الاكتتابات كبيرة في الخليج، حيث تنمو الشركات بسرعة، وتتوافر السيولة لدى الشركات والأفراد، وهي مرهونة بأسعار النفط، وبحزم الانفاق الحكومي.

أيمن هلال من بيروت: ارتفع عدد صفقات الاكتتاب وقيمتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل لافت خلال الربع الثالث من العام 2014، لتسجل 1,7 مليار دولار، مقارنة بحوالي 150,7 مليون دولار فقط خلال الفترة ذاتها من العام 2013، وفق تقرير شركة إيرنست آند يونغ، حصل معظمها في الخليج.

تُعزى هذه الزيادة إلى نمو تحققه الشركات الخليجية، وتوافر سيولة عالية لدى الشركات والأفراد، نتيجة للإنفاق الحكومي الضخم والمتواصل منذ نحو 10 سنوات، والمستند إلى ارتفاع أسعار النفط. يضاف إلى ذلك توجه المستثمرين، أفرادًا وشركات، إلى الاستثمار المباشر أو في أسواق الأسهم بسبب تراجع أسعار الفائدة وجمود أسواق السندات.

هل يستمر النمو

قال وزير المال اللبناني الأسبق جهاد أزعور لـ"ايلاف": "العنصر المهم الذي برز اليوم، وكانت تفتقده أسواق المال منذ العام 2008، هو استعداد عدد كبير من الشركات لادراج أسهمها في البورصة أو الاتجاه نحو أسواق المال لإصدار أسهم، بهدف زيادة مواردها المالية المتاحة للاستثمار وتمويل التوسع"، مشيرًا الى أن المرحلة الحالية تشهد متغيرات كثيرة وعميقة، ولذلك الاتجاه على المدى الطويل ليس واضحًا.

يعاكس هذا الارتفاع في عدد الاكتتابات وقيمتها الوضع الأمني والسياسي في المنطقة. فالحرب السورية مستمرة منذ أكثر من 3 سنوات، والعراق يعاني أزمات متتالية، ولبنان والأردن يعانيان ضغوطًا جراء تدفق اللاجئين السوريين، إلى جانب غياب الاستقرار في مصر خلال الفترة المذكورة في التقرير.

تراجع في النمو

وفي هذا السياق قال أزعور: "منذ العام 2011، انقسمت اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بين اقتصادات دول الخليج، التي حافظت على نمو نسبته بين ثلاثة وستة في المئة سنويًا، وسجلت حركة استثمارات كبيرة نظرًا إلى ارتفاع أسعار النفط والاستقرار السياسي والأمني، إلى جانب الإنفاق العام الضخم، وبين اقتصادات دول مثل مصر وسوريا ولبنان وبعض دول شمال أفريقيا، حيث أدى الحراك السياسي وتراجع تدفق الاستثمارات إلى تراجع كبير في النمو والحركة الاقتصادية".

وأضاف: "شهدنا ارتفاعًا ملحوظًا في السيولة التي استخدم معظمها خلال السنوات الأربع الماضية في أسواق السندات، خصوصًا حين ارتفع المردود على السندات في شكل ملحوظ، ومنذ 6 أشهر إلى سنة، تراجع هذا المردود، فاتجه المستثمرون إلى الأسهم، ما صعد ببورصات الخليج إلى مستويات مرتفعة خلال فترة قصيرة، وخصوصًا البورصات الكبيرة ومنها السعودية، قبل أن تشهد تصحيحًا محدودًا".

2301 مرة

من أبرز صفقات الاكتتاب في الربع الثالث من 2014 كان الاكتتاب في مجموعة إعمار، بقيمة 1,6 مليار دولار، وتمت تغطية الاكتتاب أكثر من 30 مرة، كما تم إغلاق صفقتي اكتتاب "زين البحرين" في مملكة البحرين، و"دليس القابضة" في تونس، ويُتوقع إدراجهما خلال الربع الحالي، إضافة إلى الاكتتاب العام في مشروع قناة السويس في مصر، بقيمة 8,5 مليارات دولار.

