شهادات حول التطبيع الثقافي مع إسرائيل
سلوى اللوباني من القاهرة: هناك العديد من الكتب التي تضم شهادات لمفكرين وأدباء في قضايا متنوعة سواء أدبية أو فكرية أو سياسية، وتبقى هذه الشهادات كوثيقة لمرحلة تاريخية معينة بكل ما فيها من أحداث وتغيرات، ويُعد الزمن خير ناقد لهذه الشهادات من حيث أهميتها أو مدى تأثيرها على المجتمع، وقد استوقفني كتاب quot;شهادات في الفكر والسياسةquot; لسليمان الحكيم ndash;دار الهلال 2006- لاحتوائه على شهادات لعدد من الشعراء والكتاب والمفكرين من مختلف البلاد العربية، وهي شهادات قدموها من خلال لقاءات صحفية أجراها الكاتب قبل عدة سنوات باستثناء لقائه مع الكاتب quot;جمال الغيطانيquot; الذي أجري هذا العام، ونقدم هنا بعض من هذه الشهادات التي أدلى بها أصحابها حول قضية التطبيع الثقافي مع إسرائيل... ولكن الملفت للنظر في سير هذه الحوارات أن معظم الادباء والمفكرين المصريين لم يوجه لهم الكاتب سؤاله المتكرر في باقي الحوارات وهو التطبيع الثقافي مع اسرائيل، بالرغم من أن هذه الحوارات جميعها أجريت في نفس العام وهو 1997 ونشرت في نفس المجلة وهي مجلة quot;سطور القاهريةquot;، حيث أن الكاتب وضح في مقدمة كتابه أن غايته كانت من هذه الحوارات مع مجموعة من المثقفين هي محاولة اكتشاف العالم الافضل الذي يفكرون فيه وله.. ولعل بعض رجالات السياسة يطالعونها ليدركوا أي عالم سئ صنعوه لنا، مستنكراً الكوارث التي أوقعنا فيها السياسيون بقراراتهم التي كان ينقصها كثير من الأدب..فكل كارثة أو أزمة الا وكان وراءها سياسي مغرور أو جاهل لم يصب شيئا من أدب.. فلم يصبنا سوى العثرات وسوء الحظ، وكان قد أشار الى هزيمة 1967 كما أشار لسياسات الرئيس الراحل أنور السادات، فعلى سبيل المثال لم يوجه سؤاله عن التطبيع الثقافي مع اسرائيل للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، للمفكر محمود أمين العالم، للكاتب جمال الغيطاني، د.جابر عصفور، فدارت معظم الاسئلة حول حال الثقافة المصرية والجوائز الادبية.
الشاعر أدونيس:
يعتبر أن التطبيع دعوة سياسية و لا علاقة للمثقفين بها، فالسياسيون وحدهم هم المدعوون لمناقشة هذه القضية، كما يعتبر أن كل مثقف يدعو اليها هو حر ومسئول عما يقول، ما أدونيس فيعتبر أن إسرائيل كياناً عسكرياً جاء لغزونا، وليس هناك مجتمع اسمه اسرائيل، فيقول بإنها مجرد معسكر يعيش على فكرة الغزو والحرب، وأجاب بالرفض في حال تم توجيه دعوة له لزيارة إسرائيل، وعن رأيه في التطبيع الثقافي مع المثقفين الاسرائيلين قال.. بأن اسرائيل ليس لديها ثقافة، فما يسميه البعض ثقافة اسرائيلية ليس سوى ثقافات الامم والشعوب التي جاء منها المثقفون في اسرائيل، فليس لديهم سوى التكنولوجيا التي يجلبونها من الغرب، كما أضاف بأننا لسنا في حاجة الى التطبيع مع إسرائيل لانه ليس هناك ما يعطونه لنا، لكن نحن لدينا الكثير الذي نعطيه لهم كمثقفين وقد أخذوا منا على مر العصور ثقافتنا وموسيقانا وأغانينا..ولغتنا، ليخلص بشهادته بأنهم هم المعنيون بالتطبيع وليس نحن..فلا خوف علينا منهم لانهم لا يملكون شيئا يمكن أن يؤثروا به.
الشاعر عبد الوهاب البياتي:
يعتبر أن الحديث عن قضية تطبيع العلاقات مع الاسرائيلين كمثقفين شئ مشروع ولكنه لا يخاف لان الثقافة العربية بالذات تعاقب على غزوها أجانب كثيرون ومن كل جانب، قديماً وحديثاً ولكن الغزاة انحسروا وذابوا ومنهم من أصبح جزءا في نسيج تلك الثقافة العربية، بعد أن تجاوب معها واستجاب لها، إضافة الى أن الاستعمار حاول اذابة الثقافة العربية أو طبعها بالطابع الغربي الا أن الثقافة العربية ظلت تقاوم تلك المحاولات، ولا يعتبر أن إقراره بعدم الخوف من التطبيع يعني أنه مرحب بذلك أو موافقته عليه، وأضاف حتى لو ارغمنا عليه فانه لن يكون ولن يكتب له النجاح لان هناك رفض يجري في العروق مجرى الدم ولا يمكن تغييره الا بتغيير الدم العربي ذاته، ولكنه أوضح بأن هذا مختلف عن الحوار الحضاري والانساني بين الثقافات والشعوب الذي لا يتم بطريق القصر أو الاجبار، لان ما يجري الان هو محاولة للاجبار على شئ وهمي وغير موجود في الواقع.
