منذ ثورة 25 يناير والمخاوف تزيد من تراجع معدل الاستثمارات السعودية في مصر، التي تقدر بحوالي 19 مليار ريال سعودي (30 مليار جنيه تقريبًا). وهو رقم يمثل نسبة لا تقل عن 20 % من حجم الاستثمارات الخليجية في مصر، مما يجعل السعودية من أهم الشركاء الاقتصاديين لمصر.


الرياض:تشير التصريحات التي أدلى بها عدد من المسؤولين الاقتصاديين والخبراء المصريين خلال الايام الماضية إلى أن المخاوف كبيرة من سحب الاستثمارات السعودية في مصر نتيجة لتوتر العلاقات بين البلدين لأسباب قد تكون أمنية، حيث قدر البعض أنه من المحتمل خروج 4 مليارات دولار خلال الفترة المقبلة في حال استمرار الازمة، مما ينبىء بتوقف بعض الانشطة الاقتصادية، ومن المحتمل أن يتم تسريح عدد من العمالة نتيجة لتوقف الانتاج.

وبالنظر الى احجام الصادرات والواردات بين البلدين، نجد أن السعودية تصدر ما قيمته 9 مليارات ريال خلال العام 2010، وتستورد ما يقارب الـ6 مليارات تقريبًا، لتحتل مصر المرتبة الثالثة من بين الدول العربية في التبادل التجاري مع السعودية، وتتنوع الاستثمارات التي يمتلكها السعوديون في مصر في قطاع الزراعة الذي يحتضن اموال كبار رجال الاعمال في السعودية، بالاضافة الى قطاع السياحة الاكثر اهمية في السنوات الاخيرة بالنسبة للاقتصاد المصري، عطفًا على المصانع الضخمة نتيجة لتوفر الايدي العاملة في مصر بشكل كبير مقارنة بالدول الاخرى.

ولقرار الحكومة السعودية باغلاق السفارة وسحب السفير آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد المصري، والمواطن المصري الذي سيتضرر بكل تأكيد جراء الممارسات المخلة بالأمن من قبل المتظاهرين، نتيجة لخبر اعتقال الحقوقي المصري احمد الجيزاوي بسبب حيازته للمخدرات، وذلك حسب تصريحات مسؤولي الامن في السعودية، وكذلك السفير المصري، وقوبل هذا القرار بغضب شعبي داخل مصر لم يتم التعامل معه بشكل جيد من قبل المتظاهرين، وهذا أمر طبيعي في حال انعدام المستوى الأمني في البلاد منذ احداث 25 يناير .

قطاع الزراعة

وحيث أن المملكة تفتقد الى المياه وتعتبر ذلك من أهم المشكلات التي تواجهها حاليًا، اتجهت الى الاستثمار الزراعي في الدول الرائدة في هذا المجال، وخاصة مصر، نظرًا لموقعها الجغرافي، وتوفر المياه والمناطق الزراعية بشكل كبير، الأمر الذي دعا رجال الاعمال وبإيعاز من الحكومة السعودية للاستثمار الزراعي هناك وتصدير المحصول الى المملكة، ولا شك أن هذا الامر يعود بالنفع الكبير على الاقتصاد المصري من جهات عدة، ولكن عدم الاستقرار السياسي ربما يؤرق من الاستثمار داخل مصر كما حدث في السودان الذي لا يختلف كثيرًا عن الوضع المصري، وبالتالي من الممكن أن يعاد النظر في الاستثمار طويل الاجل في هذه البلدان.

قطاع السياحة

تعتبر مصر من الدول الرائدة في هذا المجال، لامتلاكها مقومات سياحية كبيرة، ومخزون آثار يتجاوز الثلث مقارنة بآثار العالم ككل، مما يجعلها وجهة سياحية مهمة لعدد كبير من المهتمين في هذا المجال. وفي 2010، احتلت مصر المرتبة الاولى عربيًا في الوجهة السياحية المفضلة للسعوديين، وتم انفاق ما يقارب الـ3 مليارات ريال خلال عام في السياحة داخل مصر من قبل السعوديين، ما يمثل نسبة 11% من اجمالي انفاق السعوديين على السياحة الخارجية في تلك السنة .

وحيث أن مصرهي من الدول السياحية المهمة عربيًا، وبحكم مركزها الجغرافي المتميز،أصبحت هدفًا مهمًا لرجال الاعمال السعوديين لدخول مجال الاستثمار السياحي في مصر، وتمتلك شركة المملكة العائدة للوليد بن طلال اكثر من 4 فنادق كبرى منتشرة في 3 مدن مصرية ، بالاضافة الى عدد كبير من رجال الاعمال السعوديين التي تتنوع استثماراتهم بين فنادق ومطاعم وغير ذلك، والتي يتم تشغيلها من قبل مواطنين ومواطنات مصريات بنسب عالية جدًا تصل في كثير من الاحيان الى 100 % تشغيلاً كاملاً.

قطاع الصناعة

كما أن قطاع الصناعة له نصيب ايضًا من الاستثمارات السعودية في مصر، وذلك نظرًا لتوفر الايدي العاملة الماهرة، وتسهيل الدخول في الاستثمار الصناعي من قبل الحكومة المصرية للمستثمرين الاجانب، مما يدفع بعجلة النمو الاقتصادي داخل مصر ويزيد من معدلات الانتاج، ويحسّن من مستوى الصادرات، بالاضافة إلى تقليل معدلات البطالة بشكل كبير من خلال توفير وظائف داخل هذه المصانع.

ويتضح أن التوتر القائم بين البلدين سيؤدي بلا شك الى توقف تلك الاستثمارات نظرًا لخطورة الموقف، وانعدام المستوى الامني، بالاضافة الى الاحتقان الشعبي الداخلي ضد السعودية، الامر الذي لا يحفز الاستثمار ويقلق رجال الاعمال الهادفين بطبيعة الحال الى الربح ، وسيتجهون باستثماراتهم الى دول اخرى، اكثر استقراراً وتحفيزًا للاستثمار منها في مصر.

الحل بيد الحكومة المصرية

يقول الباحث الاقتصادي سعود العامر، إن المشكلة تتفاقم منذ 25 يناير، والشعب المصري اصبح ينظر إلى العالم نظرة مختلفة، وبالتالي ينظر إلى مشكلة اعتقال الجيزاوي بأنها تمس كرامة الشعب المصري ككل، وهذا أمر غير منطقي ولا يمكن قبوله، حيث أن اعتقال الجيزاوي تم بصورة قانونية ولا يمكن النظر اليه بعين الانتقام بأي حال من الأحوال .

ويضيف أن الخاسر الاكبر من هذه القضية هو الشعب المصري نفسه، فاحتدام الوضع السياسي بين البلدين يؤدي الى تراجع مستوى الاستثمارات في مصر، وهجرة الاموال الاجنبية وخاصة السعودية من مصر، والخوف الاكبر من تراجع معدلات الاستثمار الخليجي في مصر كون السعودية تمارس دور القائد السياسي والاقتصادي بين دول مجلس التعاون، مع العلم بأن مصر في الوقت الحالي في أمس الحاجة إلى وقوف هذه الدول الى جانبها، ولا يمكن أن نغفل الدعم السعودي خلال الايام الماضية بقيمة 2.5 مليار دولار لدعم مشاريعها التنموية، الذي قوبل بشكل غير جيد من قبل الشعب المصري من خلال هذه الازمة.