مع قرار المملكة المتحدة بإيقاف نظام التأشيرة الإلكترونية للأردنيين، تسلط الأضواء على قصة مواطن أردني يستلهم رواية أدبية ليلخص آمال الكثيرين بالهجرة إلى "الشمال". وبينما تتباين الآراء حول القرار، يبرز تساؤل حول الأسباب الحقيقية وراء إلغاء التسهيلات التي كانت توفرها هذه التأشيرة.


لربما استشرف، "هـ.ي"، وهو مواطن أردني يقيم في المملكة المتحدة منذ عدة أعوام، مآلات تطبيق التأشيرة الإلكترونية التي تسهّل دخول الأردنيين إلى المملكة المتحدة، حين وصف القرار في كانون الثاني (يناير)، بأنه "موسم الهجرة إلى الشمال".

هذا الوصف مستلهم من رواية عربية مشهورة للكاتب السوداني الطيب صالح، ينقل فيها تجاربه الشخصية في رحلته إلى المملكة المتحدة، ويناقش فيها الثقافة والقيم الغربية.

لكن "هـ.ي" استعار اسم الرواية ليصف مسألة الهجرة بشكل عام، وليس بهدف البحث في تفاصيل القيم الغربية أو التحديات الاجتماعية التي قد تواجه الأشخاص المنتقلين من بيئة ثقافية محددة إلى أخرى مغايرة.

وقال "هـ.ي" في تعليقه: إن معظم الحاصلين على التأشيرات لا ينوون القدوم من أجل السياحة، بل لتحقيق أهداف أخرى كالهجرة، العمل، أو حتى الزواج.

وأعلنت مؤخراً وزارة الخارجية البريطانية إيقاف نظام التأشيرة الإلكترونية للمواطنين الأردنيين الراغبين في زيارة المملكة المتحدة. وجاء هذا القرار بعد سبعة أشهر من تطبيقه، حيث أرجعت السلطات البريطانية هذا الإيقاف إلى ما وصفته بـ"سوء استخدام" هذه التسهيلات من قِبل عدد من المواطنين الذين سافروا إلى المملكة المتحدة.

فيما تقول عمّان إنها أجرت حواراً مع السلطات البريطانية، من خلال سفارة الأردن في لندن، لوضع حلول تعالج مخالفة بعض الأردنيين المسافرين لقوانين الإقامة والهجرة البريطانية، إلا أن استمرار المخالفين في إساءة استخدام هذه التسهيلات، دفع السلطات البريطانية المختصة إلى إعادة النظر في نظام التأشيرات الإلكتروني، والعودة إلى العمل بنظام التأشيرة الاعتيادي السابق، كما كان معمولًا به ما قبل مطلع شباط (فبراير) الماضي.

أسباب القرار
جرى إطلاق نظام التأشيرة الإلكترونية ETA، في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، وكان يقتصر في البداية على قطر، ولكنه توسّع ليشمل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والبحرين والكويت والأردن في شباط (فبراير) الماضي.

وتم اختيار دول الشرق الأوسط لتجربة المخطط لأنها تمثل أعلى عدد من السياح، حيث تظهر بيانات التتبع البريطانية أن ثلاثة أرباع زوار العطلات من دولة الإمارات العربية المتحدة وأنهم يقومون بزيارات متكررة إلى بريطانيا.

ولكن السلطات البريطانية تقول إنها سجلت زيادة في عدد الأردنيين المسافرين إلى المملكة المتحدة لطلب اللجوء، حيث ارتفعت حالات إعادة القادمين (رفض دخولهم) من 22 في الربع الأول من هذا العام، إلى 463 في الأشهر الثلاثة حتى حزيران (يونيو).

وقد سبق تسجيل هذه المخالفات، عشرات المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل راغبين بالسفر بهدف اللجوء أو الزواج أو العمل، وتسأل عن تكاليف العيش، وأماكن المبيت، والمساحات الآمنة.

وتُعلل عادة أسباب الرفض لعدم قدوم الأشخاص بنية الزيارة، بل لأغراض لا تسمح لهم التأشيرة الإلكترونية القيام بها.

ارتفاع عدد طلبات اللجوء
ولم تقتصر الأرقام الرسمية البريطانية على حالات رفض الدخول التي سجلها أفراد أمن الحدود، بل تعداها لتلك التي سجلتها السلطات والمتعلقة بطلبات اللجوء بعد الدخول إلى اراضي المملكو المتحدة.
فقد ارتفع عدد طلبات اللجوء التي قدمها مواطنون أردنيون بشكل كبير، من 17 طلباً في الربع الأخير من عام 2023 إلى 77 طلباً في الربع الأول من عام 2024، و261 طلباً في الربع الثاني، أي بمقدار نحو 14 ضعفاً.

