إليكِ

تتّسعُ عيناها، بؤبؤاها يشعان زرقة، تسبح الحيرة في بياض، أنفاس متواصلة تأخذ في التباطؤ، تخبو ثورتها وتستسلم يدها ليدي، أشدها، أرفعها إلى صدري، أضمها بدفء، أقربها من فمي، لا أجرؤ على تقبيلها،أخشى أن أخدش حزنها،أخشى أن أُذَكِّرها، أمرر خدي على ظهرها، ادعك باطنها..لا شيء فيها يتحرك وكأن اليد ليست منها و كأنها عين وزرقة وحسب.
عيناها تشخصان السقف فقط وأنفاسها مازالت تخبو..
ومازلت لا أجد ما أقول.
أصوات ولغط في الغرف المجاورة.يبلغني صوت نواح، يرتفع، يرتفع، يتحول إلى صراخ.أهرع إلى الباب أغلقه،أريد أن انصب حاجزا صوتيا بينها وبين ما يحدث في الغرفة المقابلة..أريد أن أحملها خارج هذه اللحظة، إلى الوراء حيث كان كل شيء على ما يرام .
لا أعرف بالتحديد من منا أريده أن يهرب من هذا الوقت وبسرعة، هي أم أنا؟ هي في أم أنا فيها أم كلانا في.. ضياع؟
ياااه ما أقبحها اللحظةَ الحياة ُ، أتمتم وأراعي ألا تسمعني وان كنت أشك إن كانت تسمع شيئا: أكرهك.أكرهك يا سارق الأفراح..أكرهك يا مغتصب الأمان، أكرهك يا كافر..
كم أرغب أن أقفز بنا على اللحظة و أقذفنا إلى مجهول سينسينا كل هذا الألم .
أسرح في ارتباكي، تتحرك بغتة، ينتفض جسدها، تهب هبة واحدة و تضحك.
مازالت تحملق في السقف كأنها مشدودة إليه بحبل، تتحول الضحكة رويدا رويدا إلى ابتسامة كبيرة، أقف و أمسك كتفيها برفق، تبعد يدي برفق أكبر، دون أن تنظر إلي، تحرك رأسها كأنما تشير لي بالابتعاد و تخرج من صمتها ولكن:
ـ انتظريني أمي، أنا قادمة.
تمد يدها إلى السقف.خلتها تتمسك بالحبل الوهمي الذي رسمه ذهولها..لم أمنعها..لم أقدر.تمنيت أن يكون من بالسقف وجهها، تمنيت حقا أن ترجع..لكنها كانت ترقد في الغرفة المجاورة مغلفة في برد. كنت أعلم وتلك الأصوات المتتابعة نواحا تذكرني به جيدا.
ـ أنا قادمة أمي..
وكان اليوم سواد.

...................
كان ذلك البارحة فقط..لم يتغير شيء.
نجاح و أنا والحبل الذي اعتقدته هميا وأمّها الممددة في ارتحال..
كان ذلك ذات مـــــ/ياة..
كان ذلك ذات ماضي..ظللت أحسب إلى أن..
رنّ هاتفي وجاءني صوتٌ من الجانب الآخر للحياة :
ـ صديقتك نجاح ماتت اليوم....

قاصة جزائرية تقيم في باريس