حالات الخطف المجرمة التي تتبعها مساومات إبتزازية بهدف الحصول على الفدية المالية الضخمة قد وصلت في العراق المنهك أمنيا لدرجة كبيرة من الإستهتار و الإستخفاف بكل القيم فضلا عن غياب أجهزة الحكومة الأمنية غيابا شبه كامل كما تجسد مؤخرا في حالة خطف الصديق المناضل الوطني العميد (توفيق الياسري) من منزله في بغداد بعملية هجومية من سبعة سيارات محملة بالمسلحين بلغ عددهم الخمسين عنصرا في زي رجال الشرطة!! وهي عملية غريبة تؤكد على فشل الحكومة العراقية التام في عملية المعالجة الأمنية، وفشل الوزارات الأمنية في تأدية مهامها الوظيفية وخصوصا وزارة ما يسمى بــــ (الأمن الوطني) عديمة اللون والطعم والرائحة! والتي ستفوح منها قريبا روائح المليشيات الخاصة الممولة والمجهزة إيرانيا!!، فوزيرها الهمام سماحة الملا (عبد الكريم العنزي) يبدو في معمعة الأوضاع المتدهورة كالزوج المخدوع : آخر من يعلم؟، و تكاملت قائمة الحساب الأمنية المتدهورة مع الهجوم الدموي الأخير على مقر الحزب الشيوعي العراقي في مدينة الثورة البغدادية والذي قامت به إحدى العصابات الدينية الطائفية يرتدي أفرادها (الدشاديش) السوداء!! في تطور نوعي للإرهاب الطائفي الذي هو أحد فروع الإرهاب الأصولي؟ وأتبع ذلك حادث قتل بشع ساهم فيه أكثر من أربعين عنصرا إرهابيا مسلحا يرتدون زي الجيش العراقي أبيد فيه رجال عائلة عراقية كاملة في وسط بغداد؟ وغير ذلك العديد من الحالات اليومية التي لا يسمع بها الإعلام في مختلف مدن العراق وبواديه؟ يضاف لكل ذلك إستمرار عمليات (التفخيخ) وتفجير السيارات وسط المدنيين وفي المساجد والأسواق لتضيف لصورة الوضع العراقي أبعادا مأساوية هي الكارثة بعينها! وطبعا المرحلة الحالية هي مرحلة حرجة للغاية تتداخل فيها دوافع الإرهابيين من بعثيين وسلفيين وقتلة وأغبياء ولصوص وعملاء للمخابرات الإيرانية مع دوافع عمليات تصفية حسابات شخصية، أو دوافع إنتخابية! بهدف الحصول على منافع مادية يتسابق ويتقاتل نحوها وحولها الكثير في ظل المائدة العراقية المنهوبة، أو دوافع طائفية أو دينية أو عرقية؟ فكل إحتمالات الجحيم مفتوحة في العراق؟ وكل الخيارات ممكنة ومتوقعة! وبالتالي فإن بوابة الجحيم العراقية قد فتحت أبوابها على أوسع مدى لتحاول بعض القوى الميدانية الهيمنة على القرار العراقي مستقبلا، لا سيما وأن إشتداد شراسة الحملات الإنتخابية قد فتح ملفات فضائحية عديدة وكشف عن أدوار وتواريخ ماضية لبعض الرموز العراقية السياسية كانت في عالم الكتمان والصمت والتجاهل!، ولكن بعد إنتهاء أعمال مؤتمر الوفاق العراقي في مقر الجامعة العربية في القاهرة بنتائج هي حالة وسط بين النجاح المتحفظ والفشل الخجول ستعمد كل القوى السياسية لمراجعة مواقفها وتحديد سياساتها، والتهيؤ لمرحلة قادمة وغامضة من العمل السياسي في العراق، وهي مرحلة جديدة لدولة لم تتهيأ لحد الآن لها أسباب الإطمئنان أو وضوح الرؤية المستقبلية في ظل صراع الإرادات والتجاذبات الحادة الذي سيولد مجازر دموية جديدة أضحت للأسف من الأمور المعتادة في بلد يبحث عن الأمان المفقود وتتصارع فيه وحوله كل نظريات التاريخ البائدة ومرتكزات المستقبل المنتظرة؟، وقد بات واضحا اليوم أن العديد من القوى الداخلية المرتبطة بأجندات ومصالح خارجية لا تريد لعملية التفاهم والتوافق أن تستمر وتنمو وتتصاعد في العراق، ولا تريد لتيارات الدم الساخنة المتدفقة أن تتوقف خصوصا وأن تشكيل العصابات المسلحة والتي تضم عشرات المسلحين بسياراتهم وآلياتهم قد أضحت الموضة الجديدة في بلد إختلط فيه الحابل بالنابل؟ وبات من الصعب التمييز بين الإرهابي ورجل السلطة؟ وبين العسكري الحقيقي والقاتل المحترف؟ وبين البعثي الشرير والبعثي الطيب!! رغم أنه حسب إعتقادنا لا يوجد شيء إسمه (بعثي طيب)!، فكل أسس وعوامل الخراب العراقي الراهن يتحمل حزب البعث تاريخيا مسؤوليته المباشرة!، وتلك الحقيقة التاريخية ليست موضع جدال أو نقاش، ولا يتناطح حولها عنزان!.
وتحديد المستقبل العراقي قد تكون ملامحه الأولى في طريقها للتشكل مع نتائج الإنتخابات العامة القادمة في منتصف ديسمبر، والتي ستكون مرحلة فاصلة وحاسمة في تاريخ العراق الحديث، فكل القوى السياسية المتصارعة والتي بلغت رقما قياسيا في تشكيلاتها وبشكل غير مسبوق تحاول طرح رؤاها وتصوراتها في بلد لم يعرف الإستقرار النفسي ولا التوافق السياسي منذ مرحلة التأسيس الحديثة في عام 1921، والخطر الأكبر على مستقبل التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق بعد دحر الإرهاب السلف/ بعثي هو الجماعات والمليشيات الدينية والطائفية والتي ستتحمل الحكومة العراقية القادمة مسؤولية تاريخية كبرى في تنظيف العراق من أدرانها لأنها تحمل بين ثناياها كل تفاصيل ومشاهد وملاحم التقسيم المرعبة، إنها أحزاب (الدشاديش) السوداء التي تهدف لأن يلف السواد كل العراق... فهل نحن منتبهون؟.
- آخر تحديث :
التعليقات