تسلمت من أستاذ فاضل رسالة تضمنت بعض الملاحظات الموجهة إلى بعض ما جاء من أفكار ومواقف قي مقالات لي نشرت في مواقع إلكترونية أو في مجلات وصحف غير قليلة.

لاحظت بأن الكاتب لم يطلع على كل تلك المقالات التي نشرتها والتي زاد عددها قبل سقوط النظام بفترة وجيزة وبعد سقوطه أكثر من 400 مقال ودراسة بالشؤون التي يتحدث عنها الكاتب والتي بدأت تصدر في ثلاثة كتب جامعة لتلك المقالات تحت عنوان "مقالات في بعض المسائل الملتهبة في العراق".
ابتداءً أحترم رؤية ووجهة نظر السيد الفاضل حول بعض الأمور وأقدر احتمال الاختلاف في الرأي، وهو جزء من العمل الذي يمارسه الأكاديميون عموماً وليس في ذلك ضير، بل فيه الكثير من التعبير عن صحة الأجواء التي يمكن تبادل وجهات النظر فيها دون أحكام مسبقة أو إساءات ومهاترات. احترام حرية الرأي والاختلاف، إذ عبر الحوار وتبادل وجهات النظر يمكن الوصول، ربما، إلى وحدة في الرأي أو تقارب في الرؤية أو استمرار في الاختلاف. وليس في هذا أي شذوذ أو خروج عن المألوف، بل العكس هو المرفوض.
سأحاول أن أبدأ في طرح تصوراتي المبدئية من القضايا التي تستحق الحوار، مع التمييز بين ما هو مبدئي وما هو تكتيكي يومي. وسألخص تصوراتي بالنقاط التالية:

أولاً: لقد اختلفت مع الكثرة في الموقف من الحرب لا بسبب عدم رغبتي في الخلاص من الدكتاتورية المجرمة في العراق، بل بسبب معرفتي بما يمكن أن ينشا عنها من فوضى وعربدة وقتل ودمار لا يطاق، إذ أن الحرب لا تحل إشكاليات بل تعقدها أساساً. ولا أجد ما يبرر عدم تأكيدي هذا الموقف الذي اتخذته. ولكن عندما سقط النظام عبر الحرب أصبحت القضية التي تواجهنا غير تلك التي واجهتنا قبل الحرب وقبل سقوط النظام.

ثانياً: لقد واجهتنا عدة مسائل جوهرية يفترض معالجتها بحكمة وروية، وهي:
1.وقوع العراق تحت الاحتلال واحتمالاته المعروفة، وسبل تنظيم الخلاص منه وفق أسس جديدة سلمية وديمقراطية وبالتعاون مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والرأي العام العالمي ونضال العراقيين أنفسهم وإصرارهم على حماية الاستقلال والسيادة الوطنية، ولكن ليس عبر السلاح والإرهاب أو ما يسمى بالمقاومة. وأجد نفسي ملزما ً أن أؤكد بأن العراق كان فاقداً للاستقلال والسيادة الوطنية منذ عقدين من الزمان، أي منذ أن بدأ النظام بحروبه المجنونة في العراق ومع الجيران وارتهان سياسته للخارج ومكشوفية اقتصاده على الخارج.
2.إعادة إعمار العراق وبالتعاون مع جميع دول العالم بغض النظر عن طبيعة النظم في تلك الدول، شريطة أن تتم على أسس عقلانية وديمقراطية ونزيهة، أي تأمين إعادة الخدمات العامة والحياة الاقتصادية للبلاد ومكافحة البطالة والفقر المدقع رغم الغنى الذي يتمتع به العراق.
3.معالجة القضايا العراقية المعلقة التي كانت سبباً في الكثير من المشكلات والصراعات والنزاعات والحروب في العراق، ومنها بشكل خاص القضية الكردية وتبعاتها، وكذلك السياسات الشوفينية والإقليمية والطائفية التي مارسها الدكتاتور صدام حسين أو حتى الحكام الذين سبقوه بصدد هذه القضية.
4.محاربة الإرهاب والقوى الإرهابية بكل فصائلها والتصدي لنشرها الرعب والموت والدمار في البلاد، وتطهير أجهزة الدولة من القوى التي قهرته وأساءت إليه، إضافة إلى مكافحة الفساد السائد الموروث من النظم السابقة والمتفاقم حالياً.
