إيران معروفة بسجادها المحبوك يدويًا، صناعة راقية تنحدر يومًا بعد يوم، بسبب أزمات إيران الاقتصادية الخانقة، التي أنتجتها عقوبات دولية قاسية.


تذهب غالبية التقديرات إلى أن بازار طهران الكبير يضم أكبر عدد من السجاد المحاك يدويًا في العالم، بملايين مكدسة في أكثر من 1000 متجر تتوزع على متاهة من الطرق والأزقة القديمة. لكن صادرات إيران من السجاد تتراجع، كما يبيّن هبوط إيراداتها بنسبة 17 بالمئة في العام الماضي.

وينخفض مع تراجع هذه الصناعة العريقة عدد العاملين فيها أيضًا. ويعتقد كثير من الذين ترتبط معيشتهم بتجارة السجاد أن وجودها نفسه بات مهددًا. وتضررت صناعة السجاد، التي يمتد عمرها قرونًا بفعل الأزمات الاقتصادية المتتالية في السنوات الأخيرة، فضلًا عن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة، التي كانت أكبر سوق للسجاد الإيراني في السابق.

حتى في إيران نفسها، بدأ السجاد الأرخص المصنوع آليًا ينافس السجاد اليدوي. وأصبح كساد هذه الصناعة من المشاكل الكبيرة التي تواجه الرئيس المنتخب حسن روحاني حين يتسلم مهام منصبه في مطلع آب (أغسطس).

المشكلة في التسويق
يدعو خبراء السجاد الإيرانيون حكومة طهران إلى ترويج السجاد المحاك يدويًا في بلدان غير الولايات المتحدة. وقال مجتبى فيض الله، نائب مدير التسويق في مركز السجاد الوطني، إن تجار السجاد يتوقعون من الحكومة الجديدة أن ترصد ما يكفي من الموارد المالية للحملات الترويجية من أجل التعريف بالسجاد الإيراني على نحو أفضل عالميًا.

يتفق معه علي رضا قادري، مدير مؤسسة أبحاث السجاد الإيراني في طهران، قائلًا: quot;على المسؤولين أن يهتموا بالتصديرquot;. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن قادري قوله: quot;المشكلة ليست في الإنتاج، بل في التسويق والبيعquot;.

بعد منتجات الطاقة، تأتي صناعة السجاد اليدوي في المرتبة الثانية بين صادرات إيران، محققة عائدات بلغت 560 مليون دولار في العام الماضي، أو نحو 20 بالمئة من سوق السجاد في العالم.

لكن المحللين الإيرانيين لا يتفقون جميعًا مع من يدعون الحكومة إلى دعم هذه الصناعة العريقة. وقال جواد صالحي أصفهاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة فرجينيا التكنولوجية، والذي يزور إيران بانتظام، إن صناعة السجاد ليست من الصناعات التي تحتاج حماية، لأنها لا توفر فرص عمل مغرية تستدرج الشباب.

الأقمشة التركية أجدى
يقدر عدد العاملين في صناعة السجاد الإيرانية بنحو مليوني إيراني، وتشمل منافعها الاقتصادية بهذا الشكل أو ذاك زهاء 10 بالمئة من السكان، بحسب ارقام وزارة الصناعات والمناجم والتجارة الايرانية. وهذا يعني أن الحفاظ عليها ضروري، على الأقل في الوقت الحاضر.

إضافة إلى التجار، توفر صناعة السجاد فرص عمل للروافين والحمالين الذين يعملون في البازار بعرباتهم اليدوية الصدئة، يحملون السجاد إلى بيوت المشترين. لكن خبراء يقولون إن عدد العاملين في صناعة السجاد يتناقص في طهران وإيران عمومًا.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن تاجر السجاد حسين حسيني قوله: quot;إن بازار السجاد يأكله بازار الأقمشة المجاور لناquot;. فإن تجارة الملابس الصينية والتركية أكثر ربحًا من تجارة السجاد الإيراني. ويبدي تجار الملابس استعدادًا لدفع إيجارات عالية تزيد على 2000 دولار في الشهر عن دكان مساحته أقل من 100 قدم مربع في منطقة مزدحمة من البازار.

أثر العقوبات
ورغم أن الكثير من تجار السجاد يهجرون المهنة، فإن حسيني يعتبر السجاد جزءًا حيويًا من تراث إيران، مثله مثل كثير من الإيرانيين الآخرين. وتمارس العقوبات الدولية تأثيرًا شديد الوطأة على صناعة السجاد الإيرانية. فإن العقوبات المصرفية والحظر الذي فرضته الحكومة الأميركية على استيراد السجاد الإيراني في العام 2010 يحدّ من قدرة التجار على بيع بضاعتهم في الخارج وعلى تحويل العائد إلى إيران.

وقال حسيني إن هذا لا يضرّ بصناعة السجاد فحسب، وإنما بسمعة إيران أيضًا. وأشار إلى أن السجاد يمكن أن يكون سفيرًا عظيمًا لهذا البلد. فعندما يشتري أحدهم سجادة، ويأخذها إلى البيت في بلده، يرى الآخرون جمالها ويسمعون قصتها وتثير اهتمامهم بإيران.

كما تعاني صناعة السجاد العريقة من ارتفاع كلفة الأيدي العاملة وصعوبة استيراد المواد التي تدخل في إنتاج السجاد، مثل الحرير وبعض الصباغ.

ويقول خبراء واقتصاديون إن صناعة السجاد الإيرانية قد تعود في نهاية المطاف إلى أصولها، يوم كانت شكلًا فنيًا متخصصًا. وقال أستاذ الاقتصاد صالحي أصفهاني: quot;في النهاية، إنها حرفة يدوية يجب أن ترتقي وتنتج سجادًا لذوي الدخول العالية، وفي هذه المرحلة سيقلّ عدد العاملين فيها، وتكون جزءًا من الصناعات الوطنية التي تحتاج حمايةquot;.