تدور في فلك الصحافة هذه الأيام احتمالية موافقة الجهات الرسمية في الولايات المتحدة على استخدام المخزون الاستراتيجي للنفط للمرة الثالثة في تاريخه، وذلك تصديا للارتفاعات المتتالية لأسعار النفط الخام ومواجهة مبكرة للعقوبات الرسمية على إيران، مع تزايد سعر البرميل الذي يشكل تضخما يضرّ بالدول المستهلكة.


الرياض: وصول سعر البرميل إلى 125 دولارا شكل تضخما يضرّ بالدول المستهلكة لزيادة تكاليف الإنتاج بالإضافة إلى الأضرار الكبيرة على ميزانها التجاري، فإن التحرك الدولي لدفع الأسعار عكسا للانخفاض أصبح حتميا من وجهة نظرها ويبدو أن ذلك سيتم بأي طريقة كانت .

ويبلغ إنتاج النفط العالمي يوميا 80 مليون برميل، نسبة إنتاج دول أوبك منها تقريبا 30 %، وتستهلك منها ما يعادل 25 % يوميا، أي أن دول أوبك لا تستهلك بقدر ما تنتج، بعكس الولايات المتحدة التي تحولت في الثمانينات إلى دولة مستهلكة للنفط، بعد أن تجاوز معدل استهلاكها حجم إنتاجها اليومي ليبدأ استيرادها النفط .

ومن هنا، جاءت فكرة المخزون الاستراتيجي وتعمّقت في بداية السبعينات الميلادية لمواجهة أخطار النفط وتقنين الإنتاج أو التصدير من قبل الدول المنتجة، والتحكم فيه، ما سيضرّ بالدول المستهلكة ويرفع من تكاليف الإنتاج ويضر بالاستهلاك المحلي لها.

واستخدم المخزون الاستراتيجي للمرة الأولىإبان الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973م بعد أن قررت دول أوبك (العربية) وقف التصدير للولايات المتحدة بعد وقوفها مع إسرائيل، في قرار سياسي أثر بشكل كبير جدا في أسعار النفط، وأضرّ باستخدام الطاقة في الولايات المتحدة، وارتفعت حينذاك أسعار الوقود إلى أعلى مستوياتها، وبالتالي اضطرت الولايات المتحدة إلى استخدام المخزون الاستراتيجي لمواجهة الطلب آنذاك .

وفي المرة الثانية إبان حكم الرئيس بيل كلينتون، الذي قدم مسودة قرار للكونغرس للموافقة على استخدام المخزون الاستراتيجي لوقف التصاعد في أسعار النفط في نهاية التسعينات، وهو هدف اقتصادي بحت، يأمل من خلاله الرئيس في زيادة المعروض من النفط وبالتالي انخفاض الأسعار والضغط عليها .

ومن المفترض ألا تتم الموافقة من قبل الكونغرس الأميركي على مثل هذا الطلب غير المبرر سياسيا، ما يخالف فكرة إنشاء المخزون الاستراتيجي التي تهدف إلى استخدام النفط في الظروف السياسية أو الحروب، وكذلك الكوارث الطبيعية التي تمنع تصدير النفط إلى الولايات المتحدة أو أوروبا، لكن وبحكم علاقات الرئيس الأميركي بالديمقراطيين في الكونغرس تمت الموافقة وتم استخدام المخزون آنذاك.

وأيضا في ظل إعصار كاترينا الذي ضرب الولايات من المحيط الأطلسي في 2005، وأحدث كارثة كبيرة في الولايات المتحدة في تلك السنة، وبالتالي أضرّ بمرور البواخر النفطية من خلال المحيط في تلك الأيام ، وكان المبرر لاستخدام المخزون ضروريا .

وفي هذه الأيام، بدأت عملية الضغط على الدول النفطية لتخفيض الأسعار من خلال زيادة المعروض عن طريق المخزون الاستراتيجي، بعد تحفظ الدول على زيادة الإنتاج، وتسليمهم التام بأن ارتفاع الأسعار ناتج من زيادة الطلب، وان السوق النفطية تعمل بسياسة مفتوحة تترابط فيها قوى العرض والطلب حتى تصل إلى الأسعار التوازنية لها.

وفي ظل الخطط التي وضعتها الدول المنتجة لإنفاقها على مشاريع التنمية، ربما يؤدي استخدام المخزون وبالتالي تخفيض السعر إلى اختلال في الخطط وربما يضر بها إن لم تكن هناك خطط طارئة لمجابهة مثل هذه القرارات، كما هو الحال بالأوضاع السياسية المضطربة التي حدثت في العام الماضي في دول الشرق الأوسط، واستمرارها إلى الآن في بعض الدول كسوريا، وتفاقم الوضع الإيراني والتهديدات الكبيرة بفرض عقوبات أوروبية على الحكومة الإيرانية خلال الأيام القادمة.

جميع هذه العوامل يُرى أنها ستؤدي إلى اختلال في توازن السوق النفطية إن لم يكن هناك تحرك من الدول القيادية في الإنتاج، كالمملكة العربية السعودية لاتخاذ قرار مشترك مع أوبك في زيادة الإنتاج لمحاولة الوصول إلى السعر العادل، دون اللجوء إلى الضغط الأميركي ndash; الأوروبي من خلال سياسة المخزون الاستراتيجي، والوقوع تحت رحمة انخفاض الأسعار إلى مستويات قد تضر بخطط التنمية.