منهم من يلجأ إلى قرض من أحد البنوك، ومنهم إلى أحد أقاربه الميسورين مستدينًا، فللشهر الفضيل عادات وتقاليد وأطعمة لا يمكن الاستغناء عنها في تونس لكونها أمست تقليدًا عائليًا، ويبقى الإدخار وترشيد الإنفاق سبيل ناضج لاستهلاك متزن.


تقاليد تونس الرمضانيةأعباء مالية لا بد منها

محمد بن رجب من تونس: لشهر رمضان في تونس طعم خاص، وهو شهر تحسب له العائلة التونسية ألف حساب، محافظة بذلك على عادة الإحتفال بهذا الشهر الكريم، عادة صمدت، بينما غيرها من العادات العديدة الأخرى اندثرت، ولم تقوَ على البقاء، فالعائلات التونسية وبدون استثناء، تستعد للشهر الكريم قبل حلوله، فكيف تستعد العائلات التونسية لهذه المناسبة؟.

يتضاعف الاستهلاك التونسي خلال شهر رمضان مرتين على الأقل، فأرقام المعهد الوطني للإحصاء تشير إلى أنّ مصاريف الطعام بالنسبة إلى المواطن تستنزف أكثر من 38 % من إجمالي مرتبه الشهري خلال الأيام العادية، بينما ترتفع خلال شهر رمضان لتصل إلى 51 %.

خلال شهر رمضان، تبرز سلوكيات لها تأثير مباشر على الإستهلاك، فنسبة نفقات العائلة في هذا الشهر ترتفع إلى حوالي 8% مقارنة بالإستهلاك خلال الأيام العادية، كما ترتفع نسبة مصاريف الأكل والمواد الغذائية بنسبة 27%.

يقول لطفي، وهو رب عائلة مؤلفة من خمسة أفراد، quot;هذا الشهر الكريم تتعدد فيه ملذات الطعام، ولا يمكن توفير ما تطلبه العائلة من لحوم وأسماك وخضر وغلال وغيرها، إلا بتوفر مبلغ مالي محترم، يمكن أن يحقق لي ولأسرتي كل الرغبات، وبما أنني موظف لا يتعدى راتبي الشهري 500 دينار (400 دولار) فقد وجدت نفسي مضطرًا إلى الاستدانة، حيث التجأت إلى الإقتراض من أحد الأقارب الميسورينquot;.

أما إبراهيم (موظف) فقد أكد ما جاء على لسان صديقه لطفي، وأضاف: quot;العائلة كبيرة العدد، والرغبات في هذا الشهر الكريم لا حصر لها، وليس أمامي غير الحصول على قرض من البنك، وهو ما تعودت عليه في كل مناسبة تقريبًا لتغطية المصاريف الكبيرة، سواء في شهر رمضان أو في عيد الأضحى أو عيد الفطر المبارك أو عند العودة المدرسيةquot;.

من جانبه، أكد محمود (موظف) أنه يستعد كغيره من التونسيين لمثل هذه المناسبات، ولكنه يحسب حسابًا لذلك عبر الإدخار من راتبه، حتى إنه لا يجد عناء في توفير متطلبات الشهر الكريمquot;.

يضيف محمود: quot;الواقع أنّ التونسي عمومًا يتعرّض دائمًا إلى انتكاسات مالية، حيث لا يكاد يخرج quot;سليمًاquot; من ضائقة حتى يصطدم بضائقة ماديةأخرى، فمن ضائقة شهر رمضان إلى ضائقة عيد الفطر، ومنها إلى ضائقة العودة المدرسية، ثم ضائقة عيد الأضحى، وهكذا دواليك..quot;.