وقد ناقش إعلام أردني محلي -خلال فترة السماح بدخول الحاصلين على التأشيرة الإلكترونية- صوراً لأشخاص جرى تداولها، يُقال إنهم "تشردوا" في الشوارع بعد وصولهم مدن المملكة المتحدة، حيث تظهر تلك الصور، خيم قماشية فرشت على جنبات الطرقات.

ومع توالي الحالات المخالفة، رفضت السلطات البريطانية، في حزيران (يونيو) الماضي دخول أعداد كبيرة من الأردنيين إلى أراضيها، ما أدى إلى احتجاز عدد منهم في المطارات.

ودعا ذلك وزارة الخارجية الأردنية للإعلان عن متابعتها القضية، مبينة أن المعلومات الأولية تشير إلى أن المحتجزين خالفوا قوانين الإقامة والهجرة، بما في ذلك التعليمات المتعلقة بالحجوزات الفندقية وشروط الدخول إلى المملكة المتحدة.

وأنها -أي الخارجية- تواصل جهودها مع السلطات البريطانية المعنية لتأمين عودتهم ومعرفة الأسباب الكاملة التي أدت إلى منعهم من الدخول إلى الأراضي البريطانية.

لماذا يغادر الأردنيون بنيّة الهجرة؟
وفق تقرير للباروميتر العربي، وهي شبكة بحثية مستقلة وغير حزبيّة تقوم بإجراء استطلاعات للرأي العام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن نصف الأردنيين الحاصلين على تعليم عالٍ يرغبون في الهجرة، مقارنةً بـ38 في المئة ممن لديهم مستويات تعليمية أقل.

وبالرغم من أنّ نسبة الأردنيين الراغبين في الهجرة شهدت تراجعاً بمقدار 6 نقاط مئوية، حيث انخفضت من 48 في المئة في عام 2022 إلى 42 في المئة في عام 2024، إلا أن النسبة الحالية لا تزال أعلى من أي مستوى تم تسجيله قبل عام 2018.

وتأتي الدوافع الاقتصادية على رأس قائمة الأسباب التي تدفع الأردنيين وغيرهم ممن شملهم الاستطلاع إلى التفكير في الهجرة، حيث بلغت النسبة في الأردن 90 في المئة، وفق ذات المركز البحثي.

وتشير الدراسة إلى أن العديد من الأفراد مستعدون للهجرة بأي وسيلة، حتى لو كان ذلك عبر اللجوء إلى طرق غير قانونية ودون توفر الوثائق الرسمية اللازمة.
وتصل نسبة الأردنيين الذين قالوا في دراسة للباروميتر العربي، إنهم مستعدون لمغادرة البلاد حتى من دون الحصول على التصاريح والأوراق اللازمة إلى 19 في المئة، وهي نسبة منخفضة مقارنة بدول الجوار والمنطقة.

ما الوضع القانوني لحاملي التأشيرة؟
بدأت فترة انتقالية للأردنيين للتكيف مع القرار الجديد، اعتباراً من يوم 10 أيلول (سبتمبر) 2024 حتى يوم 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2024 حيث يمكن للمسافرين الذين حجزوا سفرهم قبل يوم 10 أيلول (سبتمبر) 2024 والذين يصلون إلى المملكة المتحدة قبل يوم 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2024 السفر على تصريح سفر إلكتروني حالي دون الحاجة إلى تأشيرة.
وبعد هذه المدد سيحتاج المواطن الأردني الزائر إلى تأشيرة ورقية، كما كان عليه الوضع في السابق، حيث ستُعد جميع التأشيرات الصادرة خلال الفترة الماضية لاغية.
وتقول الخارجية البريطانية إنه لا يمكن لمَن تقدم سابقاً بالحصول على التأشيرة، المطالبة باسترداد أموال تصريح السفر الإلكتروني والتي تبلغت قيمتها نحو 10 جنيهات استرلينية (نحو 14 دولاراً).

ووجه السفير البريطاني في عمّان، فيليب هول، رسالة حول وقف بلاده نظام تصريح السفر الإلكتروني للمواطنين الأردنيين، مشيراً إلى أن بلاده اضطرت لاتخاذ هذه الخطوة بسبب "إساءة استخدام" هذا النظام من قبل أقلية من المسافرين الأردنيين.

وقال هول في رسالة مصورة بثتها صفحة السفارة البريطانية في الأردن على موقع التواصل الاجتماعي إكس: "استفادت الغالبية من المسافرين من نظام السفر إلى المملكة المتحدة دون أي مشكلة، لكننا اضطررنا إلى اتخاذ هذه الخطوة بسبب أقلية صغيرة أساءت استخدام نظام الهجرة لدينا".

