إزاء ارتفاع الأسعار ونسب التضخم، قررت الحكومة التونسية اعتماد مبادرة خفض الأسعار من خلال التسعير المحوكم للمواد الأساسية، لكن ضعف الرقابة وتفشي الاحتكار والتهريب يهدد بإفشال هذه المبادرة.

تونس: أعلنت وزراة التجارة والصناعات التقليدية في تونس عن تخفيض أسعار عدد من المواد الغذائية غير المدعومة بنسب تتراوح بين 5 و 40%. ودخل قرار تحديد أسعار البيع القصوى وهامش الربح الأقصى بالنسبة إلى عدد من المواد الاستهلاكية حيز التنفيذ يوم الإثنين 22 نيسان (أبريل) الجاري، وتشمل هذه المواد البطاطا والمياه المعدنية والبيض ومصبرات التن ومشتقات الحليب والأجبان ومواد التنظيف والزيت النباتي الغذائي غير المدعم.
وأرجع خبراء الإقتصاد في تونس غلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية إلى تداعيات الثورة التونسية متمثلة في تهريب مختلف أنواع السلع والمواد الغذائية إلى ليبيا، إلى جانب احتكار بعض السلع واختلاق أزمات مفتعلة، وبقاء أكثر من نصف مليون ليبي بعد سقوط نظام القذافي في تونس.
تضخّم غير مسبوق
شهدت نسبة التضخم خلال شهر آذار (مارس) الماضي ارتفاعًا لم تعرفه تونس منذ نحو خمسين عامًا، حيث بلغ 6.5% مقابل 5.8% في نهاية شباط (فبراير). وعزا المعهد المعهد الوطني للإحصاء هذا الصعود الكبير لنسبة التضخم إلى ارتفاع الأسعار نتيجة الإحتكار وتهريب السلع إلى ليبيا، في ظل الإنفلات الأمني، ما جعل المواطن التونسي عاجزًا عن توفير ما يكفيه من خضر وغلال ولحوم بسبب ضعف قدرته الشرائية.
وأشار المعهد إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية مثل اللحوم (3.13%)، والزيوت الغذائية (7.12%)، والخضر (2.11%)، والفاكهة (2.11%)، والخمور (11%)، والألبان والبيض (3.9%)، والمشروبات الغازية (5.5%.)، إضافة إلى ارتفاع أسعار المحروقات (3.10%)، والسيارات (4.4%)، والكهرباء والغاز (3.7%)، والإيجار (8.4%) خلال آذار (مارس) الماضي.
هذا الغلاء الفاحش جعل الحكومة تتحرك بسرعة قبل حلول شهر رمضان، وعملت وزارة التجارة من خلال استراتيجية التسعير المحوكم للحدّ من غلاء الأسعار ولتخفيض أسعار المواد الحياتية الأساسية.
التسعير المحوكم
تعتمد وزارة التجارة مقاربة التسعير المحوكم للتحكم في الأسعار والتزويد، وذلك من خلال ثلاث مراحل أساسية هي الدراسة العلمية لكلفة الإنتاج، وتشريك المتدخلين، وتكثيف المراقبة.
وأوضح عبد الوهاب معطر، وزير التجارة والصناعات التقليدية، أن وزارته اعتمدت سياسة جديدة تتمثل في التسعير المحوكم، مشيرًا إلى أن هذه الإستراتيجية quot;لا تعتمد التسعيرة المسقطة من قبل الإدارة التي قد تكون مجحفة في حق البعض فلا يتم احترامها وتنفيذها، وهي كذلك لا تعتمد منظومة العرض والطلب للتحكم في الأسعار لأن الدولة اليوم ليست في وضع عادي ولا تسيطر على مسالك التوزيع، ولا تتحكم في التزويد، جراء الانفلات في الخزن والتهريبquot;.
وأكد معطر اللجوء إلى هذه المنهجية التي تدرس هيكلة أسعار المواد في الجوانب المتصلة بسعر الكلفة وهامش الربح في مراحل البيع بالجملة والتوزيع بالشراكة مع جميع الأطراف المعنية، من أجل تحديد سعر أقصى يتم العمل به في الأسواق عن طريق منظومة رقابية فاعلة.
