قبل أن نكتشف معها أنّها لا شيء، كانت قد تجاوزت منطقة الله

عيناها غائرتان كوثيقة سياسيّة مهمّة. وفي أحايين كثيرة تبدوان كما لو كانتا تعملان، بالتناوب، في مشغل رجاليّ..
لم يخبرها الله أنّه يحبها ، فربّما ،مثل موقفها من كائنات كثيرة، لم تفكر السماءُ في تجسيدها كخصم كوني،أو مناهض سياسي مهِم ..
جرحت يدها ، عندما كانت في الثالثة عشر ، وبعد أن لحست الدمَ نظرت إلى الناسِ برحمة طارئة .. همست : أوه ماي جااد ، ألا تراهم مثلي؟
في الواقع لم تكُن تملك فستان نوم مثاليّاً في البيتِ ، ولا حقيبة غوائيّة في مقر العمل. ولأنّ المسافة ما بين المكانين تبدو (لها) كما لو كانت علبة كبريت، فإنها تشتعلُ لأي احتياطي جنسي متوفّر في أعين أولئك المتكدّسين في محطّات الباصات.. بالتحديد: المجروحة رجولاتُهم بفعل أزمة القذف المبكّر.. المندسّين في أمنيات خفيفة يسحبونها بشكل دوري من رفوف صيدليّات الشوارع الفرعية.
ولأنّها لم تتعرف على الله بشكل مقنع ، بسبب احتياجها الأبدي إلى الحقيبة والفستان، ورفض الأخير مساعدتها بأدلّة تعزز حقيقة وجوده القديم، فّإنها رفضت الإشارة إليه، حتى في إنكارها الدائم لأفعال ترتكبها بشكل دوريّ، فإنها لم تستخدم اسم الله [إلا بالإنجليزي]!
وفي لحظة استلقاء غير نادرة، كانت تلعنُ حي بن يقظان وتسفه فكرة ابن الطّفيل بشكل سوقي، وبألفاظ جنسيّة للغاية. وفي محاولة، ليست أخيرة بالطبع، لتمثّل دور الحداثي النابه فقد اتّهمّت ابن الطفيل بسرقة أفكار دانيال ديفو، في روبنسون كروزو. لقد تأكّدت، بطريقة حداثية شائعة، أن ذلك هو ما حدث بالفعل، وأنّ التوظيف الصوفي لفكرة روبنسون كروزو في حي بن يقظان كان فاشلاً بامتياز. إنّها مطمئنة، آنئذٍ، لاستنتاجها الاستثنائي رغم كل شيء.. مثلاً : حقيقة أنّ ديفو عاش بعد زمن ابن الطّفيل بأكثر من أربعمائة عام.

لم تتزوّج حتى الثلاثين من عمرِها. ولأنّ مثل هذا التحديد الرقمي للعمر لا يؤكّد أنها نجحت فيما بعد ذلك، فإنّها نشطت، طبقاً لأحد المغامرين، بشكل ملحوظ في بناء تكوينات عاطفية عاجلة كعملية تجنيس احتجاجية ضد حشمة السماء.هي أيضاً لم تمارس الأفعال المشينة البتّة. فقد اعترفت لإحدى صديقاتها أنها لم تحمل إلا أنصاف مرّات فقط، وأن تقبّلها لفكرة أن الوجود كائن عضوي غير قصدي Non intentional agent لم يكُن نكايةًً في فكرة الخلق الإرادي. وهكذا فإنها في أماكن كثيرة لم تكثِر من النظر إلى السماء فقد كانت في طريقِها إلى تأكيد فرضية أن السماء تسقُط بالتقادُم ..
كان يحدُث هذا، ناسفاً لاعتقاد غير مرِن يعزو موقفها النفسي ndash; الثقافي إلى حاجة بشرية لجملة الفستان والحقيبة.لقد تغيّر وضعها المادي السابق تماماً، إلا أنّ هذا التغيّر لم يرمم من خلفه ظاهرة الكمون الجنسي غير المستقرّة.أيضاً فإن توارث النفسي والمادي لم يكُن فعلاً سماويّاً صرِفاً، لذا فإنّ إمكاناتها التصحيحيّة ظلّت قائمة حتى ظهيرة اليوم الذي أعلنت فيه نيتها في بيع فساتينها فاتحة اللون، وحقائبها البلديّة.. تلك الأشياء الحميمة التي ربحتها في طريق عزمها دفنَ السماء تحت رجليها (الاثنتين معاً) ..
هي مغرمة بالحديث عن قدراتها على حسم صراعها الداخلي لمصلحة عقلها. وفي حديثها هذا فإنها تنسى أن تؤكّد حقيقة وجود مثل ذلك الصّرَاع. ولتعيد إلى ذاكرتها الخاصة مشروع السليك بن السلكة وأصدقائه (استكمالاً لمقارباتها الخاصة للنص والشيء والمكان) فإنها بدلاً عن أن تقف ضد بطريرك السياسة، المتورّط الأوّل في تأليه العائلة وإعادة رسم مصفوفة الدين لمصلحته، فقد أزاحت بطشها الذهني الحداثي ضد اعتقادها الإلهي السابق، ليس انتقاماَ من مجهول،ولا انتماءً إلى أفق وعي جديد (واضحٌ من طرحها، أبداً، أنها لم تضِف إلى معرفتها السابقة أكثر من تنمية مهاراتها على المناكفة).. إنها تفعل ذلك لأنها تصدّر كل شيء إلى خارجها، حتى عينيها . فهي تعلمُ ،بالمناسبة البحتة،أنها لا تملك القدرة على واحدةٍ من اثنتين: الاعتراف بوجود خطأ جوهري في تصوّرها، وهو ما قد يستدعي نسف جملة علاقات وتراكمات حاضرة في حال اكتشفت مثل هذا الخطأ ؛ ولا إعادة تشكيل عقلها الراهن بما يوائمُ تطلّعات جديدة ، قد تنشأ فجأة عند اكتشاف خطإ أساسي.. الأمر الذي قد يفرض عليها اشتراطات غاية في الصعوبة. فالتطلعات الذهنية المنطقيّة هي توطئة لعمل عقلي جاد وناقد.. وهو ما لم تمارسه بمعناه الموضوعي، حتى في أحلك لحظات حديثها عن فاعلية العقل البشري.. أعني: ذلك الكيان الذي تأخّر لمصلحة الموقف النفسي كثيراً، بزعومات لا آخر لها، يجمعها خيط حداثي مراهق، ودعيّ ..
وهكذا ففي مكان وزمان غير محدّدين بدقّة يصبِحُ التطرّف أكثر السلوكيّات شيوعاً، والرّهابُ أشهر الإجابات حداثةً.. وستنأى الأسباب، بتأكيد غير كلي، عن الحاجة البشرية لحقيبة لافتة أو فستان حداثي؛ لمصلحة النفسي السائد تحت مسمّيات ثقافية فائضة
.