مخاوف من عودة أزمة الديون الأوروبية

بدأت تظهر علامات دالة على تجدد إشتعال الأزمة المالية في أوروبا خلال الأيام القليلة الماضية، ليحتدم النقاش بين مؤيدي التقشف وعدد متزايد من المتحمسين لزيادة السياسات التوسعية من أجل تعزيز النمو.


القاهرة: طالب قبل أيام صندوق النقد الدولي المتشدد بصورة تقليدية من الدول الأوروبية القوية أن تخفف من الضغوط المالية عن طريق تمديد تخفيضات الميزانية على مدار مدة أطول.

لكن إن كانت ألمانيا هي المقصود من وراء تلك الرسالة على وجه الخصوص، فإن تلك المحاولة ستكون على ما يبدو عديمة الجدوى، في وقت تتحضر فيه البلاد لإجراء عمليتين انتخابيتين خلال الشهر المقبل، وفي وقت لا يبدو فيه من الوارد أن تغير المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل موقفها، الذي يحظي بقبول في أوساط الناخبين، وهو الموقف المعارض لتقديم مساعدات إضافية لاقتصاديات الشركاء الأوروبيين المتعثرين.

وفي هذا الصدد، أوردت اليوم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية عن مسؤول كبير بوزارة المالية الألمانية، بعد رفضه الكشف عن هويته، قوله :quot; لا نرى الحاجة التي ربما تنظر إليها بأهمية بلدان أخرى لزيادة النمو من خلال زيادات إضافية في النفقاتquot;.

وتابع هذا المسؤول حديثه، منوهاً إلى التعهدات التي تم اتخاذها خلال اجتماع لقمة مجموعة العشرين في حزيران/ يونيو عام 2010، بالقول :quot; وبدلاً من ذلك، نحن نرى بوضوح تام، وسنذكر شركائنا بمسؤولياتهم التي ألقيت على كاهلهم في تورنتو، بشأن خفض العجز في ميزانياتهم بمقدار النصف وتحقيق الاستقرار في مستويات ديونهمquot;.

وفي نفس الوقت، أكد المسؤول أن ألمانيا تأمل أن تنضم بلدان أخرى لمساعي زيادة موارد صندوق النقد الدولي لمساعدته على مواجهة الأزمة. ولفتت الصحيفة كذلك إلى أجواء عدم الاستقرار التي طغت على القارة بفضل تغيرات الأوضاع السياسية والاقتصادية على حد سواء. حيث انضم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى خصومه في الترويج للسياسات الداعمة للنمو. وفي اليونان، بدأت تكتسب الأحزاب القومية المتطرفة المعادية للألمان مزيداً من القوة قبيل الانتخابات البرلمانية المقرر لها الشهر المقبل. وأضافت الصحيفة أن الانتخابات الألمانية قد لا تؤثر بشكل مباشر على الحكومة الاتحادية في برلين، لكنها ستصرف الانتباه عن إدارة الأزمة والمخاوف القائمة في عموم القارة، بينما ستدفع بقضايا محدودة إلى الواجهة.

ومع هذا، فإن ما يبدو مؤكداً الآن هو أن الأزمة ستستمر في التفاقم إلى أن يتم اتخاذ تدابير جديدة لمعالجة أسبابها الجذرية. وتابعت الصحيفة بلفتها إلى أن تكاليف الاقتراض لبلدان جنوب أوروبا المتعثرة مثل اسبانيا وايطاليا بدأت ترتفع مرة أخرى، في الوقت الذي بدأت تختفي فيه تأثيرات ضخ المركزي الأوروبي ما يقرب من 1.3 تريليون دولار في صورة قروض رخيصة في النظام المصرفي خلال شهري كانون الأول/ ديسمبر وآذار/ مارس الماضيين بشكل أسرع مما كان متوقعاً.

وأعقبت الصحيفة بتنويهها إلى ضيق الوقت بالنسبة للحكومات والمؤسسات المالية المتعثرة، حيث يبدو أن فرص النجاة من المحتمل أن تقاس بالأشهر وليس بالسنين. وأشارت إلى أن التحول الأخير هذا جاء ليؤكد على عدم وجود أية إصلاحات جوهرية بعيداً عن الوعود التي قطعتها الدول على نفسها لخفض العجز في ميزانياتها.

وقال فيليب وايت، زميل الأبحاث البارز لدى مركز الإصلاح الأوروبي، إنه وبالرغم من جهود إدارة الأزمة التي تم بذلها على مدار العامين الماضيين، إلا أن البنية الأساسية لمنطقة اليورو ظلت كما هي دون أن تمس، في وقت ترتبط فيه الاقتصاديات ذات الإنتاجية المنخفضة في الجنوب بالاقتصاديات ذات الإنتاجية المرتفعة في الشمال، وهو ما يمنع المتقاعسين من خوض غمار المنافسة من خلال تخفيض قيمة العملة.

وأكدت الصحيفة في الإطار عينه كذلك أن مساعي إنقاذ اسبانيا ستكون أكثر كلفة عن غيرها من مساعي إنقاذ أي من الدول ذات الكيانات الاقتصادية الصغيرة مثل اليونان أو البرتغال أو أيرلندا، وهو ما يشكل اختباراً للموارد الخاصة بدول منطقة اليورو.

وقال كثير من الخبراء الاقتصاديين، وبخاصة في الولايات المتحدة، إن على اسبانيا أن تحفز اقتصادها، من خلال زيادة الإنفاق، إن كانت تأمل في العودة للنمو الاقتصادي، وهو الأمر الذي رفضته الحكومة الألمانية. وفي مقابلة أجرتها مؤخراً مع إحدى الصحف الألمانية، قالت كريستين لاغارد، مدير صندوق النقد الدولي، إنها مهتمة بشأن وضعية البنوك الاسبانية، وحذرت من خفض الإنفاق بصورة سريعة للغاية.

بينما قال ايكارت ستراتينسكولت، أستاذ العلوم السياسية ومدير أكاديمية برلين الأوروبية غير الربحية :quot; مشكلة الأزمة في ألمانيا هي أننا نعلم أن لدينا أزمة، لكننا لا نشعر بهاquot;. وختمت النيويورك تايمز بنقلها عن توماس ماير، كبير الخبراء الاقتصاديين لدى دويتشه بنك في فرانكفورت، قوله :quot; الأزمة مثل الاكتئاب الجنوني الذي يتنقل بين النشوة والقلق، وها نحن الآن في وادي القلق مرة أخرىquot;.