أسباب
منذ العام الأول لزواجهما،تعّودت أن تمطره بوابل طلباتها التي لا تنتهي ومشاكلها التي أخذت (تتكاثر كالأرانب) خاصة بعد نصف دزينة الأطفال التي خلفوها..
فما أن يمسك بالقلم ليكتب أو يفتح صحيفة أو كتاب ليقرأ،حتى تبدأ طقوسها المزعجة غير آبهة بأفكاره ومشاريعه الكتابية.. وعندما كان يتعّمد تجاهلها أحيانا.. يجن جنونها فتعمد إلى سحب الأوراق أو الكتب التي تحت يديه وتمزقها اربأ، لاعنة اليوم الذي اقترنت به، ناعتة إياه بأبشع وأقذر الصفات.. فيضطر المسكين إلى ترك المنزل حاملا ما تبقى من أوراقه متوجها لأقرب منتزه أو مقهى ليكمل ما بدأ به، يملأه الإحباط وتقطر من عينيه المرارة والانكسار...
جلس الأولاد ومعهم والدتهم يحدقون في شاشة التلفاز ndash;على غير عادتهم- ينتظرون ظهور والدهم في لقاء تلفزيوني على إحدى الفضائيات..يتبادلون نظرات الدهشة والاستغراب غير مصدقين ما يلقاه والدهم من حفاوة وتقدير....كان الحديث قد تشعب عن الأدب وتفرعت عنه تفاصيل عن الأبطال والشخصيات التي يخلقها في قصصه،وعن الطرح الفلسفي الذي ينمو بين سطوره ndash; كنبات الفطر ndash; ليغطي مساحات الأوراق الفارغة كما يغطي العشب المقابر الموحشة. وعندما سأله مقدم البرنامج عن أسباب شهرته و تألقه في الكتابة، والإنسان الذي يقف وراء حماسه ونجاحاته ؟ لم يتردد لحظة في الإجابة:
_quot;وراء كل رجل ناجح اِمرأةquot;!!

رسام
أطلقت العنان لمخيّلتي، وبدأت أرسم مخلوقات أسطورية، ذبابة بحجم بقرة، بقرة بحجم ذبابة،بشر نصفهم أفاعي،أسماك بأجنحة،جبال تسيح متحولة إلى بحر من الجراد،غيوم على هيئة أكاليل شوك،أشجار لها أنوف وأذان،جماجم بتسريحات عجيبة،أيادي مقطوعة تتضرع إلى السماء،أطباق كبيرة تحوي مئات الأثداء وأخرى مليئة بالشفاه الملونة، ساعات تشير بعقاربها الافعوانية إلى أرقام غريبة، سلاحف بدون أصداف،بيوت على شكل توابيت،و......
وبينما إنا منهمك برسوماتي وأوراقي..سمعت صوتاً غريباً يهمس ورائي:
- لا تظهر عبقريتك للناس.حتى لا يحسبونها جنوناً!!
التفتُ برهبة..لكني لم أجد أحداً.. فصرخت بهوس:
- أين أنت أيها الشبح الحكيم؟!
فطرق سمعي صدى ضحكات متقطعة تذوب وتتلاشى في اللانهاية!!.

مترجم
الكتب والقواميس تتزاحم فوق طاولتي.. تنفست الصعداء لأني انتهيت أخيرا من ترجمة أخر قصيدة من ديوان( شاعر مشهور)..أطفأت سيجارتي وهممت بإغلاق الكتاب،لكني شاهدت خيطا رفيعا من الدخان ينبت من وسطه وينمو ليشكل صورة للشاعر تهيم فوق السطور، وبدأ يتحدث معي بتهكم قائلا:
- كل التفاهات.. التي كتبتها أنت.. لم انطق بها يوما!!
- ولكني...حاولت...أن....
- أنت وأمثالك تشوهون أشعارنا الأصلية.
- في نيتي...إيصال...أفكارك...
- أنتم تطرحون أفكاركم الفارغة وتزينوها بأسمائنا اللامعة.
- أردت فقط أن أوضح وجهة نظري لكن......سحابة الدخان تلاشت فجأة..
نفضت رأسي وقلت:
- لابد أن طول السهر قد أصابني بالهلوسة..عليّ أن اخلد للنوم.. لأن رئيس تحرير المجلة ينتظرني صباحا لأسلمه (القصيدة المترجمة).

آمال مخنوقة
قاعة المحاضرة يعمّها الهدوء.. أنظار وأذهان جميع الطلاب مشدودة إلى اللوحة التي يشرح عليها الأستاذ.. كانت وحدها شاردة تستعيد ملامح ذلك الضابط الشاب ببذلته العسكرية المرقطة ووقفته الواثقة، حين تركته واقفا في محطة انتظار الباص وهو يشيعها بنظراته النارية التي أيقظت داخلها كل أحاسيس الأنثى دفعة واحدة.. كانت تحلق بعيداً عن كل تفاصيل المحاضرة، يملؤها أمل في أن تلتقي ذلك الفارس الوسيم مرة أخرى...
هناك في الخطوط الأمامية لساحة الحرب، أراد أن ينهض لكن دون جدوى! مسح الدماء الساخنة من فوق عينيه الواسعتين، وقد فقد كل أمل في لقاء تلك الصبية الساحرة مجدداً.. أغمض عينيه.. خرجت من صدره حسرة يتيم مظلوم.. وتأكد من أنه خسر أجمل معارك حياته على الإطلاق!!

ارتقاء
مزقت شرنقتها وحلّقت في الفضاء.. نفضت أشعة الشمس عن أجنحتها الملّونة... كانت تحسب إنها نجمة أو ملاك!
لقد بدأت تنظر باستعلاء إلى كل الديدان الملتصقة بالأرض وتقول في سرها: ما أوسع الهوة بين حشرات الأرض وملائكة السماء!

[email protected]