أمستردام من صالح حسن فارس: لايمكن الاحاطة بكل أبعاد ورشة quot;أودنquot; المسرحية التي حضرتُ فعالياتها على مدارعشرة أيام، نظراًً لكثافة نشاطاتها، وسأحاولُ أن أسجل انطباعاتي أعتماداً على الذاكرة التي أحتفظت ما أكتشفته انذاك من أن الجسد يتهأ للعمل المسرحي قبل الوقوف على خشبة المسرح. منذ فترة طويلة وأنا أحلم أن أعمل مع

صالح حسن فارس مع ايوجينو باربا

يوجينو باربا الباحث والمخرج المسرحي، هذا الفنان العصامي، القادم من جنوب ايطاليا، والمتجول بمتعة في العالم والذي استقر به المطاف اخيرا ًبقرية صغيرة ونائية في الدنمارك. بدأت معرفتي ب( باربا) في منتصف الثمانينات حينما قرأتُ عن تجربته في كتاب (المسرح الفقير) لغروتوفسكي، كما علمتُ أنه هو من أعد فصول الكتاب الانف الذكر للطباعة والنشر. عمل ايوجينو باربا* مع غرتوفسكي كمساعد مخرج على مدى ثلاث سنوات، وهو الأمر الذي دفعني لمتابعة منجزه المسرحي، لما للأول من شهرة عالمية واسعة وإذا وقد توفرت لي الظروف للحضور مباشرة لأكون أحد تلامذته في ورشته المسرحية التي تضمنت تمارين مختلفة عن تقنية الجسد، والارتجال باشراف اساتذة الاداء في فرقة أودن المسرحية، اضافة إلى محاضرات وارشادات وأساليب درامية يقودها باربا بنفسه.
أثناء حضوري في هذه الورشة وفي مطلع اذار مارس بالتحديد، دخلتُ مسرح الاودن ( المعهد العالي لأنثروبولوجيا المسرح) في الدنمارك، المكان ذو الجمال السحري المنتصب في غابة صغيرة ومنعزلة في غرب الدنمارك تدعى (هولستربو).
وأذا كانت قراءة كتب باربا تتوفرعلى متعة عالية، فما بالك حين تراه حاضراً أمامك بوجهه السبعيني، تصافحه وتجلس معه تتعرف عليه وتستمع إليه كأنه شيخ كبيرأوقديس يسرد عليك تجاربه في المسرح والحياة وأنت تصغي اليه بأهتمام كبير..
ذهبتُ اليه محملاً بأسئلة ودهشة فجرتهما فيَ قراءاتي ومشاهداتي لأعماله قبل أن التقيه.
دخلنا القاعة، لم يكن باربا قد وصل بعد، وجدنا أماكننا، دخل علينا بأبتسامة وديعة وقبل أن يسرد لنا تجربتة المسرحية راح يسأل الطلبة واحداً تلو عن أسمه وبلده وأهتماماته، وعن طريق تعرفه إلى مسرح أودن وكيفية وصوله إلى هذا المكان ؟!
أعتدتُ في صغري أن أجلس في مؤخرة الصف ؛ أما اليوم فجلستُ في مقدمة الصف وبدأت
تكلم عن نفسي ولماذا جئت الى هنا، في بداية الامر كنتُ خائفاَ من انجليزيتي العراقية، لكن بعد أن سمعتُ أنجليزية الطلبة والطالبات كأحدهن وهي من دولة تشيلي والتي كانت لاتجيد الإنجليزية على الاطلاق وقد أنقذتها طالبة اخرى ترجمت لها ما تريد ان تقوله من الإسبانية الى الإنجليزية، هذا الأمر المُعاش فك عقدة لساني لينطلق بالحديث بدون وجل!
لم أشعر بمتعة محاورة مسرحي كما أشعر معه الآن. فهو صريح وبسيط وعفوي. لا يتكلف عبارة ولا يفتعل بلاغة ما. أشعر وكأنني أحاور أعماله المسرحية فهو يشبهها تماماً. بسيطة معقدة، حزينة.
وبعد لقاء التعارف هذا بدا لنا المكان اليفاً، وأصبحنا نحن المشاركون الإثنان والخمسون في هذه الدورة المسرحية عائلة واحدة كبيرة.
بدأ باربا بتزويدنا بمعلومات عن المسرح وعن حياته وتجربته الشخصية مع مسرح الاودن وكيف انتقل من ايطاليا الى النرويج وبولونيا ومن ثم الى الدنمارك التي يقيم فيها الآن مع فرقة اودن المسرحية التي اسسها عام 1964. وأنا أستمع اليه كنتُ استرجعُ كل ما قرأتُ وشاهدتُ له في معهد المسرح في أمستردام.
في هذه الدورة شاهدنا أغلب أعمال الفرقة المسرحية، لكنني سأركز هنا بشكل اساسي على مسرحيتن متميزتين هما(المليون ) و(حلم آندرسون) ورغم الاختلاف الشديد بينه اجوائهما الا انهما يتشابهان في المعالجة الفنية والدرامية للعمل المسرحي.المعروف عن باربا أنه نادرا ما يقدم نصوصاً مسرحية معدة سلفاً بل يرحج الارتجال وكتابة النص وصياغة العرض أثناء التدريبات، ويتناول في أعماله ndash; كما في العملين المذكورين- شخوصاً ينتقيهم من التاريخ بما يقترب من رؤيته وأفكاره.
ولهذا سوف أعمل جاهداً على تحليل هذين العملين المسرحيين خصوصا وأن مسرحية (المليون) تمثل نقطة تحول في مسيرة ايوجينو باربا المسرحية، أما مسرحية (حلم أندرسن) فهي أحدث واخر عمل مسرحي لفرقة أودن المسرحية اخراج باربا وتمثيل اعضاء الفرقة.

أودن: إله حرب بلاد الشمال،اودن، وهو أسم وجده بالصدفه. فقد كان يمشي في شارع اسمه أودن، عندما كان يبحث عن أسم يطلقه على فرقته.
( نحو مسرح ثالث) تأليف إيان واطسون ترجمة د. منى سلام

*في عام 1964 أسس بابا مسرح quot; الاودن ثياترquot; في أوسلو ومن ثم أنتقل في عام 1966 إلى هولستبرو في الدنمارك. وتعد مجموعة ( الاودن) من مسارح الاعداد الذاتي والتي طرحت نفسها فيما بعد كإحدى التجارب الرائدة في المسرح المعاصر.
مسيرة المعاكسين أنثروبولوجيا المسرح تأليف أيوجينو باربا ترجمة قاسم بياتلي