يحلّ شهر رمضان على الفلسطينيين في قطاع غزة كما باقي دول العالم الإسلامي بالفرحة والابتهاج. لكن ما يميز الشهر الفضيل في القطاع اختلافه في كل شيء، فالحصار والرواتب المتأخرة يقفان سدًا منيعًا أمام المواطن الغزّي كي يعيش فرحة رمضان. إيلاف تجولت في الأسواق الفلسطينية، ورصدت الاستعدادات من هناك.


فانوس رمضان لم يعد في متناول كل طفل فلسطيني

عبير أحمد من غزة: تزدحم الأسواق بالمواطنين الغزيين الذين جاؤوا فقط ليستطلعوا أسعار حاجات رمضان، ويتفاجأ المواطن في غزة من اختفاء عملة الشيكل في كل موسم من مواسم شهر رمضان، إضافة إلى أن هذا العام يأتي أيضًا في ظل تأخر صرف الرواتب.

انتظر صرف باقي الراتب
في جولة لـquot;إيلافquot; بين المشترين، يصف الموظف أحمد quot;حال الغزيين وكيف يستقبلون شهر رمضان بالقول إن quot;هذا العام يشهد تأخرًا لصرف باقي رواتب موظفي سلطة رام الله، وكذلك غزة، الأمر الذي يجعلني عاجزًا عن شراء كل متطلبات شهر رمضان، فقط سأكتفي بشراء الضروريات للسحور وبعض الخضر والفاكهةquot;.

بابتسامة ساخرة يصف الأسواق بالمزدحمة بالأشخاص الذين أتوا فقط ليتفرجوا على أجواء رمضان. ويتابع أن الوضع الاقتصادي في غزة صعب للغاية، فنحن نعيش حالة حصار خانقة، وكل المواد تدخل عن طريق الأنفاق، أتمنى أن أحتفل مع أطفالي وزوجتي، كما باقي سكان العالم الإسلامي، لا أشعر بفرحة رمضان إلا نادرًا، وهذا سبب طبيعي لقلة المدخول المالي لدى الكثيرين.

عملة الشيكل تختفي قبل رمضان
أما المواطن أمجد حلاوة، الذي يعمل سائقًا لإحدى السيارات العمومية، فهو يعبّر ساخطًا: quot;كل عام تختفي عملة الشيكل من السوق والبنوك في غزة، ولا نجد بديلاً لها، بل تصبح أزمة خانقة، فكل الحركات تتعطل بسبب غياب هذه العملة. موضحًا أن المواطنين في غزة يحتفظون بالشيكل ويخرجونها بعد منتصف شهر رمضان.

ولدى سؤال إيلاف quot;كيف ترى أوضاع الأسواق في غزة قبيل شهر رمضانquot;، يشير مبتسمًا quot;شهر رمضان شهر البركة والخير، الأوضاع الاقتصادية سيئة للغاية، فمدينة غزة مغلقة على العالم، ولا يوجد منفذ سوى معبر رفح، وكل البضاعة تهرّب عن طريق الأنفاق، لذلك فالأسواق مزدحمة، لكن من دون مشترين، بسبب تأخر صرف الرواتب وغيرها من الهموم التي يعيشها سكان قطاع غزة.

متمنيًا أن تتحسن الأوضاع، وأن تقوم الأسواق بتصدير واستيراد البضاعة، وكذلك أن تفتح الحدود ليأتي الناس إلى مدينة غزة في رمضانكي يتعرفواعلى الأسواق والأكلات المختلفة، التي يتميز بها الفلسطيني عن سائر الدول في العالم العربي والإسلامي.

بضائع مكدسة وتنتظر شهر الخير.. بهذه العبارة بدأ التاجر أبو محمودquot; حديثه لـquot;إيلافquot; عن أجواء رمضان في مدينة غزة، فهو كما يقول يعاني تكدسًا كبيرًا لبضاعته، وينتظر أن يحلّ شهر رمضان لتصريف جزء من البضاعة الخاصة برمضان.

يستدرك حديثه بالقول: quot;كنا في الأعوام السابقة نشعر بزيادة كبيرة في العائد المالي علينا، لكن اليوم أصبحت بضاعتنا تفسد في المحال، بسبب اكتفاء المواطن بشراء الاحتياجات الضرورية، والابتعاد عن الكمالياتquot;.

ويتابع: quot;مدينة غزة ليست سوى مكان يحوي الملايين من السكان، الذين يعتمدون في ما بينهم على التواصل وصلة الرحم، وليست مدينة اقتصادية، فالمشاكل كثيرة، ولعل أبرزها تأخر صرف بقية رواتب الموظفين، وكذلك الحصار المفروض، ووجود آلاف الأسر الفقيرة يزيد الوضع الاقتصادي سوءًا.

