تتطلع ليبيا الى ولادة جديدة لقطاعها النفطي بعد الاتفاق على إعادة فتح موانئ التصدير الرئيسة، إلا أن النزاعات المسلحة والخلافات السياسية والصعوبات اللوجستية تهدد بعرقلة هذا الهدف الحيوي لبلاد تشهد انهيارًا اقتصاديًا ونقصًا في السيولة.

طرابلس: منذ انتفاضة العام 2011 والإطاحة بنظام معمر القذافي، يعيش قطاع النفط في ليبيا تراجعًا مستمرًا، حيث انخفضت معدلات الانتاج اليومي من نحو مليون و600 الف برميل يوميًا الى حوالى 200 الف برميل، لتصبح ليبيا، اغنى دول افريقيا بالنفط بنحو 48 مليار برميل، أقل دول منظمة "اوبك" انتاجًا في العام 2015، بحسب موقع المنظمة.

وتعصف بهذا البلد الشمال افريقي الذي يسكنه نحو ستة ملايين نسمة فقط ازمات سياسية ونزاعات عسكرية عنوانها الصراع على السلطة، الى جانب التهديدات الجهادية، تسببت بوقف الانتاج في العديد من الحقول وبإغلاق موانئ التصدير على فترات متقطعة وبانقسام المؤسسة التي تدير القطاع الذي يمثل العمود الفقري للاقتصاد الليبي.

وتقوم ليبيا حاليا بتصدير كميات بسيطة من النفط من عدد محدود من موانئها، بينها البريقة وطبرق في الشرق.

بارقة أمل 

في نهاية يوليو الماضي، ظهرت بارقة أمل مع توصل قوات حرس المنشآت النفطية التي تضع يدها على أهم موانئ التصدير وعلى رأسها رأس لانوف والسدرة في منطقة الهلال النفطي في شمال شرق البلاد، الى اتفاق مع حكومة الوفاق الوطني المدعومة من المجتمع الدولي ومقرها طرابلس.

ونص الاتفاق بين الجانبين على إعادة فتح موانئ التصدير في هذه المنطقة بعدما اغلقت على عدة مراحل منذ العام 2011 وكان آخرها في بداية العام الحالي اثر تعرضها لهجمات من قبل تنظيم الدولة الاسلامية.

وفي مقابل تعهد قوات حرس المنشآت بإبقاء الموانئ مفتوحة، فان حكومة الوفاق تعهدت ان تقوم بدفع رواتب لعناصر هذه القوات.

ولقي الاتفاق ترحيبًا حذرًا من قبل المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس التي تدير هذا القطاع منذ عقود، حيث اعتبرت ان اعادة فتح الموانئ يجب ان يتم بشكل "غير مشروط".

لكن رغم ذلك، اعلنت المؤسسة عن بدء الاستعداد لاستئناف تصدير النفط عبر إنجاز أعمال فنية وإرجاع اليد العاملة تدريجيا الى موانئ التصدير الرئيسة وخصوصًا راس لانوف والسدرة اللذين تبلغ طاقتهما التصديرية نحو 600 الف برميل.

ويقول سكوت موديل المحلل في مؤسسة "رابيد غروب" الاستشارية الاميركية المتخصصة في مجال الطاقة ان "فتح الموانئ يتيح للمؤسسة الوطنية للنفط بدء الاصلاحات، لكن هذا الامر يحتاج الى وقت".

ويضيف "المسؤولون الليبيون يتحدثون عن طموحات ايجابية منذ سنوات، لكن علينا الا نصدق ما يقال حتى نراه يتحقق على الارض".

والى جانب الصعوبات اللوجستية والتقنية، فان الاتفاق على اعادة التصدير يواجه بالرفض من قبل السلطات الموازية في شرق البلاد التي لا تعترف بسلطة حكومة الوفاق وتلقى مساندة قوات عسكرية يقودها اللواء خليفة حفتر.

وهددت هذه القوات الموالية لبرلمان منتخب باستهداف ناقلات النفط في حال اقترابها من سواحل ليبيا بهدف نقل شحنات لصالح حكومة الوفاق الوطني من دون اتفاق مسبق مع سلطات الشرق التي تملك بدورها مؤسسة مستقلة للنفط في بنغازي (الف كلم شرق طرابلس).

وتم التوافق في بداية يونيو على اعادة توحيد المؤسستين الوطنيتين للنفط، بحيث تعاود الشركة المنافسة في الشرق الاندماج بالفرع الرئيس في طرابلس، الا ان هذا الامر لم يتحقق بعد.

مستعدون للحرب

وفي موازاة التهديد بضرب السفن، حركت القوات التي يقودها حفتر الاسبوع الماضي عشرات العربات والاليات العسكرية من بلدة اجدابيا على بعد نحو 900 كلم شرق طرابلس باتجاه ميناء الزويتينة الواقع على بعد حوالى 100 كلم (140 كلم غرب بنغازي) والخاضع لسيطرة حرس المنشآت.

واعتبر جهاز حرس المنشآت ان قوات السلطات في الشرق تسعى إلى وضع يدها على الميناء والتقدم نحو الموانئ الاخرى القريبة منه، مؤكدا استعداد قواته للدفاع عن هذه الموانئ.

وقال المتحدث باسم قوات حرس المنشآت علي الحاسي لوكالة فرانس برس "نحن مستعدون لمواجهة قوات (سلطات الشرق) ولن نسمح لهم بالسيطرة على الموانئ"، مضيفا "نتوقع ان تتخذ (حكومة الوفاق الوطني) موقفا حازما ضد تهديدات" القوات التي يقودها حفتر.

واستبق من جهته رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس مصطفى صنع الله في بيان الاحد النزاع المسلح بدعوة الطرفين الى "الامتناع عن القيام بأعمال من شأنها الإضرار بالبنية التحتية للميناء"، مطالبا "بمنح المؤسسة ممرًا آمنًا الان قبل البدء في أي عمليات وذلك لنقل مخزون النفط في الميناء الى موقع آمن".

ومع استمرار الانقسام في ليبيا، يبقى قطاع النفط رهينة النزاعات السياسية والمسلحة، ليواصل الاقتصاد الانهيار بوتيرة غير مسبوقة مع توقف الخدمات والغلاء في المعيشة والتراجع الكبير للدينار الليبي امام العملات الاجنبية والنقص الحاد في السيولة في المصارف التي تشهد ابوابها صباح كل يوم تجمعات لصفوف من مئات المواطنين العاجزين عن سحب رواتبهم.

ويقول مهندس نفطي يعمل في هذا القطاع منذ 30 عاما ان "ليبيا لن تستطيع اعادة تصدير نفطها قبل استتباب الامن والاستقرار في كل ارجائها".

وتابع المهندس الليبي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه "لا يمكن ان يتحقق هذا الامر (اعادة التصدير بشكل فعال) الا في ظل حكومة قوية موحدة يساندها جيش تمتد سلطته لتشمل كل الاراضي الليبية".

من جهته يرى موديل ان "الاسس ليست متوفرة، والاعلان عن اعادة فتح الموانئ التي لا تعمل بشكل كامل اصلا لن يقلب المسار السياسي راسًا على عقب".