أعلنت وزارة التكوين المهني والتشغيل أمس في بيان لها عن انطلاقها في إعداد إستراتيجية وطنية للتشغيل سيتم الإعلان عنها يوم 17 كانون الأول / ديسمبر 2012 وذلك بالإعتماد على التوصيات والوثائق المنبثقة عن المؤتمر الوطني للتشغيل الذي انعقد في يونيو الماضي.
تونس: تهدف إستراتيجية تونس للتشغيل من خلال بيان وزارة التكوين المهني والتشغيل إلى تقديم إصلاحات هيكلية معمقة من أجل بناء سياسة تشغيلية حقيقية. فإلى أي مدى ستكون هذه الإستراتيجية الوطنية للتشغيل قادرة على امتصاص البطالة ؟ و ما مدى ارتباطها بمنوال التنمية وبالتالي قدرتها على إيجاد حلول جذرية لمشاكل البطالة.
مؤتمر وطني حول التشغيل
أكد المكلف بمهمة لدى وزير التشغيل أكرم بلحاج رحومة في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ وزارة التشغيل والتكوين المهني نظمت في شهر مارس الماضي مؤتمر وطنيا حول التشغيل وتم فتح حوار وطني مع الأطراف الإقتصادية و الإجتماعية من خلال دعوة كل الأحزاب و مكونات المجتمع المدني حتى يساهم الجميع بالآراء والأفكار من أجل وجود حلول ناجعة لمشكل البطالة الذي نعاني منه في تونس مشيرا إلى أنه تم تحديد ثلاثة أهداف لذلك المؤتمر وأولها هو الخروج برؤية وفهم مشترك لآيات التشغيل و البطالة و الهدف الثاني يتمثل في الخروج ببرنامج عاجل يتضمن تدابير للنفاذ العاجل لطالبي الشغل أما الهدف الثالث فهو تحديد خطوط مرجعية من أجل بناء استراتيجية وطنية للتشغيل وهي في الواقع أهداف استراتيجية.
وأضاف أكرم بلحاج رحومة أنّ لجنة تتكون من خيرة خبراء و كفاءات تونس تقوم حاليا بإعداد الوثائق الفنية لهذه الإستراتيجية وهي تعرض تباعا على لجنة قيادة موسعة تضم جميع الوزارات و الأطراف الإجتماعية وبعض الجمعيات ومنها جمعية المعطلين عن العمل وبعض الخبراء في المجال لمناقشة هذه الوثائق وإثرائها.
وكان وزير التكوين المهني و التشغيل أكّد أنّ عمل لجان التفكير بالتعاون مع مكتب العمل الدّولي والخبراء المعنيين يتواصل بهدف تقديم وثيقة quot;الإستراتيجية الوطنية حول التشغيلquot; بمناسبة الذكرى الثانية للثورة يوم 17 كانون الأول / ديسمبر 2012، بآعتبار التشغيل شأنا وطنيا بامتياز وقضية وطنية جامعة مفتوحة لمساهمات الجميع تشخيصا ومقاربة وحلولا.
وكانت وزارة التشغيل و التكوين المهني نظمت المؤتمر الوطني أيام 28 و 29 و 30 يونيو 2012 وانبثقت عنه في يومه الأخير لجنة وطنية تتكفل بالإعداد الفني للإستراتيجية الوطنية للتشغيل.
التشخيص ضروري
وأوضح الخبير الإقتصادي سامي الأشهب في تصريح لـquot;إيلافquot; أنه لا يمكن الحديث عن منوال تنمية جديد قبل عملية تشخيص المنوال السبق للوقوف على إخلالاته ومردوديته من خلال نسبة النمو التي حققها و فرص العمل التي وفرها للعاطلين عن العمل، إلى جانب فهم طبيعة التحولات التي حدثت في ظل العولمة في دول العالم و التي كانت لها تأثيرات كبيرة على التشغيل و فرص العمل.
