الحياة بشكل المصري ..وحكاياها
شباب يبيع اعضاء ه.. كي لا يجوع

يظهر اثار عملية استئصال احدى كليتيه _خاص إيلاف
احمد عبد المنعم من القاهرة : لم يتمالك أحمد ذلك الشاب المصري الذي قارب على نهاية العقد الثالث من عمره نفسه عندما استفاق من غيبوبته ليجد نفسه وقد فقد احدى quot;كليتيهquot; .. هو بالفعل تنازل عنها بكامل ارادته مقابل مبلغ من المال الامر الذي اعتبره صفقة رابحة حينها لكن الوضع اختلف تماما حين بدأ مفعول المخدر يختفي تدريجيا من جسده النحيل بعد جراحة استغرقت بضع ساعات تك اقتطاعا قطعة من جسده خلالها .
استفق ليضع يده مكان quot;الكليةquot; المفقودة ودون أن يشعر اخذت دموعه تنهمر لا لما يعانيه من ألام ما بعد الجراحة وانما لاحواله البائسة التي ارغمته على التنازل عن جزء من جسده .


عاد أحمد بالذاكرة الى الوراء .. بضع سنوات.. حينها كان ما زال طالبا في سنته الاخيرة في المدرسة الصناعية . لم يحلم - شأن أقرانه - بالجامعة ولم يذهب بخياله الى البحث عن حياة اللعب واللهو ، كل ما كان يفكر به أنه سيترك المدرسة ويخرج للعمل لينفق على أمه وشقيقاته الثلاث اللائي تركهن الوالد يصارعن الحياة بقسوتها . .

رحل والده عن الدنيا فى سن مبكر بعد أن حمله مسؤولية رعاية أمه وشقيقاته الثلاث .

انتظر ذلك اليوم الذي ينتهي فيه من الدراسة ويتفرغ للعمل خاصة وأن ما تحصل عليه الأسرة من معاش الوالد لم يعد يكفي لشراء الخبز وحده . نال ما كان يصبو اليه وأنهى دراسته في المدرسة الصناعية وبدأت رحلة البحث عن عمل، مشوار من المعاناة والألم قطعه قبل أن يصل الى العمل في مقهى شعبي يقدم فيه الطلبات للزبائن .

لم يكن هذا العمل ليرضي طموحه ولكنه الفرصة الوحيدة المتاحة أمامه والتي وضعت حدا لبقائه فى المجلس .. قضى ما يقارب العامين في هذه الوظيفة ليغادرها بعد ذلك الى عمل آخر اعتبره أفضل لان المقابل المادي افضل .

عمله الجديد لم يكن يختلف كثيرا عن سابقه، فعليه أيضا أن يقدم الطلبات للزبائن ولكن هذه المرة في مطعم في وسط القاهرة حيث لا تخلو المطاعم من أعداد ليست بالقلية من الزبائن في كل زمان ومكان مهما كان متواضعا وهو ما يعنى مزيدا من الدخل المادي الذي كان يستنفذ قواه مقابل 300 جنيه شهريا -50 دولارا- ، الآن هو يحصل على ضعف هذا المبلغ وبمجهود أقل .

عاش أياما من السعادة بعد أن تمكن من توفير الحد الأدنى من احتياجات أسرته البسيطة ، ولكن القدر لم يمهله طويلا لينعم بهذا الشعور فسرعان ما فقد هذا العمل بعد أن عاد اليه الشخص الذي كان قد حل محله طيلة الشهرين اللذين عمل فيهما بالمطعم .. حاول العودة الى المقهى فوجد من حل محله .. اضطر للعودة الى منزله كعاطل عن العمل حتى عثر على فرصة للعمل كحارس أمن لعقار في حي المهندسين .

