نقد العقل الكردي

أبدأ هنا بمقالي المعنون (قمة الاحسان: مناشدة إلى الرئيس مسعود البرزاني) الذي نُشر يوم الأحد المصادف 25 ديسمبر في موقع إيلاف العظيم، وأنا أعتز أن أنتمي لعائلة إيلاف الحرة، مناشدا في ذلك المقال السيد رئيس أقليم كردستان مسعود البرزاني بالعفو عن كمال سيد قادر وإطلاق سراحه. أحدث المقال ضجة كبيرة، وكُتبت عشرات التعليقات عليه من مؤيد ومعارض، ووردتني أيضا رسائل ألكترونية أكثرها مؤيدة ومشجعة، في حين طالب البعض التوضيح أكثر على أساس أنني معروف بنقدي للوضع الكردستاني، وأنهم لم يفهموا ما كنت أنويه في ذلك المقال.

أتأسف أن أقول أن ما وضحته أعلاه جلّي لأصحاب الفكر، لكن أساء البعض مناشدتي عن جهل أو تحمس أعمى. فبعض الناس لا يفهمون الكلمة إلاّ إذا كانت واضحة بالشكل الذي يريدون أن يفهموها.

أقول بصراحة متناهية وبدون أي تردد، ومن منطلق مبادئي وإيماني بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وحرية الكلمة النزيهة، أنني أرفض الحكم الذي صدر في محكمة خاصة غير علنية بحق كمال سيد قادر، وأدعو إلى ضرورة محاكمته محاكمة عادلة وقانونية وعلنية تعطيه الحق في توكل محام دفاع للدفاع عنه، ولتبيان خفايا التجاوزات القانونية التي إرتكبها. أما إذا كانت تلك المحاكمة الصورية تهديدا للكتاب الآخرين بأن لا ينقدوا فذلك مرفوض كليا. لأن النقد العقلاني حالة صحية ضرورية من أجل الإصلاح والتقدم.

لا أعني أنني أؤيد ممارسات الدكتور كمال سيد قادر إذا تجاوز النقد إلى تهجم بالشكل الذي يهدم حدود التقبل في العقلية السائدة في جميع أجزاء كردستان. مع تأكيدي بضرورة النقد النزيه الموجه للقيادات الكردستانية لأنها ليست معصومة عن الخطأ. ولا بد من هذا النقد النزيه لخيرنا جميعا. لكنني لا أؤيد أيضا المحاكم الحزبية وأدعو إلى إلغاء تلك المحاكم وإلغاء قرار الحكم بحق الدكتور كمال سيد قادر. وإذا كان جُرم الأخ الدكتور كمال جرم آخر غير النقد فعلى القيادة الكردستانية أن تبين للجماهير ذلك الجُرم حتى تتوقف حملات العداء والاستنكار التي يستغلها البعض. إننا لا نؤيد أي جرم لاقانوني فيما إذا إرتكبه الدكتور كمال سيد قادر بالتشهير بالعائلة البرزانية أو الشعب الكردي. ومع هذا فإنه لابد من محاكمة عادلة لتطَلع الجماهير الكردستانية على الحقيقة. أما إذا كانت جريمته نقدا للقيادة من باب الإصلاح فإننا نستنكر الحكم عليه حتى وإن كان يوما واحدا، ونطالب بإطلاق سراحه فورا وبدون تأخير، لأن من حق كل مواطن كردستاني أن يمارس النقد النزيه والبعيد عن التشهير. قيادة البرزاني مطالبة بتبيان الحقيقة للجماهير، لأن ما حدث لا زال غامضا ويسبب الإحراج لنا جميعا بما فيها لقيادة البرزاني نفسها. وجميع الكتاب الكرد الذين يعيشون في المهجر يخشون من العقوبات لأنهم ينتقدون. ونحن نرفض كَمَّ الأفواه، طالما أن موقف هؤلاء الكتاب هو موقف مسالم ومؤيد للقضية الكردية، وغير معاد للقيادات الكردستانية إذا تحترم تلك القيادات حرية الكلمة وممارسة الإرادة الحرة وحقوق الإنسان. وأنا اقول هذا الكلام، من منطلق الحياد التام، فأنا لست عضوا في أي حزب سياسي، وأنا أحترم جميع القيادات الكردستانية بعيدا عن التملق والخضوع وعبادة الشخصية.

أرفض استخدام أسلوب المهاترات ضد القيادات الكردستانية. وأنا أنقد الأحزاب والقيادات الكردستانية من منطلق الدعوة إلى التصحيح والتغيير نحو الأفضل، ولكنني في الوقت نفسه، أجد أن من حقي ومن حق كل كاتب كردستاني أن ينقد الوضع البائس في أقليم كردستان في حدود الأحترام. ويجب أن يكون هذا الاحترام متبادلا. صحيح أنني استلمت شكاوى من مسؤولين كبار عن النقد الذي أمارسه، وأصر أن أستمر في هذا النقد ولا أتملق لأحد، لأنني مقتنع أن النقد الذي أمارسه عقلاني وضروري ويجب أن يمارس لخير الشعب والوطن دون تجريح أي مواطن حكاما ومحكومين. كما أنني مقتنع أيضا أن القيادات الكردستانية تتقبل النقد البعيد عن التجريح والمهاترات، وعليها أن تحترم الكتاب في ممارستهم ذلك النقد النزيه.

