حاورتها سماح الشيخ: إيناس السقا من أوائل العاملات في المسرح الغزي، شاركت في الكثير من ورش العمل مع مسرح عشتار بالقدس والأكاديمية السويدية، قدمت أكثر من عشر أعمال منها quot;الدبquot;، quot;في شي عم بيصيرquot;. ومثّلت للأطفال.
* هل تؤمنين بوجود إبداع نسوي؟
لولا إيماني بوجود إبداع نسوي، ويقيني بأن المرأة ndash;خاصة الممثلة- تقدم شيئاً مختلفاً عن ما يقدمه الرجل، لم أكن لأخوض غمار العمل المسرحي. العمل النسوي شمل كافة مناحي الحياة، وبالأخص الإبداع. انظري لهذا الكم من الأصوات النسوية التي خطّت بنتاجاتها حروفاً من ذهب.. انظري إلى اختلافاتهم الحقيقية، خاصة في الآونة الأخيرة. المسرح الغزي تحديداً يشهد كيف عانت المرأة لتصل إلى خشبته، حتى تقول أشياء لا بد أن تقولها، ولن يقوله غيرها.
* هذا يعني أنكِ مع تصنيف الإبداع.. أنثوي وذكوري؟
الإبداع موجود مع وجود الإنسان. الرجل يبدع والمرأة تبدع، وكذلك الطفل، لكن إبداع المرأة خارج من همّها الخاص وجرحها العميق الذي لم يندمل مع كل المطالبات العالمية بإعطائها حقوقها. مهما حاولت المرأة أن تنأى بهذا الجرح، لن تستطيع في إبداعها غير التحويم ndash; في الحد الأدنى- حول قضاياها، بل وقضاياها الخاصة. برأيي أجمل إبداع هو الإبداع النابع من الألم.
* إذاً هي قضايا المرأة التي تقف وراء اختلاف إبداعها؟
مشاكل المرأة هي مشاكل الرجل. إذا سلطنا الضوء على أهم الإبداعات النسوية التي لامست أكثر مشاكل المرأة خصوصية، سنجد الرجل حاضراً بشكل أو آخر. لكن طريقة تناول المبدع الرجل تأتي من زاويته في معظم الأعمال، إلا إذا تقصّد أن ينظر من زاوية المرأة. لكن المرأة ستعبّر بتلقائية عن قضاياها في الإبداع، حتى وإن لم تتعمّد. المشاكل الإنسانية واحدة، هموم الرجل وهموم المرأة كتلة متكاملة بعدة أوجه.
* هل هذا يعني أن العمل الفني أو الأدبي سيرقى إذا استجاب للهموم الإنسانية بشكل عام؟
بالتأكيد، كلما أخذ الفن الطابع العمومي خاطب فئة أكبر من الناس بغض النظر عن لونهم وجنسهم وفكرهم. أعتقد أن هكذا أعمال ستلقى رواجاً أكبر.
* بشكل عام وفي غزة خاصةً، هل يعاني إبداع الأنثى من تهميش أم أنه يلقى رواجاً كونها امرأة؟
المرأة في مجتمعاتنا العربية والشرقية تلقى صنوف المعاناة، ما بالك إذا كانت تريد أن تبدع وتوصل رسالة. ليس لكونها جنس لطيف أو مخلوق جميل سيُصفّق لها أياً الذي تُقدمه.. إطلاقاً.
* وبعد أن وصلت المرأة الغزية للمسرح، هل قدمت كل ما يرضاه الذكر أم تحدثت بلسانها هي؟
المرأة الفلسطينية قوية جداً، رغم كل الضغوط المزدوجة التي تتعرض لها. الاحتلال يجعل الرجل يحتلّها مرتين كما لا يخفى على الجميع، إلا أنها استطاعت أن تثبت وجودها وترسخ أقدامها على الأرض ثم على خشبة المسرح، وتحدّت كل الظروف الاجتماعية المتدنية لدينا أكثر من الدول العربية الأخرى.. لم يكن هذا كله لتتحدث بلسان الذكر.
* ماذا عن ندرة العنصر النسائي في العمل المسرحي الغزي خصوصاً، هل أقحمت هذه الندرة أنصاف المبدعات؟
نعم بكل أسف، وهذا ما دمّر جهود الآخرين، هذه البدائل المنقوصة مدمرة بالطبع. كثيراً ما يستعيض المخرج عن فلانة، التي لا تستطيع لانشغال في عملٍ آخر أو التي لا توافق، بفلانة وإن كانت لا تقاربها مجرد مقاربة في الكفاءة. ألوم هنا المرأة التي رضيت أن تكون بديلاً منقوصاً، أتمنى على هذه الممثلة ألا تقحم نفسها إلا إذا وثقت من موهبتها وصقلتها بالوعي.
