سارة مطر من الدمام: في لبنان الذي أحب، يتكلم الشباب من الجنسين أكثر من لغة، هذا إذا ما علمنا أن اللغة الفرنسية تأتي دائمًا في المرتبة الأولى وقبل العربية. في الوقت الحالي إتجه معظم الشباب اللبناني إلى دراسة اللغة الإنكليزية، نظرًا لشعبيتها ولأنها اللغة الأولى في العالم. إذ إن من النادر أن تجد من يتحدث لغة واحدة فقط، إلى جانب طبعًا لغته العربية التي تخصه وحده، فهو حينما يتحدث بها، تكتشف أنك تحتاج إلى مترجم سريع!

لا خوف على اللغة العربية، كما حدثني جهاد الخازن في لقائي السريع معه في مؤتمر فكر 6، شدّد هو أيضاً على أن تدرّس اللغة الإنكليزية كلغة أولى، مستدركًا أن لا خوف على لغة القرآن!
تخبرني لمى صديقتي بضجر كبير، عن تجربتها الشخصية حينما خرجت مع خطيبها المثقف، والذي يحب أن يتباهى بقراءة شعر الماغوط، نظرًا لتأثره بحداثة فكره، كما أن له محاولات شعرية متعددة، ولأنه لا يملك الجرأة الإعلامية، لكان الآن محمد أحد أشهر الشعراء في السعودية!

ذهبت معه إلى احد مطاعم البحرين الأنيقة، تلك المطاعم التي تعطيك شعور خاص بالبهجة، فالأغاني تخرج من كل مكان، أغاني أو موسيقى تدفعك لأن تدرس كيف لرأسك أن تعمل، وكيف لك أن توقفها عن العمل، وعن التفكير في سذاجات متتالية، لم يسبق للمى أن خرجت مع خطيبها، وكانت فرصة حينما التقيا في المنامة، وفي المطعم، لم يعرف محمد كيف يتكلم مع الجارسونة، التي لا تتحدث سوى الإنكليزية ولغتها الآسيوية بالتأكيد، سقط محمد من عيني لمى، التي أخذت منه دفة الحوار، قرأت قائمة الطعام أو المانيو المكتوب بالإنكليزية، وطلبت ما يمكن لهما أن يتناولاه، لمى تقول: انها لم تستطع أن تتحمل الساعات التي أمضتها برفقة خطيبها المهندس، الذي لم يستطع أن يقرأ قائمة الطعام، أو يتحدث مع الجارسونة!
بالتأكيد هناك خلل.. حينما يصرّ طارق الذي تخرج كإعلامي من جامعة الملك سعود، على أن تكون زوجته القادمة طليقة في اللغة الإنكليزية، حتى يتباهى أمام أصدقائه أن زوجته تتحدث اللغة التي أحب أن يتحدث هو بها!
ذات نهار كنت امضي الوقت في التبضع لدى مجمع الـ ABC في الأشرفية، وكان مزاجي حادًا وساخنًا، إذ كان على حارس الأمن تفتيشك قبل الدخول، كأن تفتح جهاز اللاب توب إن كنت تحمله، وكان ذلك يتطلب وقتًا زمنيًا خاصة إذا ما كنت مرهق، ولتوك عدت من التزلج في فاريا على سبيل المثال؟!