5.إعادة العلاقات الطبيعة مع دول الجوار ودول العالم وإقامتها على الأسس الدولية المعروفة لنا جميعاً والمثبتة في اللوائح الدولية للأمم المتحدة.

استناداً إلى ذلك وغيره اتخذت المواقف التالية:
•رفض قرار الاحتلال والعمل من أجل إصدار قرار ينهي الاحتلال بغض النظر عن الفترة التي سيبقى وفق طلب الحكومة العراقية والبرلمان لاحقاً.
•تأييد مجلس الحكم الانتقالي ودعم دوره من أجل استعادة العراق لعافيته وإيجاد السبل المناسبة لمعالجة مشكلاته، ثم ساندت الحكومة اللاحقة وانتقدت العجالة في الانتخابات التي أجرتها حكومة علاوي بسبب قصر الفترة، ثم أيدت حكومة الجعفري وانتقد عجالة سن الدستور والمشكلات المقترنة بذلك،
•البدء باتخاذ موقف سليم وعقلاني من القضية الكردية يتناسب مع التجارب الغنية التي مر بها العراق طيلة العقود الثمانية المنصرمة، وهذا يعني الاستجابة لمطلب الاعتراف بحق تقرير المصير من حيث المبدأ، والقبول بإقامة فيدرالية كردستانية عراقية في إطار الدولة العراقية الواحدة، بغض النظر عن سياسات وطبيعة القوى السياسية الكردية في السلطة، وبغض النظر عن مدى اتفاقي أو اختلافي معهم في السياسات والمواقف والتحالفات التفصيلية. ولكن ليس صحيحاً اتهامهم بأنهم يريدون القضاء على وحدة العراق بسبب مطالبتهم بالفيدرالية وتكريسها في الدستور العراقي. أرى جازما بأن السياسات الشوفينية التي مارسها الحكام والقوى القومية العربية الشوفينية هي التي كان في مقدورها تدمير الوحدة الوطنية العراقية، وليس الكرد الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة، كما أن تلك السياسات هي التي فسحت في المجال، بسبب تطرف تلك السياسات المركزية، إلى ظهور تطرف لدى بعض القوى القومية الكردية، ومع ذلك فأن المطالبة بحق تقرير المصير للشعب الكردي من قبل الشعب الكردي والأحزاب الكردية، والكثير من القوى الديمقراطية العراقية، وبضمنها الحزب الشيوعي العراقي، يعتبر حقاً مشروعاً لا يجوز رفضه أو التشكيك به. وموقفي من هذه القضية ليس جديداً، بل هو فلسفتي الماركسية ورؤيتي لحقوق الشعوب، كما أنه يتناغم مع مواقف الحزب الشيوعي العراقي على امتداد نصف القرن المنصرم، وهنا، كما يبدو لي، يبدأ الاختلاف في وجهات النظر بيني وبينكم.
•رفض ممارسة سياسة الاستبداد من أي حزب أو شخص كان، ورفض المحاصصة الطائفية في الحكم والقائمة على أساس التمييز المذهبي السياسي، فأكثرية المجتمع قادرة على الحصول على أكثرية المقاعد عبر الانتخابات وليس عبر التمييز في السياسة والممارسة المخلة بحقوق المواطنة.
•فصل الدين عن الدولة لصالح الدين والدولة في آن، ووضع دستور مدني ديمقراطي حديث وإقامة دولة اتحادية ديمقراطية حديثة.
•منح المرأة حقوقها كاملة غير منقوصة وفق مبادئ حقوق الإنسان المعترف بها دولياً والمصادق عليها من قبل العراق منذ عام 1948، والتي لم يتم الالتزام بها طيلة العقود المنصرمة.
•رفض الادعاء بأن الأحزاب الإسلامية السياسية تمثل كل أتباع المذهب الشيعي أو السني، إذ أن كثرة من أتباع هذه المذاهب لا ينتمون إلى تلك الأحزاب ولا يؤيدونها بأي حال.
•رفض تدخل المرجعيات الدينية للمذاهب المختلفة في الحياة السياسية للبلاد، فالوطن للجميع والدين علاقة بين الإنسان ومن يعبده.
