ترسم دراسة صادرة عن جامعة جورج تاون الأميركية صورة قاتمة عن المشهد الجيو - سياسي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، مع تراجع أسعار النفط بما يؤثّر على ميزانيات عدة دول، لكن الدراسة تقول إنّ السعودية، يمكنها بالامكانيات التي تملكها، الصمود لسنوات طويلة مع هذا الاضطراب الحاصل في سوق الطاقة.


نهاد إسماعيل: تتسارع وتيرة انهيار أسعار النفط على ضوء الاضطرابات في أسواق الأسهم الصينية حيث تهاوت أسعار النفط الخام بنحو 6% إلى مستويات جديدة هي الأدنى في 12 عاما وينذر استمرار هذا التهاوي بوصوله إلى 20 دولارا للبرميل.

حذر مورغان ستانلي المصرف التجاري الأميركي من أنه إذا سجل اليوان الصيني مزيدا من التراجع فإنه قد يدفع أسعار النفط& للتهاوي إلى نطاق 20-25 دولارا للبرميل.

وقد نقرأ غدا او بعد غد عن تنبؤات تتوقع تعافي الأسعار وارتفاعها في الربع الأخير من عام 2016. بينما تعاني الأسواق من الاضطراب والتقلبات.

وترسم دراسة اميركية من جامعة جورج تاون صورة قاتمة على المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط.

تغييرات جيو سياسية واقتصادية

تاريخيا وتقليديا، كان ينظر العالم الى الشرق الأوسط كمصدر اساسي وجوهري للطاقة التي تغذي العالم. الشرق الأوسط يستحوذ على 60% من احتياطي العالم ويزود 30% من احتياجات العالم النفطية. واحتفظ الشرق الأوسط بهذه المنزلة منذ الخمسينات.

وحسب الدراسة جاء التغيير الكبير في السنوات الخمس الماضية.

السعودية في مأمن

وتعتبر الدراسة أن السعودية بقيت المنتج والبائع الأكبر والقيادي في تزويد العالم باحتياجاته من النفط الخام.

تنتج السعودية 10.2 ملايين برميل يوميا وتعتبر المصدر الوحيد الموثوق به تماما ويمكن الاعتماد عليه في منظومة اوبك. لنأخذ ليبيا على سبيل المثال فرغم انها دولة نفطية وعضو في اوبك لا يمكن اعتبارها لاعبا هاما في هذه المرحلة ويمكن تجاهلها كليا.

ايران تصدر فقط 1.2 مليون برميل يوميا ولا تزال تحلم برفع صادراتها النفطية بعد رفع العقوبات المفروضة& وقد بلغت خسائر ايران 160 مليار دولار بسبب انهيار اسعار النفط.

اما العراق فقد حقق بعض النجاحات بزيادة انتاجه خلال 2014 و2015 الى 4 ملايين برميل وصدّر منها 3 ملايين برميل ولكنه يعاني من غياب الأمن والاستقرار فضلا عن النزاعات والمشاكل مع الأكراد في الشمال الذين يسيطرون على 750 الف برميل يوميا.

اما على جبهة الغاز الطبيعي وحسب بعض التقديرات، فتستحوذ ايران على حوالى 1193 تريليون قدم مكعب من الاحتياطات ورغم هذا الاحتياط الهائل لا تزال ايران تستورد الغاز الطبيعي بسبب قلة الاستثمارات في حقول الغاز وعدم قدرتها على الحصول على التقنيات والتكنولوجيا اللازمة من شركاء في الخارج.

بينما استطاعت الجزائر مواصلة امدادات الغاز لأوروبا عبر البحر الابيض المتوسط وستستمر في ذلك في المستقبل المنظور.

ومن العجائب ان ليبيا رغم كل ما تعانيه من مشاكل في انتاج وتصدير النفط الا انها لا تزال قادرة على تزويد ايطاليا بـ 600 الف متر مكعب من الغاز يوميا. وطبعا قطر التي تقوم بتصدير ما يزيد عن 70 مليون طن من الغاز سنويا لجميع انحاء العالم لا سيما الشرق الأقصى.

عجز الموازنات

ومما لا يمكن انكاره او اخفاؤه ان صناعة النفط الخام والغاز الطبيعي تأثر بشكل كبير بسبب تهاوي الأسعار من صيف 2014 حتى الآن.