ما العمل؟
شكَّلَ بعض الأخوة لجنة معينة تحت غطاء الدفاع عن الأخ كمال سيد قادر. وأعتقد جازما أن بعض الأفراد يسيؤون إلى الأخ كمال أكثر مما يدافعون عنه بالشكل الذي يعملون. فهم ينشرون مقالات عدائية عدوانية ضد القيادات الكردستانية، تتجاوز حدود النقد العقلاني للدفاع عن الأخ كمال، إلى التهجم الشديد على العائلة البرزانية بالذات والقيادات الكردستانية الأخرى ليس بدافع الدفاع عن الأخ السجين الدكتور كمال إنما بدافع التهجم على العائلة والقيادة تحت غطاء الدفاع. إن تلك الممارسات تُعقِد قضية الدكتور كمال أكثر ولا تؤدي إلى إطلاق سراحه. وأنا اقول هذا من زاوية حرصي على حرية الأخ كمال سيد قادر، وإنه من غير الممكن أن تكون للكلمات القاسية المشحونة بالتهجم والعداء والشماتة أن تحرر صديقنا الأخ كمال. لذلك فإنني أنصح إخواني الذين يعتبرون أنفسهم حريصين على حرية الأخ كمال سيد قادر أن يتبعوا أسلوبا أكثر حكمة. إنني أكرر أننا نرفض الحكم عليه لمدة ثلاثين عاما، ونطالب بإلغاء ذلك الحكم، ومحاكمته محاكمة نزيهة وقانونية وعلنية، تعطيه الحق أن يكون له محامي يختاره هو. مع أنني أجدد مناشدتي للرئيس البرزاني بالعفو عنه.

وأكرر أن الأسلوب الذي يتبعه بعض الزملاء بالتهجم السافر على القيادات الكردستانية يريح أعداء الكرد. فهناك عدد كبير من المتطرفين المعادين للشعب الكردي يتمنَون أن تستمر هذه الحملة الشعواء للإساءة للشعب الكردي قاطبة. وهم بذلك يفَضلون بقاء الأخ كمال في السجن ليستمر هذا العداء ليس بحق العائلة البرزانية والقيادات الكردستانية الأخرى فحسب، إنما بحق كل الكرد، وأرجو الكف عنه، لأنه حرب يستفيد منها أعداء الكرد، وإن كانت نية الأخوة المدافعين عن الدكتور كمال صادقة، ولكنها مضرة بهذا الأسلوب. لابد من اتباع أسلوب ديمقراطي عقلاني، وممارسة النقد العقلاني، والعمل الجاد من أجل الكلمة الحرة والنزيهة.

أعرف عددا كبيرا من الكتاب لم يتجرؤوا السفر إلى العراق وبعض مناطق أقليم كردستان منذ سنين. وإنني واحد من أولئك الذين لم يسافروا إلى أقليم كردستان منذ عام 1994، لأنني أنقد، رغم أن نقدي نزيه وبعيد كل البعد عن التجريح والتشخيص والعداء، إنما للبناء ومن أجل الحرية. لكنني استلمت تهدات مبطنة أن أكف عن النقد. سحقا لولاء يُباعُ ويُشترى. سحقا لتحزب لا يفهم معنى الحرية. سُحقا لحياة لا يفكر فيها الإنسان إلاّ بالمال والأملاك والدروشة.

إذن ندعو الحرية للدكتور كمال سيد قادر، ونطالب في الوقت نفسه بوقف حملات التشهير والعداء ضد القيادات الكردستانية، وضرورة ممارسة النقد النزيه لخير الشعب. كما نطالب القيادات الكردستانية بضرورة العمل من أجل البناء والتطور لتحقيق الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الانسان وحكم القانون. ونطالب بالكف عن التهديدات التي يتعرض لها الكتاب في المهجر، حيث تحول بعض مكاتب الأحزاب الكردستانية والحكومية إلى مكاتب تجسس على الكتاب. كما تحَول بعض مواقع الانترنت العائدة لبعض الأحزاب الكردستانية إلى مواقع حجب الكلمة الحرة والنقد النزيه إذا كان النقد موجها ضد قيادة حزب ذلك الموقع الالكتروني الكردستاني، مع العلم أن الذين يديرونها يعيشون في أوربا، وهم قد نسوا أنفسهم ما يعيشون فيه من حرية مع الأسف، حيث قوانين الدول المتواجدة فيها تحمي حق التعبير عن الرأي ومنع حجبه. في الوقت الذي تستلم تلك المواقع مساعدات مالية من الدول المتواحجة فيها، على أساس تشجيع ممارسة الإرادة الحرة. إنها مأساة ليس بعدها مأساة حين لا يفهم السجين الحزبي في أوربا الحرة معنى التعبير عن الرأي، فكيف بالفقراء والمساكين في الوطن؟

كلنا مطالبون باحترام ممارسة الإرادة الحرة والتعبير عن الرأي لخير الشعب كله. نحن الكتاب الملتزمون المستقلون نريد أن نكون للكل ولا نريد أن نكون للجزء، مع احترامنا للجزء الذي يجب أن يحترم إرادتنا أيضا. نريد مجتمعا ديمقراطيا تنعم فيه الأكثرية والأقلية بالحرية والكرامة. وما تصويتنا في الانتخابات إلاّ من أجل كردستان وشعب كردستان والعراق وليس من أجل شخص معين أو قيادة معينة. فالقيادات في المجتمعات تتغير بفعل إرادة الشعب. والشعب صاحب السيادة. هكذا تعلمنا في الغربة الحزينة، وهكذا يجب أن تتعلم قياداتنا معنى الديمقراطية. وأدعو هنا بضرورة أن تُفتح دورات تثقيفية لعناصر قيادية حزبية قبل غيرها من المواطنين ليفهموا معنى الديمقراطية.

الكاتب مسقل
[email protected]

الحلقة الأولى: ماذا نعمل من أجل حرية كمال