الإقتصاد نصف المعيشة
إذا كان البعض تعوّد على الاستدانة والإقتراض ليتعايش مع مستلزمات شهر رمضان، فإن البعض الآخر له رأي آخر، فالسيدة أمينة (ربة بيت) تقول: quot;زوجي موظف بسيط، وراتبه لا يسمن ولا يغني من جوع، ورغم ذلك فنحن لا نلجأ إلى الاستدانة أبدًا، فكل يوم خلال الشهر الكريم أخرج إلى السوق لشراء ما يلزم بأرخص الأثمان، بعد التهافت الذي يحدث في ساعات الصباح، وبالتالي فأنا بهذه الطريقة أجنّب زوجي المصاريف الزائدة، والإسراف غير المقبول، لأنه يكون بسبب شراء ما هو غير ضروري، فالإقتصاد نصف المعيشة، كما إنّ القناعة كنز لا يفنىquot;.

رغم هذا التقشف في الميزانية، تضيف السيدة أمينة أن quot;المائدة خلال شهر رمضان تضم كل أنواع المأكولات والسلطات والغلالquot;. ويؤكد السيد عبد السلام هذا الرأي، فيقول: quot;صحيح أنّ شهر رمضان تتكاثر فيه الرغبات، رغبات الأكل والشرب، وحتى لا أغرق في الديون، فإنني لا أكلّف نفسي عناء الشراء، بل quot;أحوّلquot; الراتب مباشرة إلى جيب quot;الزوجة المصونquot;، ولا أزيدها مليمًا واحدًا حتى نهاية الشهر الكريم، والحمد لله إنني لم أحسّ يومًا بأنّ المائدة خلال شهر رمضان غير quot;ملوّنة ومزركشةquot; بكل أنواع المأكولاتquot;.

بين التبذير.. وحسن التدبير
الخبير الإقتصادي محمد الفريوي يؤكد في إفادته لـquot;إيلافquot; أنّ شهر رمضان يقترن لدى التونسي بالعديد من السلوكيات التي تطبع حياته، ومنها أساسًا الزيادة في الإستهلاك من خلال اقتناء منتجات عدة.

وأضاف الفريوي: quot;في شهر رمضان ترتفع نفقات العائلة التونسية، بينما تنخفض النفقات الخاصة بالمواد غير الغذائيةquot;. وأشار إلى أنّ ظاهرة ارتفاع الإستهلاك لدى المواطن التونسي خلال شهر رمضان تعتبر ظاهرة إيجابية، حيث يعتبر الإستهلاك أحد محركات نمو الإقتصاد التونسي.

أمام هذا الإرتفاع في الإستهلاك، يؤكد الخبير الإقتصادي محمد الفريوي أنّ الأسرة التونسية مطالبة بحسن التدبير والتخطيط الجيد، حتى لا تحصل فجوة في ميزانية العائلة خلال شهر رمضان، حيث يصل المواطن التونسي إلى حدّ التخمة والشراهة، وبالتالي التبذير. الخبير الإقتصادي يشير إلى أنّ العائلة التونسية مطالبة بالتقشف وحسن الإنفاق حتى لا تتهاوى ميزانيتها.

محاصرة الغش والتلاعب بالأسعار
خلال شهر رمضان سيتم تعزيز المراقبة الإقتصادية في كل جهات البلاد، بما يمنع المحتكرين والتجار من التلاعب بالأسعار واعتماد الغش من أجل الربح وإيقاف نزيف الفساد والتهريب عبر الحدود. المراقبة الإقتصادية ستؤمنها فرق من الجيش والأمن الوطنيين، إلى جانب الفرق الفنية المختصة.

وتعمل المصالح الحكومية على الحدّ من ارتفاع الأسعار، التي تتضاعف خلال شهر رمضان، وذلك من خلال توفير المواد الاستهلاكية اللازمة وتكثيف المراقبة في مختلف الأسواق. وقد حددت وزارة التجارة والصناعات التقليدية quot;أسعار البيع القصوى لعدد من المنتوجات بمناسبة حلول شهر رمضان المعظمquot;.