مزاجي الحاد، أو رغبتي في التحرر منه، يدفعني أحيانًا لأن أتحدث بلغة أخرى، وهي اللغة الإنكليزية، في إحدى المحلات أصررت على أن أتحدث مع البائعة اللبنانية، الصغيرة في العمر بالإنكليزية، واكتشفت أنها تتحدثها بسهولة وإن لم تكن بطلاقة الإنكليز، لكنها استطاعت بطريقة ملفتة للانتباه أن تكسب احترامي، ولم ترد على أسئلتي البغيضة باللغة العربية، وتجاوبت معي بطريقة مذهلة.
متى نحتاج إلى أن نتحدث لأكثر من لغة.. في كل مكان، خصوصاً العاملين في المطارات، والذين يجلسون على كراسيهم للتدقيق في جوازاتنا وختمها. عبر جسر الملك فهد، تفاجأت أن احد الموظفين في الجوازات، أراد أن يشرح لرجل أجنبي أن الفيزا تحتاج إلى تعديل، كنت أجلس في سيارتي بينما الرجل كان خارج الكابينة مع الموظف الذي كان يتكلم معه بالإشارة، وحينما شعر بأنه تورط أكثر من اللازم، وإن الأجنبي غرق في شبر مية لشدة خوفه من أن يكون قد اخطأ في أمر ما، صرخ في صديقه، quot; يا أخي دور لنا على واحد يتكلم إنقليزي؟quot;
إنجليزي، أو إنقليزي ..
لا يوجد فرق بين الكلمتين سوى حرف واحد، الأولى تعني هوية..لغة.. دم.. روح.. مشاعر.. لون أبيض.. شعر أشقر.. ربطة عنق زرقاء.. أغنية هوبي... أما الثانية فيقولها شخص لا تفرق لديه الثقافة من اللقافة!
ظهرت في الخمس السنوات الماضية، معاهد كثيرة تؤمل العامة أو الراغبين في تطوير ذواتهم في خلال أيام أو أسابيع، وقد وجدت مندفعين كثر، لكن لم يخرج أحد ليقول لي أنه اكتسب لغته من هذه المعاهد الأثرية، والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، اذكر مرة سألت صديقتي عن المدّرسة التي تعطي دروساً في الجمعية الخيرية، أخبرتني باسم لفت انتباهي، إنها أخت إحدى الصديقات، ولم تكمل حتى دراستها الجامعية، لكنها تحب اللغة الإنجليزية ، ولكن يبقى إستحالة مهنيتها وتأهيلها لأن تكون مدرسة لغة مثلاً، من هنا أدركت أين هي خيبتنا المرّة، تصّور مثلاً خادمة بيتكم تعلم اللغة العربية لجاليتها، بأي حال ستكون لغتنا الثرية!
المعاهد كثيرة ومتوفرة، وحينما تذهب إلى هناك، تستقبلك وجوه لا تبحث إلا عن رائحة النقود، لم أجد معهد خرّج العديد من الشباب يتحدثون بطلاقة ملفتة، وحينما تقدم الامتحان الذي يؤهلك لتحديد مستواك، يخبرك الموظف أنه عليك أن تنتظر حتى يكتمل الصف الدراسي، فلا يمكن فتح صف حتى نطور من لغتك الجاهلة!

اللبنانيون والمصريون أثبتوا مدى جدارتهم في إكتساب اللغة، إما عن طريق الممارسة أو عن طريق المعاهد المتوفرة، في السعودية وبعد مرور أسابيع، ستجد نفسك تغرق في حالة من الملل أو ما يسمى تضييع وقت، إذ إنك لا تستفيد من المحاضرات أو الدروس، كما فعلت إبنة أختي التي تحمست لدراسة اللغة في احد المعاهد، وحتى يكون الحماس أكثر إلى اللغة، طلبت من صديقتيها التسجيل معها، وبعد أسبوعين لم يستطعن إكمال الدروس المقررة عليهن، والسبب يعود إلى أن هناك ثمة أشياء لا تليق بنا، لدينا وجهة نظر غريبة هنا في السعودية، إننا لا نستطيع أن نكتسب اللغة إلا إذا سافرنا إلى الخارج، إي أننا نحتاج إلى من يرغمنا على أن نتعلم، نحتاج إلى من لا يستوعب لغتنا الأم، حتى نستطيع أن نتفهم لغتهم، رغم أن اللبنانين أو حتى المصريين، لا يملكون الوفرة المادية التي لدينا ، لكي يسافروا إلى الخارج ليتعلموا احدى اللغات!

إننا نعاني من مشكلة.. كيف لنا أن نطور أنفسنا، كيف نصبح نموذج مثقف، مدرك لثقافته الشخصية، لكي يتواءم مع الثقافات الأخرى، نعرف كيف نتعاطى مع البلوتوث بسوء استخدامه، ونستعذب إهدار الكثير من الوقت على الشات أو الماسنجر، لكننا لا نعرف كيف يمكن لنا أن نتكلم لغة أخرى غير لغتنا، وعلى الرغم ممّا عرف أن اللغة الإنجليزية لغة سهلة وبسيطة، ولكن قليل من يتقن اللغة كما يجب أن تكون، زين صديقتي تتكلم اللغة الإنجليزية بطلاقة، وتجد أن اكتساب لغة أخرى، يعطيها شعور بالرضا، وأظن أننا جميعًا نريد هذا الشعور بالرضا، ولكن للأسف.. المعاهد كثيرة، والرغبة لدى الجميع، ولكن الملل، والتفكير بأن الدراسة خارج حدود الوطن تبقى هي الفكرة السائدة والخاطئة ايضًا..
والآن..
هل تريد أن تتكلم إنجليزي..
أم أنقليزي؟
فهناك فرق..!!