أقر البرلمان اليوناني صباح الجمعة بعد مناقشات استمرت طوال الليل خطة المساعدة الثالثة للبلاد منذ 2010، التي تبلغ قيمتها نحو 85 مليار يورو، وذلك بأصوات المعارضة خصوصًا. وتحوّلت المساعدات إلى قضية تقسم حزب سيريزا اليساري الراديكالي الحاكم، قبل اجتماع لوزراء مالية منطقة اليورو.
&


إيلاف - متابعة: قر النص بـ222 صوتا مقابل 64 صوّتوا ضده، وامتناع 11 عن التصويت. وقبل اقرار النص، حذر رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس من ان منح اليونان قرضا مرحليا، كما تقترح المانيا، سيكون "عودة الى ازمة بلا نهاية".

وحوالى الساعة الثالثة (00:00 تغ) وبعد يوم كامل من المناقشات في اللجان، بدأ النواب بالكاد جلستهم العامة، التي يفترض أن تشهد التصويت على الخطة. وهم يتواجهون حول مسائل إجرائية مع رئيسة البرلمان زوي كونستانتوبولوس، التي تنتمي إلى حزب سيريزا، لكنها تعارض بشدة الخطة. وقال تسيبراس في ختام ليلة من النقاشات البرلمانية ان "هذا ما يسعى اليه البعض بطريقة منهجية ونتحمل مسؤولية تجنب ذلك وعدم تسهيله".

معركة وقت
وترغب رئيسة البرلمان في أن تستفيد من كل الوقت الذي تسمح به النصوص لدراسة مشروع القانون، الذي يقع في 400 صفحة، بدون أن تأخذ في الاعتبار على ما يبدو اجتماع وزراء مالية مجموعة اليورو بعد ظهر اليوم الجمعة في بروكسل.

ودعا وزير المالية اقليدس تساكالاتوس إلى الإسراع. وقال إن "الأمر بسيط. مجموعة اليورو تعقد عند الساعة 16,00 من يوم غد (اليوم الجمعة) وبدون هذه العناصر لن تتخذ قرارًا، وسيكون هناك قرض مرحلي، وسيكون على الحكومة القيام بأعمال اساسية جديدة".

وبعد اشهر من الاضطراب وخصوصا في عهد وزير المالية السابق يانيس فاروفاكيس، بذلت& حكومة معدلة برئاسة الكسيس تسيبراس في الاسابيع الاخيرة جهودا شاقة وقبلت مرغمة اتفاقا مع دائني البلاد (الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الاوروبي ونظام الاستقرار الاوروبي) حول خطة المساعدة هذه التي تقدر قيمتها بحوالى 85 مليار يورو على ثلاث سنوات مقابل اجراءات تقشفية صارمة جديدة.

مناقشة الخروج
وبفضل دفعة اولى بقيمة عشرين مليار يورو في الايام المقبلة، ستتمكن اثينا من احترام دفعة اساسية تبلغ 3.4 مليارات يورو للبنك المركزي الاوروبي، والبدء بتسديد مبالغ لمزودي الدولة، الذين لم يتلقوا منذ اشهر دفعات، مما يفاقم من حالة الشلل في الاقتصاد. وفي غياب اتفاق، سيكون على اليونانيين الاكتفاء بقرض مرحلي قبل مناقشات جديدة وتعهدات جديدة على الارجح.

هذا الوضع لا يزعج المانيا، التي تفضل الحصول على بعض الوقت، وتقديم قرض مرحلي. وقال وزير المال الالماني فولفغانغ شويبله ان لديه "اسئلة" سيطرحها على مجموعة اليورو حول الخطة، التي ابرمت فجر الثلاثاء الماضي، بعد 15 يوما من العمل المكثف بين اليونان ودائنيها. الموضوع الآخر الذي يلتقي فيه السياسيون الالمان الاكثر تشددا حيال اليونان مع الجناح اليساري في حزب سيريزا، الذي بدا على وشك الانقسام ليل الخميس الجمعة، هو مسألة خروج اليونان من منطقة اليورو.

