تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر مؤخراً تعليقاً مثيراً حول منجم السكري، واصفين إياه بأنه أكبر منجم ذهب مكشوف على مستوى العالم ويحتوي على كتلة من الذهب تزن مليون طن. جاء هذا التعليق بعد الإعلان عن استحواذ شركة "أنغلو غولد أشانتي" على منافستها "سنتامين"، التي تدير منجم السكري.

وفي الوقت الذي أكد فيه رئيس الوزراء المصري خلال مؤتمر صحفي أن الصفقة لن تؤثر على حقوق الدولة المصرية أو حصتها في المنجم، أثيرت تساؤلات عدة بشأن السبب وراء لجوء مصر للشركات الأجنبية للتنقيب عن الذهب، ومدى استفادة البلاد من هذا المنجم، ولماذا لا توجد شركات تنقيب مصرية بحتة، وما هي المراحل التي تمر بها عملية التنقيب.

كيف تمت الصفقة؟
أما عن تفاصيل الصفقة، فقد أعلنت "أنغلو غولد أشانتي"، المدرجة في بورصة نيويورك، أنها ستقوم بشراء جميع أسهم واستثمارات شركة "سنتامين" عبر صفقة بلغت قيمتها 2.5 مليار دولار. بهذه الصفقة، ستحصل "أنغلو غولد" على ملكية كاملة لمنجم السكري الذي تديره "سنتامين" في مصر.

تصف شركة "أنجلو جولد" - سادس أكبر شركة تعدين للذهب على مستوى العالم - والتي يقع مقرها الرئيسي في جوهانسبرج بجنوب افريقيا، ومدرجة في بورصة نيويورك، منجم السكري بأنه "أصل عالمي من الدرجة الأولى" يتميز بتكاليف تشغيل تنافسية وإمكانات تطوير واعدة.
من جهتها أكدت وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر على أن شركة "السكري لمناجم الذهب" ستظل الشركة المشتركة بين مصر والشركة المستحوذة على سنتامين والقائمة على العمليات كما هي دون أي تعديل. وتمتلك الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية 50 بالمئة من الشركة، وشركة "سنتامين" (التي سوف تستحوذ عليها شركة أنغلو غولد أشانتي) النسبة المتبقية.

متى ظهر ذهب السكري؟
"اتفاقية التنقيب عن الذهب في منجم السكري موقعة وسارية منذ التسعينات،" هذا ما يقوله عبد الله غراب وزير البترول المصري السابق لبي بي سي.
يشرح غراب: "بموجب الاتفاقية بين الطرفين، الحكومة المصرية والمقاول الذي يحصل على حق التنفيذ، يتحمل المقاول على نفقته الخاصة مخاطر الاستكشاف ثم تحصل الحكومة على نسبتها بعد استخراج الذهب".
ولذلك يرى غراب "أن الاتفاقية لا تمس الحكومة بشيء، ولا تحتاج الشركة إلى موافقة الحكومة المصرية قبل إتمام عملية البيع، لأن هناك بند في الاتفاقية يضمن للشريك التنازل لأي شركة أخرى، الشرط الوحيد أن تعتمد الحكومة المصرية ممثلة في وزير البترول عملية البيع بعد تعهد الشريك بالالتزام بجميع بنود الاتفاقية في استخراج الذهب".

ووقّعت هيئة الثروة المعدنية المصرية مع الشركة الفرعونية لمناجم الذهب- التابعة لـ "سنتامين"- اتفاقية عام 1994، وتم الإعلان عن الكشف التجاري، وتأسيس شركة لتنفيذ العمليات تحت اسم "السكري لمناجم الذهب" بدأت الإنتاج عام 2009 ككيان مشترك بين "سنتامين" والهيئة.
ووفق عمرو حسونة المدير التنفيذي لشركتي السكري لمناجم الذهب و"سنتامين" مصر، حصلت الحكومة المصرية، ممثلة في الهيئة المصرية للثروة المعدنية، على دخل مباشر من منجم السكري بقيمة تجاوزت المليار دولار بين حصص أرباح واتاوات، منذ بداية المشروع حتى نهاية حزيران (يونيو) الماضي.
ووفقا للاتفاقية تدفع الشركة 3% إتاوة من إجمالي إيراد المبيعات، ويتم تقاسم الأرباح بعد استرداد التكاليف والمصروفات.