•تعزيز القدرات العسكرية والأمنية والشرطة المحلية لضمان توفير مستلزمات تحقيق أربع مسائل جوهرية، وهي:
oتأمين القوى القادرة على مواجهة الإرهاب الذي يتعرض له الشعب العراقي.
oتأمين مستلزمات إنهاء الاحتلال ومطالبة الولايات المتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة بذلك.
oحل سريع لكل الميلشيات العراقية التي تشكلت في السنوات الأخيرة، إذ أنها لا يمكن أن تتناغم مع سياسة الدولة، بل تبقى خاضعة لسياسات أحزابها.
oإبعاد القوات المسلحة عن سياسات الأحزاب المختلفة وجعلها مخلصة للوطن والشعب والحياة الدستورية الديمقراطية، وأن تؤدي هذه الأجهزة واجباتها بشكل مستقل وفق اختصاصها مع تأمين تنسيق في ما بينها.
•رفض تدخل الدول الأخرى المجاورة أو الكبرى في سياسة العراق الداخلية وفي شؤونه الاجتماعية أو نهجه الاقتصادي. وهو أمر أساسي بالنسبة للمجتمع العراقي الآن وفي المستقبل.
•أحترم القومية العربية لأني أنتمي إليها، ولكني أحترم بنفس القدر جميع القوميات في العراق والعالم، ومن لا يحترم القوميات الأخرى ولا يعاملها دون تمييز، لا يحترم قوميته ولا يمكن أن يطالب الآخرين باحترام قوميته أو عدم التمييز ضدها.
•لست رجلاً متديناً، ولكني أحترم الأديان والمذاهب كلها دون استثناء، والدين الإسلامي الذي ولدت في أحضانه ومن عائلة مسلمة متدينة وفي مدينة مقدسة، وهي كربلاء، لا يمكن أن أكون ضد الإسلام بأي حال من الأحوال، ولكن لا يمكن أن أؤيد قوى الإسلام السياسي المتطرفة أو التي تلتزم التمييز ضد الأديان والمذاهب الأخرى من جهة، ولا يمكن الكف عن نقد الشريعة عندما تكون فيها أخطاء أو نواقص، فالشريعة من خلق الناس وليس غير ذلك، وهي قابلة للخطأ والصواب، كما يمكن أن يحصل مع رأيي ورأيكم. ومن هنا تنشا الاختلاف في الاجتهاد، ومن هنا نشأت المذاهب المختلفة بسبب الاختلاف في الاجتهاد والتفسير والرؤية. وليس في تعدد المذاهب أي خلل، بل في ممارسة التمييز في ما بين المذاهب أو تحولها إلى ممارسات مذهبية سياسية.

حول الموقف من سياسات الحزب الشيوعي العراق
في رسالتكم تتجاوزن حدود النقد البناء والموضوعي والهادف وتوجهون الاتهامات الخاطئة للحزب الشيوعي العراقي، وفيها إساءات لا مبرر لها وليست مقبولة. أختلف معكم كلية في هذا الصدد. وبغض النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف في هذه القضية السياسية أو تلك أو هذه المسالة الاقتصادية أو تلك وإزاء هذا الموقف أو ذاك مع قيادة الحزب الشيوعي العراقي، فأنا أعتبر أن هذا الحزب السياسي العراقي:
•قد قدم وما يزال يقدم الكثير للشعب العراقي، سواء في مجال التنوير الفكري أو النضال السياسي من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق المجتمع وخاصة الكادحين منهم.
•وأنه على امتداد 71 عاماً قدم الكثير والكثير جداً من التضحيات الغالية لا لمصلحة ذاتية، بل في سبيل قضية الشعب العراقي وحريته واستقلاله.
•وأنه رفض الحرب والاحتلال، ولكنه تصرف بواقعية إزاء المهمات الجديدة التي واجهت العراق بعد سقوط الدكتاتورية والدكتاتور ونشوء ظروف جديدة تستوجب عدم الجمود والحركة العقلانية.
•وأنه ساهم وما يزال يساهم في سبيل إقامة مجتمع مدني ديمقراطي حديث ويرفض السياسات والمواقف الطائفية السياسية.
•وأنه وقف إلى جانب حق الشعب الكردي في تقرير مصيره وحقه في الفيدرالية وضد العنصرية والشوفينية وضيق الأفق القومي. كما أنه وقف ويقف إلى جانب الحقوق الثقافية والإدارية لبقية القوميات في العراق مثل التركمان والكل أشور.
