لا أدري لعلها من سخريات الأقدار أن يكون الإعلام الكويتي المعروف بتاريخه القومي وبمواقفه المتضامنة مع حريات الشعوب منذ مراحل مبكرة من التاريخ العربي المعاصر في هذه الأيام السوداء ملطشة لكل من هب ودب من متسلقي الإعلام العربي الزاعق المتمسك بأهداب الشعارات السقيمة الفاشلة والمعتمدة على نفخ وعرض عضلات اللسان وإطلاق التهم غير المسؤولة للنيل من الحريات الصحفية ومن المهنية الإعلامية البحتة، إذ أن من أهم واجبات الإعلامي المهنية هي التنبيه على مناطق الخلل قوميا ووطنيا وتحديد أماكن التقصير، وتوسيع لغة النقد الهادف للتغيير نحو الأفضل، وإذا كانت العديد من المنابر الإعلامية العربية ومنذ ما يزيد على العقد ونيف من السنين قد ناصبت السياسة الكويتية العداء ووقفت منها مواقف سلبية توجت بالعديد من المواقف المعيبة والمخجلة التي هللت وصفقت وزمرت للغزو الصدامي البائس لدولة الكويت وتدميرها ونهبها وتشريد شعبها عام 1990 فإن تلك المنابر المعروفة أو بعضها لم يتعظ أو يأخذ العبرة أو يلتفت لذمة مفقودة أو ضمير نائم بل أمعنت في الدس والتشويه والإفتراء والحملات الصحفية البائسة المضحكة التي تفضح أصحابها أكثر من إساءتها للشعب العربي الكويتي الذي شق طريقه بعد التحرير ليعلي البناء، وليتجاوز المحنة، ويسمو على الجراح، وكانت مصادر ومنابع تلكم الهجمات معروفة ومشخصة ومفروزة بكونها النتوءات التي تتجمع فيها بقايا العفن البعثي والعدواني المتخلفة التي خرجت من ساحة التاريخ ومن حسابات الشعوب، وخلال عملية تحرير العراق من قتلته وجلاديه كان للإعلام الكويتي سبق الصدارة والتفرد بل والفدائية في مخالفة غالبية وسائل الإعلام العربية التي هرولت لاهثة خلف أكاذيب (الصحاف) وترهات بعض الفضائيات المعروفة إرتباطاتها وعلاقاتها وطبيعة محلليها وحتى (مترجميها)!! فوثائق المخابرات العراقية البائدة قد فضحت كل شيء ولم تدع أي مجال لأي مجتهد أو تبريري لأن يبرز بطولاته وعنترياته التلفزيونية! ومن خلال الصراخ والزعيق ودس السم في العسل!، عبر خلق الزوابع الوهمية، والعلك بالشعارات الثقيلة، والتلويح بلغة الإبتزاز الإعلامية التي إضمحلت مدرستها البائدة!! وهو بالضبط ما شهده برنامج (الإتجاه المعاكس) من على شاشة الجزيرة مؤخرا! فهذا البرنامج تحديدا شهد في الآونة الأخيرة هبوطا حادا على مستوى الإعداد والفكرة والتوجيه ومساحة الوقت، وحتى الضيوف الذين تكررت وجوههم كثيرا وبات معتادا معرفة الضيف من الإعلان الأول عن موضوع النقاش! وطبيعي أن المفاوضات الماراثونية التي تسبق إستضافة الضيوف تجعل كل الحوار مرتبا بشكل مسبق!! أي أن المقدم والمعد قد وضعا خطة تفصيلية لتوجيه الحوار قبل أن يبدأ!! وتسديد إطلاقاته بالتالي للهدف المراد قصفه!! , ففي الحلقة المخصصة مثلا لموقف العرب من النظام السوري وأزمته الجديدة وورطته المهلكة تم الإتصال بالعديد من الإعلاميين والصحفيين دون التوصل لإستضافة أحد معين لأنهم رفضوا القبول بالكلام والآراء المسبقة التي تفرض عليهم؟؟ إذ أن ذلك يمثل مهزلة فكرية، وسخافة إعلامية تطيح بالحد الأدنى من أسطورة (الرأي والرأي الآخر)!! أو نظرية (من حق الشعوب أن تعرف)!!، لذلك كله لم يكن غريبا ولا عجيبا أن يتم حشر دولة الكويت في الموضوع السوري من خلال التهجم الفج والوقح على الإعلام الكويتي وتوجيه الإتهام الصريح والمباشر له بأنه والإعلام السعودي يقف على يمين الصهيونية!!، ولا أدري المعايير التي إعتمدها (الرفيق) مقدم البرنامج في توجيه تلك الإتهامات الظالمة؟ هل هي منطلقات الجماعات البعثية الفكرية؟ أم أنها ترجمة لنبض الشارع العربي كما يقولون؟ أم أنها تعبير عن أزمة نفسية وشخصية مريضة لا تجد متنفسا لها إلا من خلال التركيز في الهجوم المريض على كل شيء كويتي؟.