المبلغ الذى يتقاضاه كان اقل كثيرا من ذلك الذي كان يتقاضاه في المطعم وأقل ايضا من راتب المقهى ولكن ما بيده ان يفعل ، فعليه القبول بالأمر الواقع بانتظار الافضل هذه المدة . طال انتظاره دون جدوى وكلما مر الوقت زادت مشاعر الألم التي بدأت تتملكه خاصة مع مشاهدة الثراء والرفاهية التي كانت تمر أمام عينيه صباحا مساء لأناس يملكون سيارات يمكن لثمن أحداها أن تحل مشكلة أسرة بأكملها بل وتنقلها من قائمة الفقراء الى قائمة الأثرياء .
أناس لم يعرف الحزن الطريق الي قلوبهم ما أن يفرغوا من نزهة حتى يكونوا قد استعدوا لأخرى وما أن يخفت صوت موسيقي الحفل الصاخب الذي أقاموه حتى يكونوا قد بدأوا بالدعوة للحفل الثاني.. المشاكل لا تعرف منازلهم والعثرات المادية أيضا تجهل طريقها اليهم .

كان يتابع حياة أولئك الناس عن قرب بعد أن ظل يشاهدهم علي شاشة التلفاز ويسمع عنهم في جلسات المقاهي ، لم يعترض يوما علي قضاء الله وقدره quot;فلله في خلقه شؤونquot; ..فقط ما كان يجعله يشعر بالمرارة هو عدم قدرته علي تامين باحتياجات شقيقاته بعد أن كبرن وزادت معهن متطلباتهن . فلكبرى تحتاج الى كثير من المال لشراء لوازم العرس من أثاث وملابس وغيرهما من المتطلبات الضرورية بعد ان طالت فترة خطبتها وبات العريس في حالة من الضيق لعدم قدرة الأنسة على الوفاء بالمتطلبات اللازمة لأتمام الزواج اما الشقيقتين الاخريتين فليستا بحال افضل .

مصاريف الدراسة تثقل كاهله خصوصا وأنهما في المرحلة الثانوية التي تتضاعف فيها المصروفات . أمه المريضة أيضا بحاجة الى ميزانية خاصة لشراء ما يلزمها من أدوية تخفف ما تشعر به من ألام أمراض عدة .


خاص إيلاف
حاول بعض رفاق السوء جره للقيام بأعمال خارجة عن القانون لاستغلال عمله كحارس أمن لعقار يقطنه الأثرياء ولكنه رفض بشدة خوفا على أسرته من مستقبل مجهول في حال انكشف أمره وتمسكا بحلم ظل يراوده منذ سنوات بأن يجعل الله من مخرجا من حيث لا يحتسب .

مرت الأيام ومضت السنون وبقي الحال على ما هو عليه ولم يستطع الوفاء بمتطلبات شقيقته الكبرى ولا بمصاريف شقيقتيه بدأ اليأس يعرف طريقه الى قلبه حتى أضطر للتفكير في عرض كان قد تلقاه من جار له بالتبرع بكليته مقابل 15 ألف جنيه - 2500 دولار- حينما كان يحدوه الأمل في مستقبل أفضل تتحسن فيه أحواله حتى أدرك أخيرا استحالة ما كان يراوده من أحلام الأن عليه النزول الى اسفل الواقع والقبول بالتنازل عن كليته لمن يدفع ثمنها.
كان من الصعب عليه أن يخبر أسرته بما سيقدم عليه ومن هنا كان قراره بالدخول الى المستشفى بهدوء بعد أن أخبر أسرته بأنه سيغيب عن المنزل لعشرة أيام بسبب ضغط العمل. أجرى كافه الفحوصات المطلوبة حتى جاء الموعد المحدود لاستقطاع كليته ,,دخل غرفة العمليات وهو في حالة من الهدوء النفسي وخرج منها وقد فقد كليته ومعها ذلك الشعور انتابته حالة من الغليان الداخلي والسخط على وضعه البائس الذي جعله يفرط بجزء من جسده حتى وأن كان على يقين من أنه الحل الوحيد ليتخلص من معاناته مع العوز المادي الذي يطارده منذ وفاة والده وتحمل مسؤولية الأسرة .

الشئ الوحيد الذي قلل من وطأة الصدمة على نفسه أنه ليس أول من يبيع كليته فهناك المئات من الشباب الذين سبقوه الى تلك الخطوة وهناك الألأف غيره ينتظرون دورهم في صف طويل .ما يقلقه فقط هو بعد أن ينفق ما حصل عليه من مال .. أي عضو في جسده سيبيع في المرة التالية ؟!!

تصوير احمد عبد المنعم

[email protected]