وتبقى صفقة الاكتتاب الأكبر للعام 2014 من نصيب البنك الأهلي السعودي، التي بلغت قيمتها 82,6 مليار دولار، وتمت تغطيته 2301 مرة، في حين وصل عدد المكتتبين الأفراد إلى 1,25 مليون شخص.

قال أزعور: "توجد في المنطقة سيولة كبيرة جدًا، والاحتياطات الرسمية في دول الخليج وحدها تفوق 1,4 تريليون دولار، كما أن الشركات والمؤسسات الخاصة تملك سيولة ضخمة، إلى جانب الانفاق الضخم للحكومات ورفع الحد الأدنى للأجور، ما عزز أرباح الشركات والسيولة لدى المواطن، وهذه كلها عوامل تفسر الحجم الكبير للاكتتابات".

حذر بشأن عمق السوق

في الوقت ذاته، اعتبر أزعور أن الاكتتابات الضخمة والتغطيات الكبيرة لا تعني بالضرورة أن هذا هو حجم الطلب الحقيقي، بل تعني أن السوق ايجابية وهناك ثقة.

أضاف: "علينا انتظار مؤشرين، الأول عمق السوق، أي قدرة احتمالها لعمليات البيع التي سينفذها مستثمرون بعد الاكتتاب، وكلما كانت السوق أعمق كلما جذبت مستثمرين متخصصين وشركات استثمارية كبيرة، والثاني تنوع المستثمرين بين مؤسسات استثمارية تعتبر مستثمرًا طويل المدى، وبين الأفراد الذين يستثمرون في معظم الأحيان لفترات قصيرة، وكلما ازداد التنوع كلما كانت حالة السوق أفضل".

الأكبر حجمًا

وشرح أزعور أن الشركات التي تلجأ اليوم إلى الاكتتاب تعمل في القطاعات الأكبر حجمًا، أي القطاع النفطي، "يليه القطاع المالي والمصرفي، ثم القطاع العقاري، وأخيرًا شركات الاستهلاك والتجزئة والخدمات التجارية، في حين أن الشركات العاملة في القطاع السياحي أقل اقبالًا على الاكتتاب بسبب تأرجح السياحة في دول المنطقة".

وعن استمرار هذا التوجه لدى الشركات خلال الفترة المقبلة، قال أزعور: "يصعب في ظل الأحداث المتسارعة استشراف المرحلة المقبلة، خصوصًا أن ترابط التطورات اليوم اختلف عن السابق، أي أن في المراحل الماضية كان ارتفاع الأخطار السياسية يؤدي مباشرة إلى صعود سعر النفط، ولكن اليوم وفي ذروة الحروب والأزمات في المنطقة، نرى أن سعر برميل النفط تراجع نحو 35 في المئة، ولذلك فهم هذا التبدّل يحتاج وقتًا".

إصدارات كبيرة

وأشار أزعور إلى أن الاهتمام يتحول نحو الاستثمار في أسواق المال والأسهم أو الاستثمار المباشر، "وشعور الشركات اليوم أنها قادرة على التوجه إلى المستثمر وتنفيذ إصدارات كبيرة قائم وسيكبر".

ولفت إلى مشكلة تواجهها الأسواق اليوم، وهي التذبذب السريع، "إذ لم تصل إلى مرحلة النضوج وتنوع المستثمرين، الذي يتيح نوعًا من الإنسياب والاستقرار في الحركة، فأي حدث قد يرفع الاسواق بسرعة أو يهوي بها بسرعة".

وختم أزعور أن العنصرين الأساسيين في الاقتصاد والاسواق هما أسعار النفط والسياسات الحكومية، فإذا قررت حكومات الخليج لجم الانفاق العام سيتراجع النمو ومعه أرباح الشركات والسيولة لدى المواطنين، وبالتالي نشاط الاكتتابات.