عينها المُصِرّة تُقاطع عيني الراجفة. تُثَبت نظرتها علي للحظة. أمْنحها موانئي القديمة لترسو بواخرُ رغبتِها.
موانئي هجرتها اللهفة ُ مخلفة بعض صخورٍ مازالت تقاوم موجَ العُمرِ العاتي.
هنا الطفولة أحجار ا تُعَلِّم الطريق.
ها هنا تشمخ صخرة عشقٍ منسحب في ذاك الدّرب المستعصي على الولوج.
هناك تتكوم على بردها صخرةُ رغبةٍ في الرحيل.
رغبة الحياة جامحة رغم كل شيء.
بين ملحٍ وغمامٍ وماءٍ وشمسٍ ووحلٍ ورملٍ و نجومٍ.. صخور أمنياتٍ للذكرى لم يبددها النسيان.
موانئي تغريــها تلك النظرة المصرة. تخترق عيني وتنفذ إلى القلب.
أغلق جفني على صمتها الصاخب.. تخترقني.. وتركض.. تركض على بحري، كأنني أول الموانئ.
صوت هدير ورائحة ملح بعيدة وتلك الطفلة النائمة في حنايا ي،جنب الصخرة التي تشع.
وأنا الواقفة على مرمى حلم أرقب الطفلتين.
و أنا القريبة مني بنظرة، البعيدة عني بآهة، المقابلة لظلي بفكرة،المعانقة لصورتي في عينيين تنضحان بالرغبة، تتحديان الخوف والرعشة.
وحدي كنت أرتجف.
وحدي كنت ارقبهما.. وصخب يعلو حولي وأجساد تترنح لا تثير في جسدي سوى الرغبة في التماهي أكثر فأكثر مع الكرسي في جلسة تريحني من تعب أيام خلت.
روائح ملح بداخلي وصور تتوالى في هدوء، ألوان تتماوج و عيني الراجفة لم تهدأ بعد.
روائح عطور أنثوية وأشكال مختلفة الأبعاد والألوان. تفاصيل تتمايز، أنفاس وعرق،أطفال يتراكضون بين الطاولات وتحت الكراسي في اقتناص شيء ضائع.
صوت المغنية يعلو ويعلو،يطغى على كل شيء.. يسلم لسطوته المكان.. الا هي..
هي تقفز بعينها إلى أول الصفوف.. حيث جسدي يقابلها بقوام مسبوك،وبياض حليبي ملفوف في فستان من الموسلين الأحمر، تنكشف بعض حروفه على خجل. ساق على ساق و دقة تتلوها دقة ورجفة تتلوها رجفة.. رموش تضطرب ووجه يحاول أن يبتسم لكنه لا يفعل..

quot; والفتْ* طبايعه.. كل يوم يقولي راكي* مطلقة... quot;*1
تخترق طبلة أذني بحة صوت تلك المطربة التي روضها الحبيب وتعودت على طبائعه وغضبه وتهديده لها بالتطليق كل لحظة.
نساء تتمايلن بانسجام وبغير انسجام. لكل طقسها. كل روضت جسدها على ولاءٍ ما. لكل بوحها الخاص. هناك من تثير الضحك وهناك من تثير الإعجاب.. هناك من تثير القرف أيضا..
لكن.. كلهن سعيدات،
كلهن جميلات..
كلهن ضاحكات..
كم يبدو العالم منسجما ومتناسقا في الأفراح والكل جميل والكل سعيد.. أو كما يبدو.
هي.. أنا.. كنا وجها لوجه.
وتلك الطفلة النائمة بين صخور و كهوف لا تأبه للموسيقى. لا توقظها الأصوات.
عيني ما زالت ترتجف. وعينها المصرة.. تحدق بي.. ترفع بصرها وتخفض في وجه تلك المرأة التي تصرخ :
ـ قلت ُ لك قومي من على الكرسي. هذا مكان العروس. سيحضر الموكب في أي وقت.
هذا ليس مكانا للأطفال. قومي هياا.
تصرخ القائمةُ على نظامِ القاعة في وجهها وتـزبــد.
البنت تستوي على المقعد ولا تحرك ساكنا. كأن المرأة تحدث ظِلاًّ لايعنيها.
أنا كنت ارتجف مكانها.. خوفا من تلك المرأة ؟ لا.. لا اعتقد.
خوفا على ( البنت.. )
الطفلة بشعرها المصفف على شكل وردة و نجوم مذهبة على زوايا العينين وفستان بدانتيلا بيضاء مبطنة بحرير وردي، لا تغير من ملامحها شيئا. تنظر إلى المرأة المحتقنة بثباتٍ فتُوترها أكثر و تحرك في نفسي،أطراف فستان تلك النائمة بين الصخور.
ترتفع أصوات أخرى أقل حدة :
ـ يْحَمَر*2 وجهك يا بنتي انهضي.. عندما تكبرين سيكون لك كرسيا كهذا أو أجمل منه وستكونين العروس.
لا يبدو على الطفلة أي تجاوب.. لكنني كنت ألمح شيئا خلف النظرة الصامدة.
كنت أشعره في حلقي أنا.
غصة وأكتاف تحمل ألما لكنها لا تهتز.. تزدردُ الغصةَ و تقعد.
تقاوم، تقاوم.. وكلما أجَّلَتِ الدمع، الصرخة،انفعال الجسد مع الموقف،انهزام الرغبة، كلما تسربت إلى أعماقي مسافات.
quot; التجلي كالغصة، تفاجئ و تندفع من غير قصد quot;3
جلبة بالقاعة و هدير بداخلي و وقع خطى أقدام صغيرة في رأسي، حفيف ثياب..
رأيتها تخرج مني و الطفلة التي كانت نائمة بداخلي تمد لها يدها،تبرحاني ترمقاني ثم.. تضارع نظراتهما السماء.
نشوة سرت في.

البنت بفستان الدانتيلا الوردي تغادر الكرسي وعلى سحنتها علامات انتصار بعد أن همت المرأة بانتشالها عنوة منه وقد اعترتها نوبة غضب هستيري.
البنت التي كانت تنام بين كهوفي، جرت خلفها بين الصفوف وهي تنفض آثار رطوبة عالقة بثوبها القديم.
أنا..
تدفقت من وجهي ابتسامة كبيرة غسلتني.
قمت من مكاني ورحت أرقص.

والفت*/ألفت 1
طبايعه*/طبائعه
راكي */انكِ
هذا مقطع من أغنية شعبية.
2 يحمر وجهك/ عبارة تطلق كدعوة خير

3يوسف بوذن/وشم في الذاكرة

..................................................................................
ا
Email :alimoussa_assiadz@yahoo. fr