فقد دعا وزير الطاقة اليوناني السابق بانايوتيس لافازانيس الخميس الى تشكيل حركة وطنية ضد التقشف، مثيرًا غضب الحكومة. وقال مصدر حكومي ردا على هذه الدعوة ان "قرار بانايوتيس لافازانيس يعكس رغبته الواضحة جدًا في إبعاد مساره عن مسار حكومة سيريزا". اضاف "نذكر بان عودة الى الدراخما (العملة اليونانية قبل تبني اليورو) قد تكون رغبة فولفغانغ شويبله، لكنها لم تكن يومًا وعدًا قطعه سيريزا للناخبين".

الصندوق ينتظر
ليزيد من تعقيد الوضع، أعلن صندوق النقد الدولي الخميس انه ينتظر من الاوروبيين اتخاذ "قرارات" بشأن تخفيف أعباء الديون اليونانية، قبل ان يقرر ما اذا كان سيشارك ام لا في خطة انقاذ مالية جديدة لهذا البلد. وقالت رئيسة بعثة الصندوق الى اثينا ديليا فيلكوليسكو في بيان "ننتظر العمل مع السلطات (اليونانية) على برنامج (الاصلاحات) بحيث يكون اكثر تفصيلا، وننتظر ان يتخذ شركاء اليونان الاوروبيون قرارًا بشأن تخفيف أعباء الدين".

وصندوق النقد الدولي هو احدى الجهات الرئيسة الدائنة لليونان، وقد شارك مع الاوروبيين في المفاوضات مع اثينا حول خطة الانقاذ الجديدة، غير انه اعلن مسبقا ان مشاركته في تمويل الخطة مرهونة بجعل الدين اليوناني قابلا للسداد. وتشترط دول اوروبية عديدة، في مقدمها المانيا، مشاركة الصندوق في تمويل خطة الانقاذ، ولكنها في الوقت نفسه تتحفظ بشدة على فكرة تخفيف اعباء الديون اليونانية الهائلة، والبالغة 170% تقريبا، من اجمالي الناتج المحلي للبلاد.

وفي بيانها اوضحت فيلكوليسكو ان "صندوق النقد الدولي (...) سيدرس منح اليونان تمويلات جديدة ما ان تتخذ السلطات اجراءات منصوصا عليها في برنامج (الاصلاحات) وما ان تتخذ اجراءات لتخفيف الدين".

فرص نجاح
الاتفاق التقني الذي تم التوصل اليه بين اليونان والمؤسسات الدائنة (الاتحاد الاوروبي، البنك المركزي الاوروبي، صندوق النقد الدولي والالية الاوروبية للاستقرار) سيسمح لاثينا بالاستفادة من خطة مساعدة جديدة مقابل الالتزام بحزمة جديدة من الاصلاحات. وفي ما يلي الرهانات الاساسية التي ينطوي عليها الاتفاق.

- لماذا خطة مساعدة ثالثة؟
بالرغم من خطتين للمساعدة في 2010 و2012 بقيمة اجمالية من 240 مليار دولار، وشطب ديون بقيمة 100 مليار يورو للقطاع الخاص، عاشت اليونان ست سنوات متتالية من الانكماش، وما زالت غير قادرة على العودة لتمويل نفسها من الاسواق. كما انها لم تعد قادرة على تسديد ديونها المستحقة.

وفي ما يتعلق بالمصارف اليونانية المنهكة بفعل التدهور الاقتصادي والسحوبات الكثيفة للمواطنين، فهي باتت بحاجة ماسة الى اعادة الرسملة. وخطة المساعدة الجديدة بقيمة "82 الى 86 مليار يورو" على مدى ثلاث سنوات بحسب مصدر اوروبي، و85 مليارا بحسب الحكومة اليونانية، ستسمح لاثينا بدفع متأخراتها ومواجهة استحقاقاتها. كما ستسمح ايضا باعادة رسملة المصارف.

- ما هي مفاعيلها على الدين اليوناني؟
يقدر الدين اليوناني حاليا بحوالى 320 مليار يورو، اي ما يمثل 170% من اجمالي الناتج الداخلي، وهو مستوى اعتبر بالاجماع انه لا يمكن ان يستمر. وخطة المساعدة الجديدة، بشكل قروض، سترفعه الى 200%. ويشدد صندوق النقد الدولي على تقليص الدين تحت طائلة الكف عن المشاركة في تمويل البلاد. وكان الاوروبيون قطعوا وعدا باعادة هيكلة الدين اليوناني في 2012 مقابل اجراء اصلاحات.