وأضاف الخبير الإقتصادي أنّ المنوال الإقتصادي التونسي شهد بعض التحولات و التغيرات حيث انتقل من منوال مسير كليا وتحت حماية الدولة في عهد بورقيبة إلى اقتصاد سوق منفتح على دول العالم يغلب عليه طابع العرض و الطلب وكان تأثير الدولة وتدخلها سلبيا ما أثار التفاوت بين الجهات وهو ما أثر على فرص العمل و طاقة التشغيل التي وفرها هذا المنوال.
ومن الإنعكاسات الكبيرة على سوق التشغيل وجود طلبات كبيرة على التشغيل بحكم تكدس العاطلين عن العمل بحكم نظام التعليم وكذلك نتيجة تحولات ديمغرافية و اقتصادية فيما كان المنوال غير قادر على توفير الشغل لهؤلاء العاطلين الذين يتخرجون كل سنة من الجامعات التونسية و بالتالي كان التفكير في منوال تنمية جديد لتحقيق طلبات الشغل وتوفير فرص العمل لطالبيها .
وأكد وزير التكوين المهني و التشغيل عبدالوهاب معطر في منتدى منظمة التعاون و التنمية الإقتصادية المنعقدة بباريس في 04 تشرين الأول / أكتوبر 2012 حول تشغيل شباب القارة الإفريقية على ضرورة اتباع مقاربات جديدة في معالجة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى استشراء البطالة في صفوف الشباب وبلوغها معدلات مفزعة تصل إلى 40 و 50 % في بعض الدول الإفريقية.
و شدد الخبراء على أنه لا يمكن إعداد استراتيجية وطنية للتشغيل دون مراجعة لمنوال التنمية السائد منذ عقود في ظل واقع اقتصادي تضمن الكثير من التحولات من اقتصاد تديره الدولة إلى اقتصاد يحكمه العرض و الطلب . و بالتالي وجب أولا الكشف عن الإخلالات و معطلات التشغيل في هذا المنوال ثم التفكير في منوال جديد تلعب فيه الدولة الدور التعديلي لتحقق التوازن الإقتصادي إجمالا و التوازن الجهوي بالخصوص و الذي يعدّ من أكبر إخلالات المنوال السابق.
منوال التنمية
وأبرز المكلف بمهمة لدى وزير التشغيل و التكوين المهني أكرم بلحاج رحومة أنّ المنوال القديم و إن حقق بعض نسب النمو الجيدة فإنه عجز عن خلق مواطن الشغل وبالتالي يتم التفكير الآن في استراتيجية تعمل أساسا على خلف فرص العمل للعاطلين لأن مأساة البطالة تكمن لا محالة في منوال التنمية الذي كشفت الثورة مدى إخلالاته.
وأكد بلحاج رحومة أن منوال التنمية السابق كان مبنيا أساسا على تحقيق نسب نمو مرتفعة من خلال التركيز على جهات دون أخرى حتى أننا وصلنا اليوم إلى جهات محرومة في حاجة إلى التنمية وترتفع فيها نسب البطلة على عكس جهات أجرى نسب البطالة فيها منخفضة ، وبالتالي فالمنوال السابق قائم على النمو و ليس على التنمية.
من ناحيته أوضح الخبير الإقتصادي الأشهب أن منوال التنمية الحالي الذي اعتمده النظام السابق كان مرتكزا أساسا على النمو على حساب التنمية من خلال سياسة الإغراق من خلال الإندماج في السوق العالمية أكثر منها في السوق المحلية حيث اقتصر التنمية على جهات دون غيرها بالرغم من أن النمو كان جيدا في ظل تخلي الدولة عن دورها الحقيقي في التنمية العادلة بين الجهات من خلال الإهتمام بكل القطاعات ومنها القطاع الإجتماعي والإقتصادي بالخصوص.