ردود فعل ما بعد القرار؟
قد خيب القرار أمل الكثيرين ممن خططوا للقيام برحلات سياحية إلى المملكة المتحدة، بعد أن أصبحت الإجراءات أكثر تعقيداً عقب إلغاء التأشيرة التي كانت توفر وقتاً وجهداً كبيرين مقارنة بالنظام القديم.
فيما وجد آخرون أنهم تحملوا وزر غيرهم ممن خالف وانتهك الإجراءات القانونية، ويرون ظلما في أن يعامل الملتزم كما المخالف.
ولم تغب التعليقات التي تنتقد القرار وتراه ذا أبعاد سياسية ليس إلا، ويطالب أصحابها باستعادة رسوم إصدار التأشيرة التي لم يستخدموها بعد، حيث إن صلاحيتها كانت لمدة سنتين أو لإنتهاء جواز السفر (أيهما يسبق).

"س.ع"، أردني كان يخطط لرحلة سياحية مع عائلته، عبّر عن استيائه قائلاً: "التأشيرة الإلكترونية أسهل بكثير، ولا تتطلب كل تلك الأوراق والإجراءات المعقدة، العودة للتأشيرة التقليدية يعني المزيد من التأخير والإجراءات المكلفة".

"ف.م"، صاحب شركة سياحة، قال: "كنا نشجع السياحة الخارجية بشكل كبير، والمملكة المتحدة كانت من الوجهات المفضلة، لكن مع هذا القرار، أتوقع أن الكثير من مريدي السفر سيفضلون وجهات أخرى أقل تعقيداً"
ومع هذا، ألقى العديد من الأردنيين باللوم على من استغلوا التأشيرة بطرق غير مشروعة، إما بهدف الهجرة أو البقاء في المملكة المتحدة لفترة تتجاوز الحد المسموح به، وهو ستة أشهر.

في المقابل، يرى البعض أن "السعي وراء لقمة العيش" وتحسين الظروف المادية هو حق مشروع لكل إنسان، خاصة عندما يعجز عن تحقيق مستقبل أفضل في وطنه بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، على حد تعبيرهم.


بريكست والاتحاد الأوربي: الكشف عن تأشيرة صحة ورعاية خاصة بالهجرة بعد خروج بريطانيا
فلسطينيون بريطانيون يطالبون بنظام تأشيرة لأقاربهم المحاصرين في غزة أسوة بالأوكرانيين

ما هي التأشيرة الإلكترونية ETA؟
تصريح السفر الإلكتروني (ETA) يحل محل النظام الإلكتروني للإعفاء من التأشيرة (EVW) الذي يقدم أغلب مواطني دول الخليج طلبات التأشيرة بموجبه، ويعتبر طريقة مُحَسَّنة لتقديم التأشيرة ويكلف 10 جنيهات إسترليني، أي ثلث تكلفة نظام التأشيرة القديم.

ويتيح التصريح السفر لزيارات غير محددة العدد إلى المملكة المتحدة على مدى سنتين، أو إلى حين انتهاء صلاحية جواز السفر – أيهما يحل أولا. والانتقال إلى تصريح السفر الإلكتروني (ETA) يعني انتفاء الحاجة إلى تأشيرة عادية للزيارات القصيرة إلى المملكة المتحدة.

عند تقديم طلب تصريح السفر الإلكتروني (ETA)، يلزم على مقدمي الطلب إعطاء معلومات بيولوجية وبيومترية، والإجابة على أسئلة تتعلق بالسجل الجنائي وأهلية الحصول على هذا التصريح.

وتضمن عملية تقديم الطلب هذه، عدم استطاعة من يشكلون خطراً على أمن المملكة المتحدة، كالمجرمين مثلا، السفر إليها.
وبمجرد النجاح في تقديم الطلب، يرتبط تصريح السفر الإلكتروني (ETA) رقميّاً بجواز سفر مقدم الطلب.
وبالرغم من أن معالجة طلب التصريح تستغرق عادة ثلاثة أيام، فإنه يمكن اتخاذ قرار بشأن أغلب الطلبات في غضون ساعات فقط.

طوابير طويلة عند نقطة تفتيش حدودية في المملكة المتحدة، بعد خلل في نظام البوابة الإلكترونية في مطار هيثرو
Getty Images

لكن النظام تعرض للانتقاد، فقد أشار مطار هيثرو إلى أن نظام شهادات السفر الإلكترونية كان سبباً في انخفاض عدد ركاب التحويل "الترانزيت" بمقدار 90 ألف راكب على المسارات المشمولة منذ بدء تطبيقه.ووصف المطار هذا النظام بأنه "مدمر لقدرتنا التنافسية كمركز للطيران"، وطالب الحكومة بمراجعة قراراتها بشأن شمول ركاب الترانزيت، فيما ادعت الحكومة أن نظام شهادات السفر الإلكترونية يعزز أمن الحدود البريطانية من خلال تحسين معرفة المسؤولين بالزوار المتوقعين ومنع دخول من يشكلون تهديداً، وأن الإجراءات الأمنية القوية تسهم في الحد من "إساءة استخدام نظام الهجرة".