في العام 1989، زار الشيخ زايد بن سلطان لندن، واليوم يزورها ابنه الشيخ خليفة. وبين الزيارتين ردح من الزمن كان كفيلًا بتغيير المعادلات الاقتصادية في البلدين، حيث تحولت الامارات بدفع من النفط إلى محور للتجارة في المنطقة.

لندن: يبدأ رئيس الامارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان اليوم الثلاثاء زيارة رسمية للمملكة المتحدة تستمر يومين، تلبية لدعوة الملكة إليزابيث الثانية. وهذه الزيارة هي الرسمية الأولى لرئيس الامارات منذ زيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في العام 1989، التي حصلت آنذاك في وقت كان اقتصادا البلدين مشرفين على تحولات جذرية، توقع الجميع آنذاك أن تترك بصمتها الواضحة على التنمية الاقتصادية خلال عقدين قادمين من الزمان.
تقدم فتراجع
في المملكة المتحدة، كان العام 1989 مثقلًا بالخوف من التحولات الاقتصادية التي رفعت لواءَها آنذاك رئيسة الوزراء الراحلة مارغريت ثاتشر، ومما يمكن أن تحدثه من اختلال في ما اعتاد البريطانيون على اعتباره ثابتًا في اقتصاد بلادهم.
ولم يتراجع هذا الخوف، على الرغم من تراجع الزخم الذي انطلقت به هذه التحولات. فقد تراجع تأثير النقابات العمالية ما أثر في مستويات الأجور، كما تمت خصخصة قطاعات واسعة من الصناعات المملوكة للدولة في بريطانيا، وانفتح القطاع المالي في لندن خلال الطفرة التجارية التي حصلت في العام 1986.
هذه العوامل مجتمعة قدمت دفعًا اقتصاديًا كبيرًا في منتصف الثمانينيات. وما أن حل العام 1989، عادت المخاطر لتشكل تهديدًا لرفاهية العيش في المملكة المتحدة، من خلال الضعف في الأسواق المالية، والتضاعف في نسب التضخم وعدم الاستقرار العالمي.
طفرة استمرت
أما في الإمارات، فكان النفط عصب الاقتصاد وأهم محركات نموه، مع دخول إمارتي أبو ظبي ودبي نادي مزودي العالم بالنفط الخام. وفي العام 1989، كان سعر برميل النفط الخام في الأسواق العالمية قد وصل عتبة الـ18 دولارًا، بسبب طفرة السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وما رافقها من حال عدم استقرار في الأسعار العالمية. وانتهت الثمانينيات فانتهت معها أيام النفط البخس.
وطفرة النفط رفعت دولة الامارات المشكلة حديثًا إلى مصاف الدول المتقدمة، لكنها حافظت خلال صعودها على بعض سمات الاقتصاد الريعي، فاستمرت حكومتها وشركاتها في توفير موارد مالية من خدمات إقتصادية، تقدمها لشركائها الأجانب.
إلا أن ذلك كان حينها على شفير التحول الكبير، فحل العام 1989 في دبي مختلفًا، إذ حمل معه قرار تنويع الاقتصاد الاماراتي، وإنشاء مديرية السياحة والتسويق التجاري، في تطور مؤسساتي هو الأول من نوعه في الامارات.
ثقل شرقي
كانت هذه الخطوة الأولى في مسيرة تحويل دبي إلى محور التجارة في المنطقة، وعززها عاملان حيويان جدًا هما المنطقة الحرة في جبل علي، وشركة طيران الامارات، اللذان سرعا عملية التحول.
في هذه الأثناء، كانت أبو ظبي تستعد لمستقبلها، وكانت شركتا الاستثمار الكبيرتان المملوكتان للحكومة، هيئة أبو ظبي للاستثمار وشركة الاستثمارات البترولية الدولية، عاملتين فعلًا، ترفدان استثمارات كبيرة طويلة الأجل، في الداخل والخارج، بالأموال المحصلة من الواردات النفطية.
وهكذا، من الناحية الاقتصادية، شهدت السنوات بين الزيارتين الرئاسيتين الاماراتيتين للمملكة المتحدة تعاظمًا في دور الدولتين الاقتصادي على المستوى العالمي، وانتقال الثقل الاقتصادي والمالي إلى الشرق.
كما شهدت تراجعات حادة في الاقتصاد البريطاني، نتجت عن تداعيات التباطؤ الاقتصادي في الولايات المتحدة، وتأثر الإمارات بتداعيات الصراعات الإقليمية، وتقلب أسعار النفط، وبالأزمة المالية العالمية في العام 2008.
مفارقات
لا تستقيم المفارقة بين الدولتين من دون أرقام. فعند الإحصاءات، الخبر اليقين عن التجارب المشتركة منذ العام 1989.
فعلى ذمة صندوق النقد الدولي، نما الاقتصاد الإماراتي ثمانية أضعاف تقريبًا منذ ذلك الحين، ليصل حجمه إلى نحو 358 مليار دولار في العام 2011.
وفي العام نفسه، كان الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة أكثر من ذلك بكثير، بحدود 2.4 تريليار دولار.
وفي العام الماضي، بلغ نصيب الفرد من الدخل في الإمارات نحو 64 ألف دولار سنويًا، لتحتل المرتبة السابعة في العالم، بينما كان نصيب الفرد البريطاني نحو 38 ألف ولار سنويًا، لتقف المملكة المتحدة في المرتبة 24 عالميًا.