وذكرت وزارة التجارة في بلاغها أنّ quot;كل مخالفة تضبط سيتم تتبعها وزجرهاquot; وفقًا لأحكام القانون. وقد أهابت الوزارة بكل المتدخلين الإلتزام بهذه الأسعار والمساهمة في المحافظة على انخفاض الأسعار في المنتوجات الأخرى، وذلك لإنجاح الخطة الرامية إلى المحافظة على المقدرة الشرائية للمواطن خلال شهر رمضانquot;.

quot;عولةquot; رمضان.. quot;شوربةquot; وquot;كسكسيquot; وquot;حلالمquot;
عادات قديمة صمدت أمام عادات quot;حديثةquot;، سرعان ما ترنحت واندثرت، فالعائلة التونسية في غالبية جهات البلاد تستعد على الرغم من ضغوطات الحياة اليومية للشهر الفضيل، فعائلة الرحالي بقيت محافظة على بعض العادات القديمة في هذا الشهر، مثل عادة quot;العولةquot;، حيث يجتمع عدد من النسوة من عائلات متجاورة للتعاون في تحضير quot;الكسكسيquot; وquot;الشوربةquot; وquot;الحلالمquot; وquot;الفلفلquot; وغيرها من المواد الغذائية الأساسية لمائدة رمضان.

السيدة رفيقة (موظفة) تقول إنّ الوقت مهم جدًا للإعداد لشهر رمضان، لأنّ في ذلك نكهة وأية نكهة، ولكن عملها كموظفة في إحدى الشركات جعلها لا تجد الوقت الكافي لتجهيز quot;العولةquot;، وبالتالي فهي تفضّل أن تشتري كل ما تحتاجه من اللوازم قبل دخول الشهر الكريم بنحو أسبوعين، وهي تتأسف فعلاً لعدم قدرتها على توفير الوقت، الذي يجعلها تتمتع بتحضير quot;عولةquot; رمضان، مثلما كانت تساعد أمها منذ سنوات، و هي تجد لذّة في محاكاة نساء quot;الحومةquot;.

تقول لطيفة (موظفة) إنها، وبعدما قبضت راتبها، قامت بجولة في quot;السوق العربيquot; وعدد من الفضاءات التجارية الكبرى، واشترت ما يلزمها، وهي تؤكد أنّ شهر رمضان فقد quot;نكهتهquot;، خاصة لدى النساء العاملات، اللاتي يقضين أطول الأوقات في عملهنّ، ولكن رغم ذلك يبقى شهر رمضان بما فيه من عادات وتقاليد من أفضلاشهر السنة لدى العائلات التونسية.

شهر مثل باقي الأشهر
الإحتفال بهذا الشهر الكريم يختلف من عائلة إلى أخرى، ومن جهة في جنوب البلاد إلى أخرى في شمالها أو غربها أو شرقها، فآمنة (ربة عائلة) تقول إنّ التحضير لشهر رمضان عادة لا تحيد عنها، وهي التي حفظتها عن أمها منذ عشرات السنين.

ولكن أميرة (موظفة وربة أسرة) خالفت رأي حليمة، لأنها ترى أنّ شهر رمضان هو شهر مثل بقية الأشهر الأخرى، ولا ميزة له إلا على المستوى الروحاني، فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم. أما بالنسبة إلى المأكولات فهي متوافرة في كل الفضاءات التجارية، وبالتالي فليست هناك جدوى من الإعداد والإستعداد، وما يمكن الإستعداد له فعلاً هو الجانب المالي لتغطية مصاريف شهر رمضان، التي تتضاعف مقارنة ببقية أشهر السنة.

بينما ترى الحاجة لطيفة أنّ شهر رمضان يختلف عن بقية الأشهر، حتى إنها تستعدّ لذلك، وتتزود بالبخور لتغيير رائحة المنزل، وتعمل كذلك على دهنه، لأنّ كل ما في رمضان له طابعه الخاص، ونكهة تنبعث من كل quot;دارquot;.