•وأنه يرفض إقامة دولة دينية على أرض العراق لأنه يعتمد العلمانية والديمقراطية، وهو يحترم جميع الأديان والمذاهب ويحترم طقوسها وتقاليدها وعادات الناس المؤمنين. فهو ليس ضد هذا الدين أو ذاك، ولم تصدر عنه طيلة عمر هذا الحزب ما يسيء إلى الأديان بأي صورة كانت. ويمكن أن يتحدى الإنسان جميع من يدعي العكس أن يبرهن على ذلك بالوثائق وليس بالكلام.
•ومن المعروف عن الحزب الشيوعي أنه رفض ويرفض السياسات الإسرائيلية التي تمارس الاحتلال واغتصاب الأرض والإرهاب والعقاب الجماعي والعنصرية في سياستها إزاء العرب ووسياسة التمييز إزاء العرب في إسرائيل ذاتها وغير ذلك، كما وقف إلى جانب الحق عرب فلسطين في إقامة دولتهم الوطنية الديمقراطية على أرض فلسطين، وأن تكون القدس عاصمتها وطالب بحق العودة.
•إن التحالفات السياسية التي يقيمها الحزب الشيوعي العراقي تخصه ومن حقك انتقاده عليها، ولكن من حقه أن يقيمها وفق رؤيته لها. ومن حقي كمستقل أن أنتقدها أيضاً إن وجدت ما يستحق الانتقاد في تلك السياسة، وعندما يرى الحزب الشيوعي العراقي بأن الصراع الراهن في البلاد يدفع بالأمور باتجاه معين، عند ذاك يجد نفسه أمام حاجة إلى تحالف واسع مع كل المدنيين والعلمانيين والديمقراطيين من أجل رفض إقامة دولة دينية مثلاً، وهذا لا يعني بأنه يقف ضد الدين الإسلامي أو ضد العروبة، كما تدعون في رسالتكم.
•والجدير بالإشارة إلى أن الحزب الشيوعي العراقي هو أكثر الأحزاب السياسية العراقية الذي وجه نقداً لسياساته عندما كان يرتكب هذا الخطأ أو ذاك، في حين ابتعدت الكثير من الأحزاب السياسية العراقية عن نقد الذات. ويمكنك العودة إلى تقارير التقويم والتقييم الذي نشرته مؤتمرات الحزب قادرة على إقناعك بأنه كان يمارس هذا النهج، بغض النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا بدقة وصواب هذا النقد الذاتي أو ذاك.
يمكنني أن أختلف مع الحزب الشيوعي ويمكنكم ذلك أيضاً، وهو مفيد طبعاً، ولكن الاختلاف شيء والعداء لهذا الحزب الوطني العراقي شيء آخر. ومن هنا أرفض الادعاءات الواردة في الرسالة والمسيئة للحزب الشيوعي العراقي.
كم كنت أتمنى أن تكونوا منصفين في نقدكم للحزب الشيوعي العراقي، إذ أن الموضوعية والإنصاف تساعدان على قبول النقد من قبل الحزب الذي يوجه له النقد، في حين أن الهجوم والاتهام غير الواقعيين لا يساعدان على ذلك بأي حال.

الموقف من السياسة الإيرانية وأحزاب الإسلام السياسي العراقية
قلت لكم بأنكم لم تقرأوا كل مقالاتي، وليس في هذا عيب، كما ليس هو المطلوب طبعاً، ولكنها ستؤثر على تقديركم لمواقفي ورؤيتي للأمور. ولو كنتم قد اطلعتم على ما أكتب لما تكونت لديكم تلك الرؤية القاصرة عن أفكاري وتوجهاتي. فأنا عندما أنتقد السياسة الإيرانية إزاء العراق أولاً، وأنتقد تعاون بعض الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية مع الحرس الثوري والأمن الإيراني وقوى إيرانية أخرى ثانياً، فأن هذا لا يعني أن النقد موجه ضد تلك الأحزاب لأنها إسلامية أو شيعية، بل لأن هناك تعاوناً مخلاً بالاستقلال والسيادة الوطنية وبالوجهة التي يراد للعراق أن يسير فيها، وأن هناك الكثير من الحقائق التي تؤكد ذلك، رغم أني لا أتفق مع تشكيل أحزاب سياسية على أسس مذهبية سياسية. ولو تسنى لكم قراءة مقالتي الموسومة "البصرة الحزينة ... البصرة المستباحة" لعرفتم حقيقة الدوافع التي جعلتني أتحدث عن هذه العلاقة غير السليمة.