الشاعر محمود درويش:
يرى أن معرفة الآخر مسألة ثقافية أو هم ثقافي انساني وهي عملية ضرورية، لان بمعرفة الاخر نزداد معرفة بالذات، هذا في المطلق كما يقول، أما فيما يتعلق بما يجري عنه بشكل سياسي عن التطبيع الاسرائيلي العربي فهو يعتقد أن كثيراً من المثقفين العرب مطالبون بالتدقيق في المصطلح وصياغة مفهوم شبه مشترك حول معنى التطبيع الثقافي، كما أضاف أن هناك تبسيط للمسألة فالبعض يرى أن لقاء بين كاتبين حدهما عربي والاخر اسرائيلي حول فنجان قهوة مثلا هو تطبيع ثقافي، وهناك من يعتقد أن قراءة كتاب اسرائيلي هو تطبيع وبخاصة في عصر انفتاح الوعي الانساني على غزو الفضاء ليست هناك حدود بين ثقافات، وأضاف أن التطبيع الثقافي لا يتم قسراً فلا يمكنك أن ترغم مجتمع بكامله على الاعجاب بمجتمع آخر أو بأدبه أو ثقافته، فقوة التعبير الانساني في أي ثقافة هي التي تجعلها قادرة على اختراق الاخر والنفاذ اليه بسهولة واقامة الحوار معه، ومن هنا يعتبر أن الذين يخشون التطبيع الثقافي بمعناه العميق هم الاسرائيليون انفسهم.
سميح القاسم:
ليس لدى اسرائيل ثقافة تغزوني بها..هكذا أجاب وأكمل بان ثقافته العربية تمكنت من صد غزوات كثيرة بريطانية وفرنسية وامريكية فلا خوف من ثقافة لا تزال تعيش في طور التشكيل والتكوين وهي الثقافة العبرية أو الاسرائيلية، وأضاف بان 60% من الاسرائيلين أنفسهم ثقافتهم عربية اسلامية لانهم أبناء شعوب عربية، لذلك يعتبر أن الحديث عن الغزو الثقافي وخطر التطبيع هو تهريج ضحل حول فزاعة أو خيال مآتة، أما عن الحوار العربي الاسرائيلي فهو مع هذا الحوار فهو من سمات الناس المتحضرين ونحن متحضرون ولا نخاف من الحوار لاننا على حق، وانهى إجابته بأنه سيظل يحاورهم من اجل شعبه ووطنه وامته وحضارته العربية والاسلامية، كما يعتبر مصطلح التطبيع هو للالتفاف على حقائق سياسية.
الشاعر سعدي يوسف:
يرى أنها قضية مطروحة على السياسيين..وليست مطروحة على المثقفين، فالمثقفين برأيه ابرياء من هذه القضية، ولا يرحب بالجلوس والحوار مع كاتب أو شاعر اسرائيلي أو المشاركة في مهرجان للشعر العربي في اسرائيل، كما لا يرى ان هناك حاجة لحدوث مثل ذلك.
الأديب غالب هلسا:
وعن رأيه في إميل حبيبي وموقفه المهادن والمتصالح مع اسرائيل أجاب أن quot;اميل حبيبيquot; وغيره من الكتاب المتصالحين قد استوعبوا داخل المؤسسة الاسرائيلية وquot;راكاحquot; حزبهم الذي ينتمون اليه جزء من هذه المؤسسة الصهيونية، وأضاف بأن اميل حبيبي في مناقشاته يرجو غيره من المثقفين العرب الا يثيروا مسألة الحقوق العربية في فلسطين لان ذلك في رأيه يسبب حساسيات، ويضيف مستغرباً الى هذا القدر يحرص إميل على المشاعر الاسرائيلية وأن كل ما قدمه في فكره وادبه هو اجابة عن السؤال المطروح: كيف يندمج هذا الشعب الفلسطيني مع الاسرائيلي ويصبح جزءا منهم؟ وهو ضد التفرقة العنصرية.. بمعنى لماذا لا يقبل الاسرائيليون العرب كجزء منهم وكأن مشكلة اسرائيل مشكلة تفرقة عنصرية وليست مشكلة احتلال والغاء لوطن، كما تحدث عن نكتة مشهورة لاميل حبيبي وهي quot;إنضم الى راكاح وتفرج على العالمquot; لانه يقضي معظم أيامه مسافراً الى دول أوروبا على حساب راكاح، فيرى غالب علسا أن اميل حبيبي يفهم قضية فلسطين إنطلاقاً من وضعه ومصالحه الخاصة، واللحظات القومية لديه تنطوي على لوم للعرب لانهم لم يحرروا فلسطين، فهو لا يدعو شعبه للثورة.
الكاتب الصحفي كامل زهيري:
وفي سؤاله عن ظاهرة أن معظم دعاة التطبيع هم ممن محسوبين على اليسار، قال بأن هناك مدرسة يسارية قديمة منذ عام 1948 كان يقودها اليهودي quot;كوريلquot; وكان تفسير تلك المدرسة لحرب فلسطين ان تحالف الملك مع الاقطاع هو الذي يحارب اليهود في فلسطين، وان محاربة اليهود والذهاب الى فلسطين يعني الانضمام الى هذا الحلف غير المقدس وعلى الشيوعيين طبعا أن يحذوا حذو الشيوعيين في الاتحاد السوفيتي في اقامة الدولة الشيوعية منتهزين فرصة قيام الحرب العالمية الاولى، وأن اليسار المصري عليه أن يتحالف مع اليسار الاسرائيلي في إطار الاممية الشيوعية، وأشار الى مقاله الذي نشره بخصوص هذا الموضوع في العدد الخاص للهلال عن سارتر وموقف اليسار العربي من سارتر بمناسبة زيارته للقاهرة عام 1967 فهو يرى أن نظرة سارتر للمشكلة اليهودية مشكلة ناقصة بسبب إغفالها الحركة الصهيونية.
التعليقات