رمشت عيناها قليلا من حرقة الشمس فأغمضتهما.
لم تكن إغماضه كاملة.
فقط تلامست الرموش فتبدى لها طيفا من الألوان.
آه ما ألذ القدوم للبحر..
ما أروع ضفائر الشمس الذهبية....
وما أحلى زرقة الماء......
وما أبدع صفرة الرمال......
وما أجمل تبدل الأمواج. ألوان في كل مكان.
قالت جدتها لها quot;لا معنى للبحر دون امتزاج الألوان.. أذهبي هناك لترسمي...... فأنا أعلم عشقك للرسم.. quot;.
أما أخيها فقد قال quot;غداً سأشترى لك علبة أخرى من الألوان. quot;..
فتحت عيناها وتأملت.. تمايل الأجساد... أصوات الأطفال.. رقرقة ضحكاتهم... انهماك الأمهات..... شرود الفتيات...
وقفت وسارت نحو ما بدا لها كقطعة ورقة تشاكسها الرياح... تعالى أيتها الورقة تعالي..... لن تكون بعد اليوم باهته.. سأمنحك الحياة.. سأعطيك كل ما يشتهيه قلبك الورقي من ألوان....
. تعالي...... اقتربي... لا تخافي.
ما أجمل الألوان....
سنرسم معا شمسا كبيرة.. تطارد المياه والأمواج اللاهثة وستحط بجسمها الضخم على صدر الرمال... ربما ستسخر رفيقاتي في المدرسة من الرسم ولكن لا يهم.......
واصلت هدى اقترابها من الورقة التي أعياها الحراك.. أمسكت بها.. احتضنتها وغابت معها في لحظات من الحلم بالرسم و الألوان...
فجأة..
دوى صفير قاتل..
أعقبه اهتزاز مريع... اهتز كل شيء حولها.. تمزق البشر... تراجعت الشمس وأضطرب الموج.. واصفرت المياه.. تلاشى كل شيء.... اختفى كل شيء....
لا ألوان..... فقط صرخة حزن... ودماء.

..........


عفوا هدى

لا ألوان...
فكل ما لدينا باهت...
أشعارنا..
أنوارنا..
شمسنا...
صدقنا..
كذبنا..
زعمائنا..
كتابنا...
كل ما لدينا باهت...
فمنذ قرون..
منذ قرون...
تم حجب اللون عن كل العيون...
.............

عفوا هدى..
فمنذ قرون...
ونحن ننسج بالأشعار أسمال الهزيمة...
منذ قرون...
لا نمارس خيرا أو رذيلة...
منذ قرون
ونحن في كهف نيام....
لا حربا نخوض....
و لا نحن نحيي السلام..
............

آه... هدى
لو كانت الأحجار
لدينا...
لبادلناهم...
غارة بغارة...
حزنا بحزن....
سطرا بسطر....
وعذابا.. بعذاب...
ولكنها...
أحجار لعينة...
تعشق الأرض.....
إن اقتلعناها..
صارت...
في أيدينا... تراب.
.........
عفوا... هدى
لا ألوان لدينا..