* الأعمال المسرحية التي قُدمت في غزة، لم تجرّب كثيراً أن تقدم المرأة إلا كما يرضاها المجتمع، والأعمال القليلة جداً التي خالفت ذلك كانت رمزية بشكل عالي حتى وصل بعضها للسريالية، أي أنها قُدمت لجمهور معيّن. هل هذا ساهم في جعل إبداع المرأة لا يخدمها بالشكل المطلوب ولا يوصل رسالتها؟
مجتمعنا واعي بشكل كبير، مثقف ومتعلم، فوجئت عدة مرات بأن جمهور العامة فهم ما ورائيات العمل التي صَعُبَ على الممثلين في بعض الأحيان أن يفهموها، ضحكوا وصفقوا وتفاعلوا كما ينبغي. مع ذلك لست مع الغموض المبالغ فيه الذي يتعمده بعض العاملين في المسرح، وأرفض العبثية غير الموظّفة التي لا تخدم العمل. هناك الكثير من القضايا التي يجب أن نتحدث فيها بصراحة.
* لكن هذا حصل، ووجدت الممثلة العربية في رمزية التعبير منبراً لتبوح دون أن تؤخذ عليها مآخذ خاصة في ما يتعلق بالهموم الأيروتيكية؟ هل حصل المثل في غزة؟
كانت هناك محاولة بسيطة عبر رقصات مسرحية quot;مستر بيرفيكتquot;. لكن طرح مثل هذه القضايا في مجتمع حساس لأبعد الحدود كمجتمعنا، يبقى مغامرة كبيرة. عاجلاً أم آجلاً سيأتي وقت نستطيع أن نقول فيه كل شيء. إلى متى سنظل نخبئ مصائبنا؟ لا نستطيع حتى الآن التكهّن بلحظة المصارحة هذه، لأن همّنا الرئيسي الآن هو الأمان!
* لأي درجة تُمنح المرأة سلطة على الخشبة؟
المسرح الحياة الصغيرة، كما يحدث في الحياة يحدث بالطبع في المسرح. غالباً يحاول الرجل (الرجل المخرج، الرجل الممثل..إلخ) سحب البساط من تحت أقدام المرأة، لكني ألحظ أنه -حتى في أقل المجتمعات تحضراً- إذا وقفت المرأة والرجل على المسرح يحدث هنا تعادل بطريقة ما، كلٌ يقدم نفسه في النهاية. بالنسبة لي، المسرح يمنحني الكثير من الحرية. إذا كانت الفنانة المسرحية متمكنة من أدواتها فستستطيع التعامل مع كل الذكور بفرض احترامها وإبداعها. في غزة لمست تعاوناً كبيراً بين الزملاء على الخشبة (رجلاً أو امرأة) وكانت الروح الحلوة تجمع الفريق في معظم الأعمال.
* هل شغلتك الإبداعات الأكثر هيمنة على العمل المسرحي.. كالتأليف والإخراج؟
بالنسبة للتأليف فأنا عادةً أضيف من روحي وتجربتي الشخصية في الحوار، وحتى الآن أجد تعاوناً وتفهماً كبيراً وتقبّلاً لارتجالاتي من المخرج الفلسطيني، فأنا امرأة في النهاية وأدرى بما ستقوله الشخصية التي ألعبها. وفي الغالب يحدث هذا مع باقي الممثلين حيث يستفيد المخرج من ارتجالاتهم وآرائهم. سبق أن كتبت اسكتشات بسيطة، لكني لم أجرؤ بعد على تأليف مسرحية كاملة، التأليف ليس سهلاً وكذلك الإخراج. على أية حال ليس لدي أي مشكلة نفسية في أن أطيع المخرج آخر الأمر فهو من يتحمل مسؤولية العمل.
* إذا كنتِ تؤمنين بأن الإبداع قادر على التغيير، خاصة الإبداع الأنثوي، فكيف نعمل على زيادة الوعي والتثقيف المسرحي، بالذات لإدخال العنصر النسائي أكثر في الأعمال المسرحية؟
هذا همّ كل المسرحيين. تنمية الثقافة المسرحية يجب أن تأتي من الطفولة، عندما يحضر الطالب الصغير جداً مسرحية، ثم تشارك الطالبة الصغيرة كممثلة وكاتبة وراقصة. عندما نصل لدرجة دفع تذكرة لحضور مسرحية، لن نمنع بناتنا من التمثيل، أنا مع مسرح التذاكر الذي يخلق انتماءاً للمسرح.
التعليقات