لكن دولًا عدة تعارض بشكل جذري شطب ديون بلا قيد او شرط، بدءًا بألمانيا. وفي اواخر تموز/يوليو جدد رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو التأكيد ايضا من جهته ان بلاده "ستبقى معارضة بشكل اساسي لاي خفض لدين اليونان".

- ماذا تنتظر الجهات الدائنة؟
مقابل هذه المساعدة الجديدة يطالب الدائنون باصلاحات، واردة بالتفصيل في المذكرة التي توافقت عليها المؤسسات الدائنة وحكومة اثينا. وللافراج في الحالة الراهنة عن دفعة اولى من المساعدة يتوجب على اليونان القيام بـ35 اصلاحا، تتراوح بحسب الصحافة بين تغيير بشأن الرسوم على الطن بالنسبة الى الشركات البحرية وخفض اسعار الادوية البديلة مرورًا بتخفيف الاطار التنظيمي لقطاع الطاقة.

كما تمت المطالبة ايضا باجراء اصلاحات جوهرية تتعلق بنظام التقاعد وسوق العمل وكذلك اقامة صندوق للخصخصة. وسيتعيّن على اثينا ايضا القيام باصلاحات في الميزانية لكن الاهداف تم "تخفيفها" كما قالت الحكومة اليونانية، مع توقع عجز اولي (الموازنة دون خدمة الدين) بـ0,25% من اجمالي الناتج الداخلي في 2015 قبل تسجيل فائض اولي بـ0,5% من اجمالي الناتج الداخلي في 2016، و1.75% في 2017، و3.5% في 2018.

- ما هي المراحل المقبلة ؟
يمكن ان يصوّت البرلمان اليوناني على النص الخميس، ما قد يتيح عقد اجتماع لليوروغروب (وزراء مالية منطقة اليورو) للمصادقة عليه الجمعة، قبل تصويت برلمانات اوروبية اخرى منها البوندستاغ الالماني. وهذا الجدول الزمني سيكون مناسبا لاثينا لان الشريحة الاولى من المساعدة ستدفع في حينه كي تسدد اليونان مبلغ 3,4 مليار يورو مستحق للبنك المركزي الاوروبي في 20 اب/اغسطس.

لكن المانيا شددت في الايام الاخيرة على ابرام اتفاق "متين" مع احتمال اخذ المزيد من الوقت للتفاوض. وفي هذه الحالة ولاجتياز عقبة 20 اب/اغسطس ستكون هناك "ربما حاجة إلى قروض مرحلية" كما اقر مصدر اوروبي الثلاثاء في بروكسل.

- هل ستسمح خطة المساعدة الجديدة بانقاذ اليونان وتفادي خروجها من منطقة اليورو؟
هنا يكمن بيت القصيد وخبراء الاقتصاد مشككون حيال هذا الامر. ولفت المحللون في المجموعة المالية "اي بي ان امرو" الى "ان هناك عددا معينا من التفاصيل قد تقف حجر عثرة امام تنفيذ الاتفاق في الاشهر المقبلة، وتثير المخاوف مجددا من احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو.

بدءا بالانكماش الذي يتوقع كثيرون من خبراء الاقتصاد انخفاضا في اجمالي الناتج الداخلي اليوناني بنسبة 3 الى 4% هذه السنة. ولتفادي ذلك سيتوجب انتهاج سياسة تقشف قد "تعطي نتيجة عكسية" بالنسبة الى النمو، بحسب اي بي ان امرو.

وترتكز الخطة برأي جوناثان لوينز من كابيتال ايكونوميكس الى "توقعات للاقتصاد والمالية العامة اشبه بتخيلات". واعتبر ان الاهداف الجديدة للميزانية المفروضة على اثينا "متطلبة للغاية وحتى يستحيل بلوغها". وراى ان خطة المساعدة الجديدة "لن تساعد اليونان، لا على تسوية مشكلاتها العميقة الاقتصادية والمتعلقة بالميزانية، ولا تأمين مستقبلها داخل الاتحاد النقدي".
&