ويعتبر غراب الصفقة إشارة جيدة أمام المستثمرين الأجانب "أن تقرر شركة دفع 2.5 مليار دولار، فهذا يعني أن منطقة التنقيب آمنة وواعدة، ما يروج بشكل أكبر لقطاع التعدين المصري".
ويضيف غراب "سيزيد إنتاج شركة "أنغلو غولد" بما يقرب من 500 ألف أونصة من الذهب سنوياً، ما سيرفع إجمالي إنتاجها السنوي إلى أكثر من 3 ملايين أونصة، والنتيجة أن الحكومة المصرية، أو "صاحب البيت" كما نقول في اللهجة العامية، زادت قيمة ممتلكاتها دون بذل أي مجهود".

من يبحث عن الذهب في مصر؟
يقول الجيولوجي أسامة فاروق رئيس هيئة الثروة المعدنية السابق لبي بي سي إنه "ليست كل الشركات التي تنقب عن الذهب في مصر أجنبية".
في آذار (مارس) 2021 نظمت الهيئة المصرية للثروة المعدنية مزايدة للبحث عن مناجم جديدة للمعادن. فازت 11 شركة وكان منها ثلاث شركات مصرية على مساحة 14 ألف كيلو متر مربع بالصحراء الشرقية من المناطق التي تم طرحها باستثمارات بحد أدنى 60 مليون دولار في مراحل البحث الأولى.

"الشركات الفائزة أمامها مهلة 8 سنوات لاكتشاف مناجم الذهب، وإذا تم ذلك سيتم تكوين شركات للتنقيب وفقا للقانون الجديد عام 2019،" بحسب فاروق.

ووفقا لقانون عام 1994 كانت مصر تتقاسم الأرباح مع الشريك الأجنبي بعد دفع الضريبة و الإتاوة التي كانت تقدر بقيمة 3 بالمئة، وكانت تتحمل الدولة الضرائب والجمارك ، وهذا مستمر في حالة منجم السكري والمناجم المكتشفة في السابق.

ويضيف فاروق: "أما وفقا لقانون عام 2019 الجديد يتم التعاقد مع الشركة المنقبة عن الذهب مثلها مثل أي شركة أجنبية تعمل في مصر، تدفع الضرائب والجمارك ثم تدفع 15 بالمئة من صافي أرباح، أي أنها شركة أجنبية تدفع كل مستحقات الدولة ثم يتم احتساب الأرباح، وتم رفع نسبة الإتاوة إلى 5 و6 بالمئة".

ويؤكد فاروق أن القانون الجديد مماثل لما تعمل به جميع دول العالم، وسيتم تطبيقه على المناجم التي سوف يتم اكتشافها.

سجل حجم إنتاج الذهب في مصر نحو 559 ألف أونصة خلال العام المالي 2023-2024، ويأتي أغلبه من منجم السكري في الصحراء الشرقية، بالإضافة إلى منجمي "حمش" و"إيقات". ويُعَدّ "السكري" المنجم الوحيد لاستخراج الذهب بشكلٍ تجاري في مصر.

ما هو مستقبل الذهب المصري؟
يقول ممدوح سلامة خبير التعدين والطاقة إن نظام اقتسام الأرباح هو نظام عالمي مطبق في كل دول العالم التي تنقب عن معادن أو غاز، مثل تعاقد الحكومة المصرية مع شركة إينى الإيطالية للتنقيب عن الغاز.
وينصح سلامة "أن يستفيد خبراء التعدين المصريون من خبرات الشركات الأجنبية سعيا لتنقيب مصر بنفسها في المستقبل عن الذهب بدلا من الاستعانة بشريك أجنبي يقاسمها الأرباح".

بينما يرى عبد الله غراب وزير البترول والثروة المعدنية المصري الأسبق "أنه لا يمكن الاستغناء عن الشريك الأجنبي في التنقيب عن المعادن، لأنه قد يصرف 100 مليون جنيه في البحث فقط، ولا يتوصل إلى اكتشاف، إذا فالحكومة المصرية هي المستفيد لأنها لن تستطيع تحمل تكاليف البحث والتنقيب".
وحقق إنتاج منجم السكرى 5.2 مليون أوقية من الذهب منذ بدء الإنتاج وحتى نهاية فبراير الماضي 2023، بسب بيانات رسمية لوزارة البترول والثروة المعدنية المصرية. وتستهدف الوزارة البترول الوصول بالإنتاج إلى 800 ألف أوقية بحلول عام 2030.
وزاد اهتمام الحكومة المصرية بأنشطة التعدين لزيادة احتياطاتها من الذهب، ورفع العوائد الاقتصادية للبلاد في ظل أزمة اقتصادية حادة مرت بها مؤخرا ونقص كبير في العوائد الدولارية في البلاد.