وبعد عملية التشخيص يؤكد الخبير الإقتصادي الأشهب على ضرورة البحث في سياسات التشغيل و تحولاتها إلى جانب دراسة سياسة تدخل الدولة من أجل التعديل ومراعاة مصالح وحقوق المواطن الذي ينتظر تقديم الخدمات و التنمية بما فيه من تشغيل مشددا على أنّ التشغيل يعمل على تحسين نسب النمو ، ولكن الإقتصار على النمو لا يمكن أن يعطي فرصا تشغيلية كبرى وبالتالي يجب الإهتمام بالتنمية في مختلف الجهات و اقتسام الثروة بين جميع الجهات و عدم الإقتصار على تنمية جهات دون أخرى حتى يلعب منوال التنمية دوره الرئيسي في توفير التنمية من خلال فرص تشغيلية عالية.
وسيمتد تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للتشغيل على مدى أربع سنوات بداية من سنة 2014 و إلى موفى سنة 2017 مع الأخذ بعين الإعتبار نهاية تنفيذ البرنامج العاجل لدفع التشغيل في موفى 2013.
امتصاص البطالة
أوضح بلحاج رحومة أنه لا يمكن معالجة موضوع البطالة بحلول مرتجلة لأن بلادنا لم تشهد يوما سياسية تشغيلية حقيقية ولم تكن لها نظرة استراتيجية واليوم quot;نحن نسعى اليوم وحسب الضوابط العلمية استراتيجية وطنية للتشغيل من خلال تدابير و أهداف واضحة.
والهدف هو التخفيض من نسبة البطالة إلى مستويات عادية لأن في البطالة إهدارا البشرية وهي عبارة عن قنبلة موقوتة يمكن أن تؤدي إلى الإنفجار فالإشكال معقد فيه الجانب الإجتماعي و الإقتصادي و الثقافي.
وأشار الخبراء إلى أنّ منوال التنمية سينبثق أساسا من خلال اكتشاف الثغرات التي كانت وراء تقليص نسب التشغيل و بالتالي فإن المنوال الجديد للتنمية سيقاس مدى أهميته و نجاحه بمدى قدرته على توفير الشغل اللائق للعاطلين عن العمل.
ينتظر أن يتم الإعتماد على التجارب الناجحة لبعض البلدان التي تتشابه اقتصاداتها بواقع الإقتصاد التونسي ومستوى النمو في البلاد إلى جانب أعداد العاطلين عن العمل و الضغط الكبير الذي يسلط من أجل توفير التشغيل.
وأشار الخبير الإقتصادي الأشهب أن المؤسسات الإقتصادية في ظل منوال التنمية الحالي غلبت منطق الربح من خلال اقتصاد السوق وهذا ما كان وراء العلاقة المهتزة و غير المتناسبة بين النمو و التشغيل و بالتالي يجب فهم هذا المنطق الذي يوضح عديد الخيارات التي يجب أن يتم تعديلها من خلال تدخل الدولة ليتحول المنطق إلى نموذج يركز أساسا على التنمية المستديمة مع التوزيع العادل للثروة في ظل الحوكمة الرشيدة التي تؤدي أساسا إلى توزيع عادل للثروة بين الجهات.
وأكد الوزير معطّر أنّ الحكومة تسعى للوفاء بتعهداتها من خلال إحداث 100 ألف موطن شغل خلال هذه السنة، مضيفا أنّه قد تمّ التمكّن خلال الستة أشهر الماضية من يناير إلى يونيو 2012، من إحداث أكثر من 60 ألف موطن شغل جديد عجز النظام السابق عن توفيره طوال سنة كاملة بأحسن معدلات نسب النمو ( أرفع المعدّلات 58 ألف موطن شغل سنة 2007).
وقال عبد الوهاب معطر إنّ الحكومة شرعت في تأسيس أرضية صلبة لتفعيل دور اقتصاد المعرفة في نحت منوال التنمية من خلال مشروع quot;تونس الرقميةquot;،ومن خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
هذا المشروع يهدف إلى توفير 50 ألف موطن شغل في مجال تكنولوجيات الاتصال والمعلومات لفائدة حاملي شهادات التعليم العالي على امتداد 5 سنوات بمعدّل 10 آلاف موطن شغل سنويا، بما يساهم في الترويج لصورة تونس القيمة المضافة العالية.
التعليقات