ويختم حديثه بأمنية يتمناها وهي أن تحلّ أزمة الرواتب، وأن يشهد شهر رمضان من هذا العام تحسنًا اقتصاديًا ملحوظًا، مبينًا أن أبرز الأكلات التي تشهد إقبالاً واضحًا بين المواطنين والتي تتسم بالربح خلال الشهر هي quot;القطايفquot;.

لكن تبقى لشهر رمضان فرحته وموسمه الخاص وطقوسه التي وإن كثرت الأزمات، فإنها لن تختفي من أزقة وشوارع المدينة الصغيرة على حد وصفه.

فانوس رمضان
يحمل فانوس رمضان وملامح البراءة في وجهه، وإن بدأت بالاندثار، بسبب قسوة الحياة التي يعيشها، يبتسم وهو يمسك بالفانوس، ويعيده إلى مكانه، quot;إيلافquot; قصدت الطفل إبراهيم، ورصدت من خلاله قصة الأطفال في غزة، الذين يعيشون ظروفًا اقتصادية سيئة مع دخول رمضان. يقول الطفل: quot;لا توجد معي نقود تكفي لشراء الفانوس، أبي لا يعمل، وهو مريض منذ سنوات، وأمي لا تستطيع أن تشتري لي الفانوس، لأنها تقول لي إنه غالي الثمن.

يستطرد قائلاً: quot;كل يوم أتي إلى هذا المكان، وأمسك بالفانوس، وأبدأ باللعب به، وعندما يطردني البائع، أقف بعيدًا وأراقب الألعاب. وعند سؤال quot;إيلاف quot;لماذا لا تشتري الفانوسquot;، يقول ليست معنا نقود تكفي لشراء أي لعبة، في رمضان نعتمد على الجيران، الذين يقومون بإرسال الطعام إلينا، وكذلك المساجد تقوم بإرسال بعض الملابس والتبرعات إلى عائلتي.

ويضيف: quot;أتمنى أن أشتري الفانوس، وأن ألعب بهمثل أصدقائي، لكن قلة المال تجعلني أخجل أن أطلب من والدي شراءه. ويختم حديثه بالقول: quot;أشاهد على التلفاز الأطفال في دول العالم، وهم يستعدون لشهر رمضان،انما نحن والكثيرون غيرنا من الفقراء لا يجدون ما يأكلونه إلا من خلال دعم أصحاب الخيرquot;.

أزمات عديدة.. والبطالة تفاقم الوضع
الأستاذة quot;سمرquot; الاختصاصية الاجتماعية تتحدث لـquot;إيلافquot; عن أبرز المشاكل التي يعيشها السكان في مدينة غزة قبل رمضان. أولاً على الصعيد الاقتصادي الحياتي، تعيش غزة أزمات عديدة قبل رمضان، تتفاقم هذه الأزمات قبل أيام رمضان وفي الشهر الفضيل، لعل أبرزها الكمّ الهائل من المواطنين، الذين يعانون البطالة، والذين لديهم أبناء وزوجات، ويحتاجون بالفعل مصدر دخل أكبر وأوسع في رمضان، نظرًا إلى ازدياد الاحتياجات والطلبات في شهر الخير.

أضف إلى ذلك أزمة الرواتب، فالمعروف أن غالبية شرائح العاملين هي من الموظفين الذين يتلقون الرواتب الثابتة في نهاية الأشهر، لكن هذا العام يشهد تأخراً لصرف الرواتب، الأمر الذي يجعل الناس تنتظر صرف رواتبها، وهذا ما يعوق بالفعل حركة التجارة، مما يؤدي إلى تكدس البضائع وخسارة الجانب الاقتصادي الكثير.

على الجانب الاجتماعي أيضًا هناك آلاف الأسر التي لا يوجد دخل لها، وتعتمد في رمضان على مساعدات خارجية من المؤسسات الخيرية أو على تبرعات أهل الخير والزكاة، هذه الفئة تعاني في رمضان، وهي بالكاد تقوم بشراء بعض الاحتياجات.

كل الأوضاع تشير دومًا إلى أن مدينة غزة تشهد العديد من الأزمات، بدءًا من ندرة عملة الشيكل، مرورًا بأزمة الوقود وانقطاع الكهرباء إلى تكدس البضائع في الأسواق وغيرها العديد من الأزمات التي ينتظر الغزيون بأمل بسيط أن يحل جزء منها مع حلول شهر رمضان.

الجدير بالذكر أن شركة الكهرباء قد أعلنت تفاقم أزمة الكهرباء، ليصل العجز لدى الشركة إلى أكثر من النصف، موزعة جداول على المواطنين خلال شهر رمضان من أجل التأقلم مع الوضع السيىء للكهرباء. هي أزمات كثيرة يحاول الغزيون التعامل معها، فالهموم وإن كثرت وزادت على الحد المسموح، لكنها لن تلغي بالمطلق فرحة رمضان، كما يصفها الكثيرون.