بعد نحو ثلاثة أسابيع من تلقي المصارف تعميمًا من المصرف المركزي الاماراتي يحدد سقفًا جديدًا للقروض العقارية، وبعد رفض المصارف الالتزام بحيثيات هذا التعميم، نفى محافظ المركزي إصدار هذا التعميم أصلًا، متنصلًا منه، راميًا اللوم على الاعلام الذي أساء فهم القرار.


دبي: فاجأ محافظ المصرف المركزي الإماراتي سلطان بن ناصر السويدي جميع المصارف والبنوك وشركات التمويل والعملاء ووسائل الإعلام بنفيه أمس بشكل قاطع إصدار المصرف أي تعميم بشأن تحديد سقف للقروض العقارية، مؤكدًا أن ما حصل كان سوء فهم لدى وسائل الإعلام.

وأتى هذا النفي على الرغم من تأكيد مدراء البنوك شركات التمويل في الإمارات تلقيهم تعميمًا رسميًا صادرًا من المصرف المركزي الإماراتي يوم 30 كانون الأول (ديسمبر) 2012، يحمل الرقم 3871/ 2012، يقلص فيه من نسب تمويل البنوك لمساكن الأفراد للمواطنين والمقيمين على حد سواء.

نص تعميم المركزي

تحت عنوان quot;الحد الأقصى لنسبة القرض مقابل القيمة بالنسبة إلى قروض الرهن العقاري للأفرادquot;، نص التعميم الصادر عن المصرف المركزي والموجه إلى كافة البنوك وشركات التمويل في الإمارات على الآتي: quot;نرجو إفادتكم بأن مجلس إدارة المصرف المركزي قد قرر ألا يتجاوز الحد الأقصى لنسبة القرض مقابل القيمة في حالة قروض الرهن العقاري للأفراد وفقا للآتي: 70 بالمئة بالنسبة إلى المنزل الأول للمواطنين، و50 بالمئة بالنسبة إلى المنزل الأول لغير المواطنين، و60 بالمئة بالنسبة إلى المنزل الثاني والمنازل اللاحقة للمواطنين، و40 بالمئة بالنسبة إلى المنزل الثاني والمنازل اللاحقة لغير المواطنين. وبناء عليه يطلب من كافة البنوك وشركات التمويل التقيد بأحكام هذا الإشعارquot;.

نشرت بعض الصحف المحلية الإماراتية ذلك التعميم منذ ثلاثة أسابيع تقريبًا، وبعدها حدث جدل كبير في المجالين المصرفي والعقاري، إذ أبدى عدد كبير من العاملين في القطاعين عدم رغبتهم في تطبيق ذلك القرار، الذي سيؤثر سلبًا في الانتعاش الذي يعيشه القطاع المصرفي والقطاع العقاري حاليًا، كما يحد من قدرة الأفراد ومدى إقبالهم على شراء العقارات.

وبعد صدور التعميم، طالبت جمعية المصارف الإماراتية المصرف المركزي بتأجيل تطبيق القرار، واتفقت على اعتماد بعض المقترحات النهائية لتعديل بعض المواد الواردة فيه، ليتم رفعها إلى المصرف المركزي، إذ تم اقتراح نسبة 80 بالمئة حدًا أقصى لتمويل المسكن الأول للمواطن، ونسبة 60 بالمئة للمقيم.

الإعلام مسؤول

وكان السويدي أكد في نفيه أن ما حصل كان سوء فهم لدى وسائل الإعلام، وأنه لم يصدر أي تعميم أو قرار عن المصرف المركزي يلزم البنوك بنظام بسقوف جديدة لتمويل العقارات، موضحًا أن quot;المصرف أصدر تنبيهًا للبنوك، بأنه يقوم حاليًا بإعداد نظام جديد للتمويل العقاري، يتوقع أن يتضمن عند إصداره تحديدًا لسقف وحدود التمويل في هذا القطاع، ولذا على البنوك أخذ هذه التوقعات في الاعتبارquot;.

وأشار السويدي إلى أن النظام الجديد للتمويل العقاري لن يصدر إلا بعد استطلاع آراء البنوك في الدولة ومناقشة النظام معها بجميع جوانبه، فحدود التمويل العقاري وسقفه هي موضوع نقاش مطروح، كما أن إنجاز النظام الجديد يحتاج إلى أشهر عدة، ويتطلب صدوره فترة تتراوح بين 6 و9 أشهر على الأقل، وهذا النظام سيسمح بتوفير سيولة أكبر للقطاع العقاري في الدولة في المستقبل عند إقراره.

ولفت السويدي إلى أن المصرف المركزي سيقوم خلال الفترة المقبلة باستطلاع رأي البنوك العاملة في الدولة، حول النسب المقترحة للتمويل العقاري والمعايير الأخرى التي يشملها النظام الجديد، وأنه سيعمل مع البنوك للتوصل إلى أفضل الصيغ الممكنة في هذا المجال، على أن يتم رفع المقترح إلى مجلس إدارة المصرف المركزي لمناقشته وإقراره.

كما نوّه بأن quot;المصرف عادة ما يكون حذرًا في المعايير، وأنه يعتمد سياسة متحفظة تجاه المخاطر المتوقعة.. ومن وجهة نظرنا فإن التمويل العقاري إذا كان للسكن الشخصي فإن مخاطره تكون أقل عادة، أما إذا كان القرض لأغراض تمويل استثمار في القطاع العقاري فيجب أن يكون سقف التمويل أقلquot;.

نفي لا يليق بمسؤول

ردًا على نفي السويدي إصدار أية قرارات أو تعاميم في هذا الشأن، هاجمت بعض الصحف الإماراتية المحلية وبعض الكتاب الكبار محافظ المصرف المركزي، مؤكدين امتلاكهم نسخة من التعميم الصادر من المصرف على ورقته الرسمية المختومة منه، والمرسل بشكل رسمي إلى جميع البنوك والمصارف، مشيرين إلى أن الإعلام لا يجرؤ على نشر ذلك من دون الحصول على نسخة موثوقة.

وقالوا إن التراجع عن قرار خاطئ ليس عيبًا على الإطلاق، بل هو جرأة إدارية محمودة وأمر صحي لا يعيب متخذه، بقدر ما يعطيه الأفضلية والصدقية في سعيه إلى الأفضل. لكن من غير المحمود عدم الاعتراف بالخطأ، والأسوأ من ذلك نفي الحقائق على الرغم من وجود البراهين، رافضين إلقاء السويدي باللوم على الإعلام في الجدل الدائر حول هذا القرار الغامض.

ونصح الاعلاميون الاماراتيون السويدي بالتوجه إلى الجهات الأمنية لفتح تحقيق حول وجود شخص ما يصدر تعاميم باسم المصرف المركزي وعلى ورقته الرسمية المختومة منه، ويرسلها بشكل رسمي إلى جميع البنوك والمصارف من دون علم المحافظ والمصرف، أو الاعتراف بأنه غير ملم بما يجري في المصرف، وغير مطلع على القرارات الكبيرة المؤثرة في الناس والقطاعات الاقتصادية المهمة، كالقطاع العقاري التي تصدر عن الجهة التي يترأسها. وأكدوا أن السلوك الذي اتبعه المحافظ في نفيه التعميم لا يليق بمسؤول في زمن الانفتاح والشفافية.