وعندما أنتقد الأحزاب السياسية السنية، وخاصة هيئة علماء المسلمين، فلأنها تمارس سياسة الإرهاب الفكري في المجتمع العراقي، على طريقة صدام حسين بالتمام والكمال، وتساند الإرهاب علناً بحجة المقاومة ومن على منابر المساجد في خطب الجمعة. إنها تربط بين الدين والقومية، أي تربط بين التزمت الديني المذهبي وبين التعصب القومي الشوفيني، وتكون الحصيلة في مثل هذا التزاوج سيئة جداً للمجتمع وللفرد.
وعندما أنتقد القوى القومية العربية الشوفينية، مثل المؤتمر القومي العربي، فلأنه يمارس سياسة شوفينية ضد القوميات الأخرى في العراق، ولأنه يساند القوى الإرهابية علناً بحجة المقاومة، كما ساند قبل ذاك حزب البعث العفلقي وهو في السلطة. ويمكنك قراءة مقالاتي التي كتبتها في العام الماضي وهي عبارة عن حوار مع أفكار وممارسات المؤتمر القومي العربي مع الدكتور خير الدين حسيب، الأب الروحي لهذا المؤتمر.
لقد كتبت مقالات دعوت إلى تأييد الحكومة التي يرأسها الدكتور الجعفري بأمل أن يحقق نتائج طيبة لصالح العراق، بغض النظر عن القوى التي يمثلها، ولكن عندما لاحظت النواقص الجدية التي رافقت سياساته ودوره الفردي في إدارة أمور الحكومة وطريقته الطائفية السياسية وموقفه من قضايا الحجاب حتى في دوائر مجلس الوزراء، إضافة إلى استمرار الإرهاب في البلاد وانفلات أمني والدور الجديد السيئ لقوى لفيلق بدر وجيش المهدي، بدأت أوجه النقد لسياساته، وهو حق مشروع لي ولمن يقف ضد أو يدافع عن سياسات الجعفري. هناك وزارات في العراق حالياً لا تعين خريجاً إلا إذ كان قد حفظ سورة طويلة من سور القرآن بكاملها. أليس في هذا اغتصاب لفكر وإرادة الإنسان وفرض إرادة الوزير على الناس وفرض فكر معين على الناس؟
خذ مثلاً الموقف من الدستور. فأثناء النقاش أبديت ملاحظاتي الجدية على جملة من قضايا الدستور التي أعتبرها مخلة بالحرية والديمقراطية، كان المفروض أن لا يتضمنها الدستور العراقي المدني والديمقراطي الذي نسعى إليه. ولكن بعد صدور القانون، علينا احترامه وتطبيقه، ولكن هذا لا يعني الكف عن النضال من أجل تعديله وتغيير ما هو سلبي فيه حسب وجهة نظري، وتحسينه لصالح العرق الجديد.
لست معنياً بانتمائكم الفكري والسياسي، فهي قضية خاصة بكم، ولكن أشعر بأنكم كأستاذ جامعي كان يفترض فيكم أن تمتلكوا منهجاً علمياً في متابعة الوضع في العراق ومتابعة الأحداث الجارية فيه بعين ثاقبة ذات رؤية أكاديمية نقدية. ولهذا أتمنى أن تعيدوا النظر بما كتبتموه والاتهامات التي وجهتموها، لا لكي تتطابق أفكاركم مع أفكاري ومواقفي، بل لكي تنطلقوا من أرض الواقع ومن السياسات التي تمارس في العراق. فالأكثرية العربية الشيعية في المجتمع لا تعني اغتصاب الآخر أو فرض الإرادة عليه، بل يعني الحكم ديمقراطياً ووفق الدستور الديمقراطي وليس بالقوة وبقوة المرجعية التي حاول كل من السيدين عبد العزيز الحكيم والسيد إبراهيم الجعفري الاعتماد عليها للحصول على أكثرية في الجمعية الوطنية، وأملي أن لا يحصل هذا في الانتخابات القادمة، رغم قناعتي بوجود تأييد مبطن من قبل من هم حول السيد السيستاني. تعلمت في حياتي أن الثقة جيدة ولكن الرقابة أجود. وسنرى كيف تسير الأمور في الانتخابات القادمة.