وتعتمد تونس سياسة تحرير الأسعار, فنحو 87% من الأسعار محررة تمامًا على مستوى الإنتاج والتفصيل والتوزيع، بينما تحدّد الدولة أسعار النسبة المتبقية, وهو ما يمثل عائقًا كبيرًا أمام تدخل المراقبة الاقتصادية لدى التجار والمنتجين من أجل فرض أسعار محددة.
تعزيز الرقابة
تتأكد أهمية الجانب الرقابي في احترام الأسعار التي تم تحديدها في الأسواق أمام الإنفلات الأمني بعد الثورة التونسية. وأكد معطر ذلك مشيرًا إلى أن نجاح استراتيجية الوزارة في التحكم في الأسعار يبقى رهينة دعم الجانب الرقابي من خلال تحسين ظروف عمل المراقبين الاقتصاديين، وتمكينهم من الإمكانيات اللوجستية والقانونية، إلى جانب إبرام الشراكة مع الجهاز الأمني وأجهزة الجمارك لمعاضدة العمل الرقابي عبر مقاومة التهريب ومراقبة مسالك التوزيع والانتاجquot;.
ولا يتجاوز جهاز المراقبة الإقتصادية 700 مراقب، مطالبون بمراقبة نحو 500 سوق في مختلف أنحاء البلاد. وقد ربط معطر نجاح استراتيجية الضغط على الأسعار بنجاح عمليات المراقبة الإقتصادية.
انتظام التزويد
أكد معطر ضرورة انتظام التزويد في مختلف الأسواق، من خلال إعادة النظر في رخص تصدير المواد الأساسية التي لا تتوافر بكثرة في الأسواق، مشددًا على أن الوفرة في الإنتاج من خضر وغلال ولحوم بيضاء خلال شهر رمضان المقبل ستكون حاسمة في احترام تحديد الأسعار، quot;وسيتم استيراد ثلاثة آلاف طن من لحوم الأبقار المبردة و400 طن من لحوم الضأنquot;.
واستعدادًا للموسم السياحي، سيتم استيراد ثلاثة آلاف طن من اللحوم المجمدة، وتوفير مخزون احتياطي من الحليب بقيمة 50 مليون لتر، ومن المياه المعدنية بقيمة 50 مليون لتر، إلى جانب تخزين 60 مليون بيضة لمواجهة عمليات تهريب البيض.

مراحل أساسية
أكد نور الدين السالمي، المستشار المكلف بمهمة لدى وزير التجارة و الصناعات التقليدية، لـquot;إيلافquot; ضرورة التدخل في مستوى الأسعار، quot;فبرغم وفرة الإنتاج تبقى الأسعار مرتفعة، وهو ما رفع نسبة التضخم إلى 6.5%quot;.
وقال السالمي إن وزراة التجارة اعتمدت مقاربة التسعير المحوكم، quot;المرتكزة أساسًا على ثلاث مراحل أساسية أولها الدراسة العلمية لكلفة الإنتاج والتعرف على مكونات السعر للتدخل في عناصرها من أجل ضمان ربحية المنتج من جهة والحفاظ على المقدرة الشرائية للمستهلك، وثانيها إشراك المتدخلين من خلال التشاور بين جميع الجهات المعنية في جميع مراحل الإنتاج والتوزيع و الترويج، وثالثها تكثيف المراقبة لمكافحة الإحتكار والتهريبquot;.
من جهته، استبعد الخبير الإقتصادي عبدالجليل البدوي نجاح إستراتيجية تخفيض الأسعار، مشيرا إلى أن وزير التجارة نفسه ربط نجاح هذه المبادرة بالقدرة على المراقبة.
وقال البدوي لـquot;إيلافquot; إن الوضع الأمني غير مستقر على الحدود، وعمليات التهريب لن تتوقف، والإحتكار يلعب دورًا سلبيًا في مسألة تحديد الأسعار.
اضاف:quot; كان على وزارة التجارة أن تعمل أولًا على إصلاح جهاز المراقبة الإقتصادية، من خلال الإهتمام بأوضاع المراقبين الإقتصاديين، الذين يلعبون دورًا رئيسًا في إنجاح مبادرة الوزارة، قبل الإعلان عن استراتيجية تبدو نياتها طيبة وتنفيذها رهينة توفير كل ظروف النجاحquot;.