لا شيء يحمل دلالات أكبر على وصول الأحوال المعيشية في اسبانيا الى درجة غير محتملة مثل هروب اولئك الذين هاجروا اليها بحثًا عن حياة أفضل. وبلغ من شدة هذا التيار أن عدد سكان البلاد شكّل انخفاضًا للمرة الأولى في تاريخها.


لندن: أزمة اليورو فعلت الكثير في دول منطقته. لكنها أتت في اسبانيا بنتائج مثيرة للدهشة لأنها خفّضت عدد سكان البلاد للمرة الأولى في تاريخها.

ويرجع الخبراء والمراقبون السبب الرئيسي في هذا التطور غير المألوف الى أن أعداداً هائلة من المهاجرين الذين نزحوا اليها سعيًا وراء حياة اقتصادية أفضل فقدوا سبب وجودهم فيها مع تدهور الأوضاع من سيئ الى أسوأ. فقرروا، والحال على ما هي عليه، البحث عن مصدر لقمتهم في مكان آخر.

وتبعًا للصحف البريطانية التي أوردت النبأ، فقد انخفض تعداد السكان في البلاد بما لا يقل عن 206 آلاف شخص (مقارنة بالعام الماضي) ليصبح 47.1 مليون نسمة، حسب ما أصدره laquo;معهد الإحصاء القوميraquo; الاسباني في تعداد استثنائي للمقيمين على أراضيها.

وصار هذا الخبر علامة فارقة لأن هذه هي المرة الأولى التي يُسجّل فيها انخفاض في عدد السكان منذ بدء الإحصاءات العام 1857. ويذكر أن هذه الإحصاءات تجرى كل عشر سنوات، لكن الأزمة الاقتصادية حدت لإجرائها سنويًا في الآونة الأخيرة.

والنازحون الذين غادروا البلاد زرافات ووحدانا يتألفون رئيسيًا من دول اميركا الجنوبية الناطقة بالاسبانية مثل الإكوادور وكولومبيا وبوليفيا. وبينما كان عدد هؤلاء لا يتجاوز الـ924 ألف شخص في 2000، ارتفع عددهم خلال عقد من الزمن ليصل في 2010 الى 5.7 ملايين مهاجر.

وكان اولئك النازحون يعملون - بشكل رئيسي أيضًا ndash; في قطاع التعمير والإنشاء. لكن هذا القطاع أصيب بالشلل شبه الكامل منذ laquo;انفجار فقاعة المساكنraquo; مع القرارات التي أجبرت حكومة مدريد على اتخاذها مثل فرض التقشف وخفض الإنفاق العام الى مستويات غير مسبوقة لأجل إرضاء الدائنين وخاصة الاتحاد الأوروبي.

لكن الواقع هو أن النازحين الأجانب ليسوا الوحيدين الذين قرروا حمل متاعهم والرحيل عن البلاد. فهذه خطوة يقوم بها حاليًا عدد متنامٍ من الاسبان أهل البلاد أنفسهم لأنهم صاروا يعيشون بين فكّي وحش العطالة وفي ظل الفقر المدقع. فقد أظهرت الإحصاءات الأخيرة أيضًا أن نسبة العطالة وسط الشباب تجاوزت عتبة الـ50 في المئة (الأعلى وسط سائر الدول الغربية).

وعمومًا، فإن أكثر من ستة ملايين اسباني مسجلون رسمياً في قوائم العاطلين. وهذا يعني أن 27.2 في المئة من قوى البلاد العاملة تعاني البطالة، وهي نسبة تشكل أعلى معدل من نوعه منذ بدء إحصاءات التوظيف والعمالة في اوئل السبعينات.