بنى البابلي من لبن، وتراب أحمر سبعة مدن، وفي كل مدينة بنى برجا أو زقورة، ذلك حدث بعد الطوفان بأكثر من 500 عاما ق م، إذ أراد أن يعلو بثبات إلى السماء التي كانت بالنسبة له قبة مقدسة مرفوعة على أعمدة أو سقف مرفوع يغطي الأرض، فيه الغيوم، فيه القمر والنجوم، فيه الشمس، منه يبدأ النور والظلام، وترتعد أعمدة السماء، وترتاع، ويسقط المطر من أبواب أو مصاريع، فالمتعبد يتطلع إلى السماء، ويناجيها بصوت عال أن تمطر، لتحبل الأرض، ثم تنجب، فالسماء ndash; الذكر، والأرض ndash; الأنثى، ومن السحب التي في السماء، التي فوق الأرض تبعث ولادة جديدة، التزاوج مع الأرض، والإخصاب، السماء ndash; الأب يخصب الأرض ndash; الأم، يلقحها بعد أن يفتح أبوابه ومصاريعه من المطر، هكذا تجود السماء من مطر، وتكثر الخيرات، ولا أحد يعرف أكان البابلي يظن أن السماء تحمل على أكتاف آلهة، والأرض لها أفق غير محدود أم مظلة تلامس الأرض في اللانهائي، كما لو أنها قوس سماوي يلامس الأرض، فالسهل المنبسط في شنعار ndash; وادي الرافدين ndash; الممتد مد البصر، يبدو فيه أن السماء دانية من الأرض، ترجع إلى عصور ضاربة في القدم، ثم فصلتهما الآلهة، فلابد من الوصول إلى السماء، وإحصاء النجوم، ورؤية القمر، وتلمس موعد شروق الشمس وغروبها، فكانت الزقورة في أور بمثابة سلم بين الأرض والسماء، يصعد منه المتعبدون، يقفون في الهيكل المقدس عن قرب من الآلهة، ويقرءون الدعاء، ويتقدمون بطلبهم، تسمع الآلهة دعائهم، وتنزل عن عرشها إلى الأرض فوق هذا السلم، فالأبراج بدأت في وادي الرافدين، تعلو على مائة قدم، وفي بابل تعددت اللغات لملتقى حضاري بشري، سكنها أكثر من ربع مليون نسمة، وبالتحديد في أيام نبوخذنصر الثاني، فأرادوا أن يقتربوا عن قرب من السماء، فبنوا برج بابل الشهير، ليصل ارتفاعه 300 قدم، وهذا ما أبهر اليهود بعد الأسر، والذي يقدر عددهم أربعين ألف أسير، جئ بهم مسبين إلى بابل من أورشليم، جئ بهم من مجتمع الأكواخ إلى مجتمع حضاري، فها هو نمرود ndash; الصياد الجبار أو الماهر ndash; الذكي يقف عند المذبح، وهو من نسل نوح الذي كتب لهذا النسل النجاة من الطوفان الذي قضى على جميع البشر، وقف مقدما ضحيته بقرة بيضاء ناصعة البياض، وحرق البخور، ثم تقدم كحاج عند غروب الشمس حيث نسيم الفرات العذب يداعب خصلات شعره الطويل المسترسل على كتفه، ولحيته التي تلامس أعلى صدره، إلى باب المعبد البرونزي الصلد، واستأذن الدخول، وانسل خاشعا إلى المعبد، وجلس على ركبتيه، قبالته تمثال مردوخ ndash; سيد الآلهة - المستند على قاعدة كبيرة، قربها تماثيل كثيرة، والعرش الذي يجلس فوقه، وكلها من الذهب الصلد، وضع يده على صدره، وقدم صلاته،ثم وقف، وانحنى، وخرج متراجعا إلى الوراء، ثم انحدر إلى برج بابل التي أضفت الشمس عليه صبغة ذهبية، وأخذ يصعد طوابق البرج السبعة على سلم لولبي، الطوابق التي ترمز إلى الكواكب الدرية كمرصد فلكي لدورة السنة، جلس على مقعد في الطابق الخامس للاستراحة، حيث اعتاد الجلوس وهو في طريقه الارتفاع إلى القمة، حتى وصل إليها، وكانت بمثابة معبد مزين بزينة فاخرة من الذهب، رفع يديه، ودعى الإله مردوخ أن يوحد اللغات الكثيرة التي يجري التحدث بها في بابل في لغة واحدة لشعب واحد لن يتشتت في وجه الأرض، ويكون سلالة جديدة واحدة، هذا يمت بصلة إلى مرحلة تاريخية سابقة من حضارتنا البشرية.