صدئت سيوفنا في أغمادها.
فهل يَُغفر لنا....
زاد انحناء ظهورنا....
فهل يَُغفر لنا....
من يا ترى يَغفر لنا..
بؤسنا.....
وشقائنا.
لا أدري سر تعلقه بهذه الترنيمة.. أو سر افتنانه بالوقوف على رأس التل الصغير المواجه لفناء بيتنا. ... نحيف.. طويل القامة.. أحمر الشعر... وحيدا يناجي الأشباح القابعة في رأسه.. يبدو لي من بعيد كشجرة غرست هناك، تهزها الرياح بين الحين والأخر.... يظل يخطب لساعات طوال.. أراقبه وأراقب جموعه الوهمية... وأتساءل..
ترى ما الذي يحمله عقلك يا صغيري.... ؟
ترى ما الذي تحمله الأيام لك.... ؟
آه يا أحمر......
لا زلت حين أراك.. أمد يدي لتداعب بطني.... أتحسسها ... آه يا أحمر.... لازلت يا ملعون تسكنها.
كنا نعيش ببيتنا بأوماها حين حبلت بك... لن أنسى ذاك الحمل.. كنت أداعب بطني ككل مرة أحبل فيها.. أتحسسها.. أصنع دوائر حول صرتي.. أداعبك يا ملعون فكنت تداعبني أنت بقفزات قدميك داخلي... نقرات صغيرة.. ناعمة.. راقصة... ساحرة.. مثيرة... يقشعر لها بدني.. وتغمرني لحظات صفاء... هذه المرة حملي مختلف.. يقولون أن الحمل الخامس لا متعة فيه.. دعني أخبرك سرا لم أقله لأحد. .. دعني أخبرك... كان الحمل بك أرق من نسمات الصباح.. أتعرف يا أحمر... كثيرا ما تمنيت تقبيل بطني... كنت أبلل يدي بشفتي وأضعهما حيث أعتقد أنه رأسك... صدقني يا مالكوم.. كنت أسمع ضحكاتك.. لم أتمالك نفسي.. فكنت أشاركك الضحك.. ونظل هكذا حتى الظهيرة.. حين تأتيني أصوات إخوتك القادمين من مدارسهم.. فاهمس لك بكلمات الوداع... وأنا أعلم أنك ستصون سري... ستصونه.... كنت أعلم ذلك.
ماذا أقول لك... كان الحمل بك.. رائعا وناعما كالديباج.. ولم يكن يصدر عنك سوى الهزات المتناغمة أو الضحكات المكتومة... حتى كان ذاك اليوم.
...............
ترقب المرأة السوداء ذات الشعر الناعم الذي يشي بدماء بيضاء أقحمت فيها... ترقب أبنها مالكوم وهو لا زال يعتلي الهضبة ويخاطب حشوده الوهمية... ويترنم بين الحين والآخر....
صدئت سيوفنا في أغمادها.
فهل يَُغفر لنا....
زاد انحناء ظهورنا....
فهل يَُغفر لنا....
من يا ترى يغفر لنا..
بؤسنا.....
وشقائنا.
تهز رأسها أعجابا.. بينما يتوجس قلبها خيفة.... هذا عالم الرجال البيض... ليس لنا فيه سواء الشقاء والصبر...
نعم يا مالكوم.. كنت أنت نعم الجنين... حتى ذاك اليوم.... لن أنساه ما حييت....
ذاك اليوم... مزق سكوننا.. رعب وشر مخيفين... صيحات حقد.. طلقات رصاص.. وصهيل خيول.... عرفت أنهم قادمون من أجل أبيك.. الكلوكس كلان... لو لم تكن أنت ببطني لجمدت من الخوف وتيبست من الرعب.. ولكنني لم أفعل.
خطوت نحو النافذة.... أزحت الستائر و تطلعت.. أنهم هم...... يرتدون أقنعة الشر والقلنسوات البيضاء.. يطوقون بيتنا ويتصايحون... أتدري ما فعلت... ؟.. لازال أبيك يتهمني بالجنون حين أذكره بما حدث.
فتحت الباب وخرجت إليهم... وقفت أمامهم أتأملهم دون وجل أو خوف. أتطلع إليهم بملء عيناي.. أتطلع إليهم ويدي تلمس بطني المكورة أمامي....
- quot;زوجي ليس هنا.. أنا وحدي مع أطفالي... زوجي ليس هنا quot;قلت لهم..
كنت كلما لمست بطني ازداد صوتي ارتفاعا.. وازددت قوة و صلابة... كنت أحس بقدميك وهى تضغط على جدار بطني. كأنك تريد الخروج لهم... توقف صياحهم... لبثوا فترة صامتين..... ... تراجعوا.. ثم انطلقوا بعد أطلقوا تحذيراتهم.. وعددا من الأعيرة النارية.
ضللت واقفة حتى اختفوا عن ناظري.. بقيت أمام شرفة البيت.. وأنا كالمسحورة... !.. عم السكون حولي وفجأة أحسست بوقع أقدامك داخلي يصبح ضربات غاضبة.... ساخطة.. صاخبة.... متلاحقة... انتابتني الآم حادة صرخت لشدتها... يا إلهي.. ما هذه الثورة التي تعتمر داخلي...
أدركت أنك غاضب... كما أدركت آنذاك أنك أيها الأحمر..... ستكون غاضبا وللأبد...
منذ ذاك اليوم.. صرت أحمل الغضب في بطني....
* أحمر هو الاسم المحبب لدى مالكوم أكس والذي كان يناديه به أصدقائه والمقربين منه. ولد هذا المناضل الفذ يوم 19/5/1925 وتم اغتياله يوم 21/2/1965.
التعليقات