إن تاريخ ومهنية ومصداقية الإعلام الكويتي في الماضي والحاضر لا يحددها هذا الشخص أو ذاك، ولا ترتبط بالأمزجة الشخصية لأي طرف، لأن ذلك هو جزء فاعل من تاريخ العرب السياسي الحديث، وصراع الكلمات المريضة الحاقدة لن يغير السجلات أو يشوه المواقف، ولعل أبناء الجيل الحالي لا يتذكرون كم كان الإعلام الكويتي عنيدا في عام 1982 وهو يقف وقفته القومية المشهودة مع أزمة المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية والقوات السورية خلال الغزو والإحتلال الإسرائيلي لبيروت في صيف ذلك العام؟ وهي شذرة من مواقف تاريخية ومتراكمة من المواقف القومية التي غابت حقائقها عن ضمائر أهل الحقد وكتائب التشويه الإعلامية المريضة، وحتى بعد الغزو ثم التحرير لم يكن الإعلام الكويتي يتصرف بمنطق رد الفعل أو الثأر.. بل تصرف بمنطق حضاري فهو عبر عن فجيعة الشعب الكويتي النفسية بجحود بعض العرب لكنه لم يقف موقفا سلبيا من العروبة وقضايا العرب بل ظل حتى اليوم حصنا وطنيا وقوميا شامخا ليس للتطبيع فيه مكان، وليس للقنوات السرية فيه أي وجود، وظلت الشفافية والمكاشفة والعمل تحت الشمس والأضواء الكاشفة هي سمة الإعلام كما هي سمة السياسة والدبلوماسية الكويتية التي تفردت تاريخيا بإعلانها الوقوف العلني والصريح بجانب الجهود الحرة لهدم أصنام الطغاة في العراق، ومساعدة الشعب العراقي الشقيق على إجتياز محنته التاريخية المتجذرة بل والمخاطرة الحقيقية في تحمل كل النتائج والتبعات السلبية وصواريخ الإتهامات المتجنية والطائشة والتي لا يؤثر أزيزها في حصون الكويت وأسوارها الدفاعية لأنها تدافع عن الحق والقيم الإنسانية، ولأنها أمينة لمباديء العدل والخير والسلام التي سعت إليه بكل قواها منذ مرحلة التأسيس والبناء الوطني الأولى التي تجاوزت مخاطرها و أزماتها، فحينما يتهم (أحدهم) بعد ذلك الكويت وإعلامها بالصهيونية فإن ذلك الإتهام المضحك لا يعبر إلا عن خواء نفس مطلقه وأزمته النفسية المقيمة التي أطلقت كوامنها وعجلت بدوافعها نجاح الإعلام الكويتي في أن يكون منسجما مع روح العصر ومع تيارات الحرية، ومع الإنفتاح والتقدم الذي إنعكس في مسيرة الخير الكويتية عبر تطوير العملية الديمقراطية وتوسيع المشاركة الشعبية، وكنس التخلف وقيمه، والإستثمار الأفضل للطاقات المادية والبشرية من أجل كسب خيارات ورهانات المستقبل، الإعلام الكويتي الذي كان ولا زال لسان حال الأحرار من العرب لا يمكن أن تكبح إنطلاقته رفسات وعويل أهل الفكر الديناصوري العدواني المنقرض، ولا يمكن أن تشوه طهارته ونقاوته القومية كل فحيح الأفاعي الفضائية المشبوهة، فإذا كانوا يبحثون عن المطبعين و المنبطحين فليفتشوا في مواقع أخرى غير الموقع الكويتي الذي نذر نفسه للحرية والتقدم والسلام، وحينما يفتح الإعلام الكويتي اليوم بوابات الحرية والصراحة والتعبير لأحرار العرب فإن في ذلك مساهمة أكيدة و ضمانة مستقبلية لتوسيع الحرية ولجرف الطغيان والإستبداد والتخلف، فبالحرية وحدها تميزت الكويت وإزدهرت منذ أن ضحى أبنائها بدمائهم على أسوار (القصر الأحمر) في معركة الجهراء عام 1920 في رفض التبعية وفرض الآراء أو قبول شروط التطرف والإنغلاق!، وبالحرية وحدها شق الشعب الكويتي الصغير طريقه وسط حقول الألغام المهلكة لتكون الكويت اليوم ورشة عمل وبناء وجوهرة للخليج العربي، وهي الحالة التي تواصلت بعد سبعين عاما في مؤتمر جدة عام 1990 في المبايعة الشعبية الشاملة للكويت الحرة والمستقلة والمسالمة، فمهما (نبح) المرجفون، فإن عويلهم سيرتد وبالا عليهم، فحرية الإعلام الكويتي وطهارته القومية هي من نفس نموذج حرية الكويت وتألقها وإصرار أهلها على قيم الخير والحق والسلام... فلاا نامت أعين أهل الدس والإفتراء و التجني
.

[email protected]