وانخفضت مداخيل منتجي النفط في منظمة اوبك وخارجها وخير مثال هو ان ايرادات السعودية من النفط انخفضت من 350 مليار دولار سنويا الى 155 مليار دولار على قاعدة سعرية بحدود 50 دولارًا للبرميل.

كما تقلصت مداخيل الدول الأخرى المنتجة للنفط بنفس المعدل حتى ان اسعار الغاز المسال تهاوت بشكل كبير.

من الجدير بالذكر ان عقود تصدير الغاز القطري تحتوي على فقرة تشترط ربط سعر الغاز بسعر النفط وهذا بطبيعته ادى الى انهيار اسعار الغاز الطبيعي.

بعبارة اخرى، تأثرت الدول المنتجة للنفط والغاز سلبا وتمت اعادة حسابات الميزانيات التي تضخمّت في السنوات الأخيرة بسبب الالتزامات الدفاعية ودعم السلع الأساسية.

وقد بلغ عجز ميزانية السعودية لوحدها حوالى 98 مليار دولار لعام 2015 وهذا لا يشمل الانفاق المتعلق بتكلفة الحروب في سوريا واليمن.

استنتاجات تشاؤمية والسعودية صامدة

اذا، ستبقى الصورة قاتمة لدول الشرق الأوسط اذا لم تنتعش اسعار النفط والغاز ولم يتم تخفيض ميزانيات الدفاع والأمن.

السعودية لديها من الاحتياطات والاستثمارات والأصول المالية ما يمكنها من الاستمرار لخمس او ست سنوات اذا بقيت الأسعار منخفضة.

والى حد ما، هذا ينطبق على الامارات. ولكن هناك دولًا تقف على حافة الهاوية مثل ايران والجزائر.

الجزائر لديها احتياطات تبلغ 159 مليار دولار ولكن الحكومة تسحب من هذه الاحتياطات لتغطية العجز وسد الحاجة.

ومن المتوقع اذا استمرت هذه الحالة ان تختفي احتياطات الجزائر خلال 3 اعوام.

اما ايران فلا تزال تعول على رفع العقوبات لكي تستعيد بعض الدخل المفقود. ليبيا لا تزال حالة ميؤوسًا منها والعراق سيجد صعوبة في الصمود دون الاعتماد على ايران سياسيا واقتصاديا. وحتى مصر تصدر القليل من الغاز وتستورد الغاز الطبيعي لتغطية الحاجة المحلية.

ناهيك عن التأثير الكارثي على المداخيل والميزانيات بسبب الدمار والفوضى في سوريا واليمن وليبيا.

مستقبل غامض

لكن لا أحد يعرف ماذا سيحدث في اسواق النفط.& ولا يمكن التنبؤ بدقة بما سيحدث من تطورات نظرا لتداخل الاقتصاد النفطي بالمشهد الجيو-سياسي لا سيما في منطقة الشرق الأوسط.

قد تكون هناك مفاجآت من شأنها تغيير الصورة كليا بحيث تتحسن الأمور بشكل ملحوظ وكبير أو قد يحدث العكس ونرى المزيد من الكوارث التي تؤثر مباشرة على انتاج النفط وأسعاره في السوق العالمية.

لفترة طويلة كان الاعتقاد السائد ان سياسة أميركا في الشرق الأوسط تركزت حول اهتمامها بمصادر آمنة للطاقة. هذا الاعتقاد بدأ يتلاشى مع توجه الولايات المتحدة الى تحقيق الاكتفاء الذاتي للطاقة.

والآن بدأ نفوذ الولايات المتحدة يتقلص في الشرق الأوسط مع تصاعد التيارات الدينية والاجتماعية والسياسية والتي لا تستطيع الولايات المتحدة التأثير عليها.

ولكن الدراسة لا تبحث في اسباب انهيار الأسعار كالتخمة بسبب المعروض الذي يزيد عن الطلب ولا تبحث في تراجع الاقتصادات الآسيوية مثل الصين او دخول منافسين جدد كمنتجي الزيت الصخري في الولايات المتحدة ذاتها او منتجي الزيت الرملي في كندا. لكنها تعترف وتقر بأن المملكة العربية السعودية تبقى المصدر المعتمد عليه في تزويد حاجة السوق لسنوات طويلة.